عقيدة الدفاع المدني...
الشريط الإخباري :
سامح المحاريق
عادةً ما تضج الشكوى الاجتماعية من الضريبة ومفارقاتها، فمن يتحملون الأعباء الضريبية الأعلى عادةً ما لا يستفيدون من خدمات التعليم لأنهم يسجلون أبناءهم في مدارس خاصة، ولا يستفيدون كذلك من الخدمات الصحية الحكومية، إلا أن الجميع يستفيد من خدمات الأمن التي في حال الحاجة لها تستطيع أن توازن بين أدائها وأداء الأدوار الأخرى، الدفاع المدني تحديداً يحضر بوصفه أحد المؤسسات التي تمثل الدولة الأردنية في أحد التجليات المهمة لمواطنيها.
من أدبيات الكتابة ألا تتحول الشخصية إلى أحد دوافع الكاتب، فالكاتب ومن خلال مسؤوليته في المساحة التي يشغلها في أي صحيفة أو منبر، عليه أن يتجنب تحقيق مغنم أو تجنب مغرم، ولكن أحياناً تكون التجربة الشخصية مدخله للتعرف إلى جانب معتم أو مشرق في أداء بعض المؤسسات، ولذلك استحضرت تجربة الاستعانة بالدفاع المدني اليوم ووجدتها فرصة للتأمل في عقيدة هذه النخبة من أبناء الأردن في جميع مواقعهم، وأستأذن القارئ بأن أشاركه تفاصيلها.
ليست المرة الأولى التي أستفيد شخصياً، أو أحد زملائي في العمل، أو معارفي من خدمات الدفاع المدني، ولا أن أكون شاهد عيان على تواجدهم ميدانياً وما يبذلونه من جهود في مهامهم، ولكن صباح اليوم واجهتنا معضلة منزلية تتعلق بخروج والدة زوجتي من المستشفى وهي المصابة بالكورونا، ولما كان جميع من يمكنهم العمل على خروجها مصابين، وكنت وزوجتي الوحيدين اللذين يمكنهما ذلك إلا أن ضعف المناعة لدى ابنتي وتخوفنا من أن نكون سبباً في نقل العدوى لها جعلنا غير قادرين على القيام بواجبنا الأسري، وبينما كنا نحاول الخروج بحل معقول لإعادة السيدة السبعينية إلى المنزل، ومعها أجهزة الأكسجين اللازمة، أتى اقتراح عفوي بالاتصال بالدفاع المدني.
تلقت المكالمة واحدة من العاملات في المؤسسة، واستمعت للطلب الذي لا تغطيه خدمات الدفاع المدني لأن وظيفة المؤسسة هي نقل المرضى والمصابين إلى المستشفيات وليس العمل على خروجهم، إلا أن ملابسات الحالة جعلتها تطلب الاستمهال ومراجعة المسؤولين لمناقشة الأمر ، وتوقعت ألا تعاود الموظفة الاتصال، ولذلك بدأت أفكر في استئجار سيارة إسعاف من أحد المستشفيات الخاصة، وما هي إلا أقل من دقيقتين وتلقينا اتصالاً من الدفاع المدني يملي علينا رقم العقيد محمد الخريسات مدير دفاع مدني وسط عمان، والذي تمكن من استيعاب مخاوفنا من العدوى لأنها ربما تحمل مخاطرة على ابنتنا ذات السبعة أعوام، وتفاعل الرجل بصورة ايجابية ليتم توجيه عربة اسعاف بصورة استثنائية.
عقيدة الدفاع المدني تعبر عن روح وطنية واسعة تتبدى في الظروف الجوية الطارئة حيث اعتدنا على مجموعة من الشباب من ملاك سيارات الدفع الرباعي تقوم بنشر أرقام هواتفها للطوارئ، وهذه الروح تتخذ الشكل المؤسسي مع الدفاع المدني في عقيدة يمكن القول بأنها تشكل جوهر الخدمة العامة، فهل يقع تميز العقيدة والممارسة في الدفاع المدني لتعايشهم مع طبيعة متطلبات تدفع لشعور بالمسؤولية المباشرة عن أرواح المواطنين وسلامتهم، وهو ما يتخطى التحفيز الذي يمتلكه موظف في دائرة الأراضي أو في الاحصاءات العامة ، أم أن المسألة تكمن في طبيعة المؤسسة نفسها وفي تقاليدها القائمة والتي تتوارثها أجيال المسؤولين والعاملين، وفي حالتنا، بكل جوانبها الشخصية، كانت عملية تصعيد المشكلة تبدأ من موظفة خدمة العملاء أو تلقي التبليغات وكان يمكنها أن توضح تعذر الخدمة من المكالمة الأولى، وهو ما يوضح أن الأمر يتخطى التصرف العارض ليمثل ثقافة مؤسسية مترسخة ترتقي لمرتبة العقيدة.
الغد