انقلاب فاشل في السودان.. هذا ما نعرفه، لكن الكواليس تكشف مشهداً أكثر خطورة
الشريط الإخباري :
قال الجيش السوداني إنه أحبط محاولة انقلاب فاشلة، وإن الأوضاع في البلاد باتت تحت السيطرة، بعد ساعات شهدت حديثاً عن انقلاب وصوراً تظهر دبابات بالقُرب من مناطق حساسة في العاصمة، فماذا حدث هذه المرة؟
وبدأت قصة المحاولة الانقلابية في وقت مبكر من صباح الثلاثاء 21 سبتمبر/أيلول، في صورة أنباء متناثرة تناقلتها وسائل إعلام سودانية عن قيام مجموعات من الجيش بمحاصرة مقر قيادة الجيش، بينما توجهت مدرعات إلى مبنى الإذاعة السودانية لبث بيان الانقلاب لكن تم إجهاض المحاولة.
وعلى مدى ساعات، استمرت الأخبار في التدفق، في ظل ضبابية تسيطر على المشهد، فلا أحد يعرف من هم قادة المحاولة الانقلابية ولا دوافعهم، وبث التلفزيون الرسمي في السودان بياناً من سطر واحد، نُسب إلى المتحدث الإعلامي باسم القائد العام للقوات المسلحة، يقول إن "المحاولة الانقلابية فشلت، والأوضاع تحت السيطرة".
محاولة انقلابية فاشلة سبق "الحديث" عنها
الحديث عن محاولة انقلاب في السودان يتردد عبر مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد منذ الأسبوع الماضي، ويوم السبت 18 سبتمبر/أيلول، أصدرت القوات المسلحة بياناً رسمياً نفت فيه بشكل قاطع تلك الأنباء، بل وهددت بملاحقة المروّجين لها.
وجاء في بيان القوات المسلحة السودانية، الذي نشرته على صفحتها الرسمية على فيسبوك: "تناقلت بعض الوسائط أخباراً مفبركة مفادها أن القوات المسلحة قد رصدت محاولة انقلابية أشارت فيها لضلوع بعض الجهات باستخدام عناصر داخل القوات المسلحة".
وتابع البيان: "تؤكد قواتكم المسلحة نفيها القاطع لهذه الأخبار مع حرصها على استكمال التغيير وبلوغ ثورة ديسمبر المجيدة لغاياتها، وسيتم التعامل مع ما أثير وفقاً للقانون، وتنتهز (القوات المسلحة) السانحة لتجديد التزامها بحماية الوطن والفترة الانتقالية".
البرهان
رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان/ مواقع التواصل
لكن الأحداث التي طفت على السطح منذ فجر الثلاثاء، وصور المدرعات في نطاق مبنى الإذاعة ومقر قيادة الجيش، أكدت أن هناك بالفعل شيئاً ما يجري خلف الكواليس، ثم جاءت البيانات الرسمية من القوات المسلحة ومن الحكومة المدنية لتؤكد أن هناك بالفعل محاولة انقلاب تم التصدي لها.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن العميد الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة، قوله إن القوات المسلحة "أحبطت المحاولة الانقلابية، وإن الأوضاع تحت السيطرة تماماً".
وكان محمد الفكي سليمان، المتحدث باسم مجلس السيادة الحاكم في السودان، قد كتب على صفحته الرسمية في فيسبوك في وقت مبكر قائلاً: "هبّوا للدفاع عن بلادكم وحماية الانتقال"، موجهاً النداء للسودانيين. لكنه عاد بعد أقل من ساعة وكتب تعليقاً آخر قال فيه: "الأمور تحت السيطرة والثورة منتصرة".
تقارير متناقضة وتصريحات من هنا وهناك
مصدر في الحكومة السودانية، طلب عدم ذكر اسمه، قال لرويترز إن محاولة الانقلاب تضمنت مساعي للسيطرة على إذاعة أم درمان التي تقع على الضفة الأخرى من النيل قبالة العاصمة الخرطوم. بينما قال شاهد إن الجيش استخدم دبابات لإغلاق جسر يربط الخرطوم بأم درمان في وقت مبكر من صباح اليوم الثلاثاء.
فيما قال مصدر عسكري سوداني رفيع للأناضول إن مجموعة انقلابية تحاول حالياً السيطرة على مفاصل البلاد. وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنية، أن المجموعة الانقلابية حاولت منذ فجر اليوم الثلاثاء السيطرة على سلاح المدرعات بالخرطوم، دون الكشف عن تفاصيل أخرى.
وفي الوقت نفسه، أفاد مراسل الأناضول بأن تشكيلات من الدبابات تتواجد حالياً في عدد من مناطق العاصمة، مع انتشار كثيف لقوات عسكرية، دون أن تتسنى معرفة ما إذا كانت هذه القوات والآليات العسكرية تتبع المجموعة الانقلابية أم قوات الجيش التي تحاول التصدي لها.
ولفت المراسل إلى أن دبابات تغلق الطريق المؤدي إلى جسر أم درمان القريب من مقر البرلمان. وأشار إلى أن الموقف في البلاد ضبابي، ومصير الانقلاب غامض حتى الآن، فيما لا يزال جهاز التلفزيون الرسمي تحت سيطرة السلطات السودانية.
السودان
مظاهرات في الخرطوم/ الأناضول
وبعد نحو أربع ساعات من التقارير الإعلامية والتصريحات المتناقضة، نقلاً عن مصادر رفضت الكشف عن هويتها لوسائل الإعلام المختلفة، قال العميد الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي للقائد العام للجيش، في تصريح نشرته وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا": "القوات المسلحة أحبطت المحاولة الانقلابية، والأوضاع تحت السيطرة تماماً".
فيما ذكرت "سونا" أن السلطات الأمنية والعسكرية أفشلت محاولة الانقلاب التي جرت فجر اليوم، مضيفة أنه "تمت السيطرة التامة على المحاولة واعتقال جميع المتورطين".
ولاحقاً، قال عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، في تصريح للأناضول: "الأوضاع حاليا تحت السيطرة؛ حيث تم القبض على بعض المتورطين في المحاولة الانقلابية وإخضاعهم للتحقيق لمعرفة تفاصيل المخطط ومدبريه والقائمين عليه".
وأضاف أن "الجيش يتفاوض حالياً مع وحدات عسكرية بسلاح المدرعات بمنطقة الشجرة جنوبي الخرطوم شاركت في الانقلاب للاستسلام دون مقاومة تفادياً لضربهم".
ومنذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، الذي حكم السودان لمدة ثلاثة عقود بعد أن جاء للحكم في انقلاب عسكري، يحكم السودان مجلس سيادة يضم عسكريين ومدنيين بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين، ويرأس مجلس السيادة حالياً الجنرال عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (قائد قوات الدعم السريع) بينما يرأس الحكومة المدنية عبدالله حمدوك.
من هم قادة المحاولة الانقلابية الفاشلة؟
لم تذكر البيانات الرسمية الصادرة عن القوات المسلحة أسماء بعينها لضباط مشاركين في محاولة الانقلاب، والأمر نفسه ينطبق عن تصريحات وزير الإعلام السوداني في أعقاب اجتماع الحكومة وقوى الحرية والتغيير، لكنه قال إن "من خططوا للمحاولة الانقلابية الفاشلة ينتمون إلى نظام الرئيس المخلوع عمر البشير"، دون أن يقدم تفاصيل أخرى.
كما ذكر مصدر عسكري لوسائل إعلام أنه "تم توقيف عدد من الضباط المتورطين في الانقلاب" دون أن يحدد عددهم أو الجهة التي ينتمون أليها. لكن من بين الأسماء التي ترددت عقب المحاولة الانقلابية، اسم اللواء عبد الباقي بكراوي؛ إذ زعم عدد من المسؤولين العسكريين ومجموعة من وسائل الإعلام أن يكون لهذه الشخصية العسكرية دور في الأحداث الجارية، بحسب تقرير لموقع إذاعة مونت كارلو الدولية.
الرئيس السوداني السابق بعد وضعه في السحن/رويترز
وذكرت وسائل إعلام أن بكراوي عاد إلى الخرطوم قبل أسبوع قادماً من القاهرة؛ حيث كان يتلقى العلاج عقب بتر ساقه، وكان بكراوي عضواً في حزب المؤتمر الوطني مع البشير، وتخرج في الكلية الحربية السودانية عام 1967 ثم نال ماجستير العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان عام 1981، ثم ماجستير العلوم العسكرية من ماليزيا في عام 1983، وزمالة أكاديمية السودان للعلوم الإدارية عام 1987. وقد شارك في حرب العبور سنة 1973.
وخلال هذه المحاولة الانقلابية، التي تعد السادسة منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، رجّح كثير من المحللين أن يكون سلاح المدرعات بضاحية الشجرة جنوبي الخرطوم خلف المحاولة، وهو السلاح ذاته الذي تردد أنه وقف خلف محاولة انقلابية سابقة، وحينها أيضاً تردد اسم بكراوي؛ إذ ذكرت تقارير محلية أنه رفض تسلم مهام قائده اللواء نصر الدين عبد الفتاح بعد اعتقاله.
وشهد سلاح المدرعات إقالة 8 جنرالات في وقت سابق، بحسب تقارير محلية، ومن بين من أقيل من سلاح المدرعات، اللواء عبد الباقي بكراوي، الذي كان القائد الثاني للسلاح قبل نقله إلى الأكاديمية. وذكرت مصادر سودانية محلية أن "علاقة سلاح المدرعات شهدت توتراً حاداً مع قوات الدعم السريع، إثر رفض الجهاز الأول تمركز الدعم السريع في محيطه". وفي وقت سابق أيضاً تم تداول إحالة بكراوي للتحقيق بعد تسجيل مسرب قيل إنه تضمن إساءات لمحمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي.
سيناريوهات متعددة والحقيقة لا تزال غائبة
هذه المحاولة الانقلابية هي السادسة منذ الإطاحة بالبشير، لكنها تقريباً المحاولة الأولى التي تأخذ هذا الشكل من حيث تحركات فعلية ووصول بعض ضباطها إلى مبنى الإذاعة لبث بيان "الانقلاب"، ولم يُعرف حتى الآن كيف تم "إجهاض" ذلك التحرك، بمعنى لماذا فشلوا في بث البيان ومن تصدى لهم.
وتحدث رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، للمرة الأولى، للشعب السوداني في بيان مباشر وجه فيه الدعوة للسودانيين إلى "استخدام كافة الوسائل السلمية لتحصين العملية الديمقراطية وصولاً إلى الاستحقاقات الانتخابية"، مؤكداً أن "ما حدث لابد وأن يكون درساً"، ومضيفاً: "نتخذ خطوات فورية لتأمين الانتقال الديمقراطي بالتعاون مع لجنة تفكيك النظام المعزول".
كان بيان حمدوك مقتضباً، وسبقته تصريحات نُقلت عنه قال فيها "إنه اتصل بالبرهان (رئيس مجلس السيادة) وأن الأخير أكد له أن المحاولة الانقلابية من تدبير فلول النظام السابق". وكان لافتاً تأكيد حمدوك على أن "المحاولة الانقلابية كانت تستهدف الثورة وما حققته من إنجازات للشعب السوداني".
محاولة انقلاب السودان
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك/ رويترز
ويرى فريق من المحللين السودانيين أن ما حدث يظهر مدى الانقسام بين العسكريين والمدنيين في الحكومة الانتقالية الحالية، ويعكس أيضاً رغبة العسكريين أو جانب منهم على الأقل في العودة للحكم العسكري المباشر، مستغلين المشكلات المزمنة التي تعاني منها البلاد سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن ما حدث كان "بالون اختبار" الهدف منه قياس رد الفعل الشعبي على أي انقلاب عسكري يؤدي إلى الإطاحة بالحكومة الانتقالية الحالية، في محاولة لاستباق تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، حيث ينص الاتفاق على أن يتولى عسكري (البرهان) رئاسة المجلس لمدة 21 شهراً ثم يتولى مدني الرئاسة لمدة 18 شهراً.
لكن في ظل تلك الصورة الضبابية التي تسيطر على المشهد السياسي في السودان منذ بداية المرحلة الانتقالية، من الصعب توقع أي سيناريو محتمل، خصوصاً أن العلاقة بين العسكريين والمدنيين في مجلس السيادة يغلب عليها "سوء النية والحذر"، بحسب كثير من المراقبين، كما لا يمكن استبعاد التوازنات الإقليمية وتأثيراتها على الأوضاع الداخلية في السودان مما يجري بالفعل.
الخلاصة هنا هي أن المحاولة الانقلابية قد فشلت، لكن السؤال: هل ستكون هذه هي المحاولة الأخيرة في السودان حتى تكتمل عملية الانتقال الديمقراطي للسلطة، ويتم انتخاب برلمان ورئيس وحكومة وتغلق صفحة الانقلابات للأبد، أم أن الطريق لا يزال طويلاً وقد تتكرر المحاولة؟