هل سيتوسع نطاق المواجهات بين المغرب والبوليساريو؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
حتى الأحد الماضي وصل عدد البيانات العسكرية التي أصدرتها جبهة البوليساريو الخاصة بالهجمات التي شنتها قواتها على مواقع من تصفه بالعدو المغربي، ثلاثمئة وخمسة بيانات. ومع أن تقارير الملاحظين الأممين لم تشر في الغالب إلى وجود خروقات كبرى لوقف إطلاق النار الموقّع بين الجانبين أوائل التسعينيات، وقللت من أهمية الاحتكاكات بين الجيش المغربي ومقاتلي الجبهة، بعد تجدد النزاع بينهما، إثر قيام المغاربة في نوفمبر الماضي بإخلاء معبر الكركرات من عناصر تابعة لها، إلا أن إعلامها لا يزال ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم يرى أن الحرب التي أعلنت من جانب واحد مستمرة ومتواصلة، ما جعل من تلك البيانات أشبه بالخبز اليومي الذي صار من الصعب تركه، أو الاستغناء عنه.
لكن إن كان رجالها أو أفراد منتسبون لها قد قطعوا أواخر العام الماضي ولعدة أسابيع الطريق على الشاحنات المغربية في الكركرات، التي لا تبعد سوى مسافة قصيرة عن الحدود الموريتانية، فما الذي سيمنعهم الآن إذن من أن يوسعوا المجال لأبعد من ذلك، ويطلقوا الرصاص على سواق تلك المركبات داخل بعض مناطق مالي، التي تشهد انفلاتا أمنيا، ما دام الهدف في الحالتين واحدا، وهو محاولة إبعاد المغرب لا عن أراضٍ يطالب باستكمال السيادة عليها، بل عن مجال جغرافي يعده شريانه الحيوي وامتداده الطبيعي وهو افريقيا؟

نيران تشتعل في أكثر من زاوية في منطقة الشمال الافريقي، والأسوأ أن تنضاف إليها ألسنة لهب أخرى على التخوم الجنوبية للصحراء

ما هو ثابت أن التحقيقات حول وجود تلك الفرضية من عدمها، لا تزال اليوم في بداياتها، ما يعني أنه سيكون من المبكر جدا الجزم من الآن بتورط جهة بعينها في مقتل سائقين مغربيين وإصابة ثالث السبت الماضي داخل التراب المالي، وعلى بعد ثلاثمئة كيلومتر من باماكو. لكن الطريقة التي حصل بها الحادث ولخصتها وكالة أنباء المغرب العربي للأنباء، في إحدى برقياتها في «اعتراض مجموعة مسلحة من عدة أفراد كانت مختبئة بين الأشجار على جنبات الطريق» لسواق مغاربة واستهدافهم بشكل مباشر، من خلال إطلاق النار عليهم، ثم ما أضافته بعدها ونقلا عن شهود عيان من أن «المهاجمين كانوا مقنعين ويرتدون واقيات من الرصاص، ولديهم أجهزة اتصال لاسلكي، كما أنهم لم يقوموا بسرقة أي أغراض، إذ لاذوا بالفرار مباشرة بعد ارتكاب جرمهم» تفتح الباب أمام مختلف التفسيرات بما فيها تلك التي تشير إلى احتمال أن يكون البوليساريو هو من يقف وراء عملية قد يكون الغرض منها توجيه رسالة إلى الرباط، بقدرة التنظيم المسلح على أن يوسع، متى رغب في ذلك، من نطاق حربه المفتوحة معها، وأن لا يجعلها تنحصر فقط داخل الأراضي الصحراوية، التي يطالب بها، بل تمتد خارجا إلى مناطق أخرى في الجوار. وتبدو الساحة مهيئة تماما لبعث واستقبال تلك الرسائل، فهناك من جهة حالة الانسداد السياسي والدبلوماسي التي تعمقت أكثر بين الجارين المغاربيين، بعد إعلان الجزائر أواخر الشهر الماضي عن قطع علاقتها بالمغرب، وهناك من الأخرى أيضا مجال جغرافي واسع وممتد يشمل مناطق شاسعة غير بعيدة عن موقع النزاع وخارجة عن أي سلطة مركزية، مثل شمال مالي، ومن غير المستبعد أن تتحول إلى ساحة، أو ميدان جديد لتصفية بعض الحسابات القديمة بين المغاربة والجزائريين. وبغض النظر عما إذا كانت الجبهة متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر، أو إن كانت تقف وراء الحادث الأخير، أم لا، فإن فكرة توسيع مواجهتها مع الرباط وإخراجها من نطاق ما تصفه الأمم المتحدة بالمنطقة العازلة في الصحراء، وتسميه الجبهة مناطق محررة لا تبدو مستحيلة أو غريبة في ظل الوضع الحالي، لكن إن ثبت سعيها أو تخطيطها لذلك، فكيف سيكون رد الفعل المغربي؟ وهل إن الرباط ستكون في تلك الحالة في موقع يسمح لها بكسب أي صراع جديد قد يحصل هذه المرة خارج الميدان التقليدي لمواجهاتها مع الجبهة؟
إن نجاحها خريف العام الماضي في التعامل مع مشكلة الكركرات جعلها تدرك وبلا شك بأن هناك نوعا من المعارك أو المواجهات لا يربح فقط بالقوة العسكرية وحدها، بل بالأساس بمعاضدة وسائل أخرى، كالقدرة على جمع المعلومات والمناورة، ومباغتة الخصم بشكل غير متوقع. وليس معروفا بعد إن كانت البوليساريو التي صدمها التحرك المغربي في الكركرات باتت تفكر الآن في استدراج المغاربة إلى مجال جغرافي قد لا يختلف كثيرا عن المجال الحالي، غير أنه قد يكون وبحكم بعض العوامل مناسبا لها، من حيث أنه قد يمنحها أفضلية نسبية في التحرك داخله أكثر من الطرف الآخر، لكن الثابت هو أن انفتاح شمال مالي على طيف واسع من الحركات والتنظيمات المسلحة، بالإضافة ربما إلى إمكان وجود بعض الروابط بين بعض تلك الحركات والبوليساريو، قد يجعل الأخيرة ترى في جلب المغاربة بأي شكل إلى تلك الساحة فرصة ثمينة، لا لتوجيه ضربة قوية إلى أي قوات مغربية قد تأتي إلى هناك مثلا لحماية القوافل التجارية والشاحنات العابرة للمنطقة، بل إلى الروابط والعلاقات المغربية بالصحراء، وبما وراء الصحراء، أي العمق الافريقي للرباط، لكن حتى إن لم تفكر البوليساريو بذلك، أو لا تملك الإمكانات والوسائل اللوجستية لفعله، فهل إن هناك طرفا آخر يمكنه أن يدخل على الخط ويقدم له دعما قويا حتى يقوم به بالنيابة عنه؟
لا يتردد المغاربة هنا في الإشارة إلى الجزائر، على اعتبارها هي من توفر الدعم للجبهة. غير أن دخول ساحة قتال جديدة لن يكون ممكنا من دون ضوء أخضر من قوى أخرى غيرها ومن بينها فرنسا، فهل سيكون بوسع الفرنسيين مثلا أن يقبلوا بأن يكون ما قد يعتبرونه في مطلق الأحوال منطقة نفوذ استراتيجي تخصهم، مسرحا لتلك المواجهات؟ وعلى افتراض أنهم لم يمانعوا وسمحوا بذلك، فإن الأثر الذي قد يتركه توسع نطاق المواجهات سيكون محدودا. فلا أحد يتصور أن عمليات متفرقة قد تجعل المغاربة يراجعون موقفهم، أو يتخلون عن مطالبتهم باستعادة ما يعتبرونه جزءا من ترابهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، إن كانت البوليساريو تدرك ذلك جيدا، فما الهدف إذن من وراء محاولة الإيحاء بتوسيع نطاق المواجهات أو نقلها من منطقة إلى اخرى؟ ربما يكون ذلك جزءا من الحرب النفسية التي يخوضها الطرفان، لكن ألن يكون من الممكن أيضا أن يبحث طرف ثالث من خلال الترويج للفكرة عن جرهما معا إلى ما قد يعد أكبر فخ لهما؟ إن نيرانا كثيرة تشتعل في أكثر من زاوية على امتداد منطقة الشمال الافريقي، وأسوأ ما قد يحصل الآن أن تنضاف إليها ألسنة لهب أخرى تضطرم بقوة على التخوم الجنوبية للصحراء، فإن حصل ذلك لا قدر الله فسوف تكون بعض الأعمال كمتابعة ما سيصدره هذا الطرف أو ذاك من بيانات عسكرية أشبه بتأمل محكوم عليه بالإعدام لقالب حلوى.
نزار بولحية
كاتب وصحافي من تونس
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences