الأردنيون بعد الحظر يواجهون اعتلال الصحة النفسية
الشريط الإخباري :
نجاة شناعة
عمان- هدوء غير معهود على الطرقات، ودور العبادة بدت خالية من مرتاديها. قرار بتحويل التعليم عن بعد، وإغلاق للعيادات والحدائق ومراكز التسوق والرياضة، وصالات الأفراح ودور السينما ومنشآت العمل، أمر أشبه بإغلاق الحياة أمام الأفراد.
من لا يذكر حالة الصمت المطبق؟ تلك التي ألقت ظلها على حياة الأردنيين بعد منتصف آذار (مارس) العام الماضي، عندما قررت الدولة، إعلان حظر تجول للمواطنين وتنقلهم، ضمن إجراءات مواجهة فيروس كورونا المستجد – كما سمي في حينها-.
في العام الماضي، تنوعت القرارات الرسمية للدولة، القاضية بعزل المواطنين ومنع تفاعلهم الاجتماعي، بين الحظر التام والجزئي والحظر لأيام محدودة أو لساعات محددة، ما جعل من السهولة القول: إن الفيروس قد يرحل عن البشرية، لكن الحالة التي استقرت في أذهان ونفوس بعضهم، قد لا ترحل دون أثر، على نحو يتوافق مع ما صرحت به منظمة الصحة العالمية "إن الندوب التي تركها في نفوس كثيرين، في أنحاء العالم لم تنته بعد، بين حالات قلق واكتئاب، قد تحتاج وقتا طويلا، ليبرأ أصحابها منها”.
بتثاقل، تحاول الثلاثينية إيناس العودة الى ما كانت عليه حياتها قبل الفيروس؛ بعد فقدها لعملها كإدارية في مؤسسة تجارية، جراء تداعيات الإغلاق والخسائر الاقتصادية.
تشرح إيناس إن "فقدان العمل قد يكون قابلا للتعويض إذا وجدت عملا، لكن الشعور بعدم القدرة على تفهم الحالة السابقة في حياتي قبل حظر كورونا، والحالة التي تلتها منذ وقت، فيه الكثير من العزلة، والأحداث السيئة بالنسبة لي، إاذ غيرا من شكل وطريقة حياتي”.
"أحاول كثيرا تذكر كل ما صنعته سابقا، وكيف كنت أقضي يومي لإعادة جدول حياتي إلى ما كان عليه، لكني أجد صعوبة في ذلك، بخاصة وأن معظم وقتي كان مصروفا في العمل”، تقول إيناس، وهي التي ترعى والدها الذي تعرض لوعكة صحية حرجة خلال جائحة كورونا، أقعدته عن الحركة.
تدرك إيناس أيضا، صعوبة حالتها النفسية، وأنها ليست بخير كما عهدت نفسها سابقا، وتقول "تنتابني في كثير من الأوقات، الرغبة في البكاء بلا سبب، لكن شعورا داخليا يدعوني لذلك بحثا عن راحة.. لا أعلم”، مضيفة في "أحيان أخرى، أمضي وقتا فقط في الصمت والنظر إلى الجدار”.
وتقول "خلال حديث هاتفي مع إحدى صديقاتي، أدركت بأنني منذ نحو عامين لم ألتق بها”، متابعة "يبدو أنني نسيت كثيرا من الأشخاص في حياتي، وباتت تسيطر علي ألفة الوحدة، ثمة شيء اختلف، لكنني لست قادرة على تسميته أو تحديده”.
في السياق ذات، تبدع طالبة الإعلام والتصوير وصناعة الأفلام فاطمة أيوب، في نقل مشهد عزلتها، اذ تقيم بمدينة ليدز في بريطانيا، بعيدة عن الأهل والأقارب.
في تلك الأثناء تلتقط أيوب صورة لها، ضمن مساق دراسي، إحدى واجباته التقاط صورة شخصية، موضحة أن "الصورة التقطت في وقت حجر لمدة أسبوعين داخل الغرفة، وغير مسموح لي الذهاب الى الجامعة، أو الخروج لشراء الحاجيات”.
وتضيف إن "الصورة معتمة، كناية عن الوحدة والعزلة، لكن الضوء فيها قادم من النافذة؛ بحيث جلست قربها وهي تطل على الشارع، كونها السبيل الوحيد لصلتي بالعالم الخارجي، ومددت يدي في محاولة للتواصل لكن دون جدوى”.
قبل الفيروس وفي الحظر: كيف هي الصحة النفسية؟
ما سبق، يطرح سؤالا علينا: كيف هي الصحة النفسية قبل وبعد الحظر بسبب فيروس كورونا؟ تؤكد الأستاذ المساعد في علم النفس الاكلينكي بجامعة عمان الأهلية فداء أبو الخير "أن الحياة قبل وبعد ظهور الفيروس ليست سيان؛ الأمر ارتبط بحدث ضاغط شكل أزمة عالمية مفاجئة وغير متوقعة، ما جعل أثرها ووقعها أكبر مما هو متوقع”.
وتقول أبو الخير "إن الحظر الجزئي أو الكلي، تركا آثارا سلبية، كونهما مفاجئين وطويلي الأمد، وأحيانا شكلا تهديدا لحاجات أساسية للفرد”، مشيرة الى اننا "مجتمعات متفاعلة اجتماعيا، لكنها تأثرت بحكم الحظر، ولعل أكثر ما ظهر من آثار بعد الحظر على الصحة النفسية، تمثل بـ: حالات الاكتئاب، نوبات الهلع، قلق الموت، القلق الاجتماعي، الوسواس القهري، والشعور بالفقد وتبعاته”.
منظمة الصحة العالمية، أحيت اليوم العالمي للصحة النفسية في العام الحالي تحت عنوان "الرعاية الصحية النفسية للجميع: لنجعل هذا الشعار واقعاً!”، مشددة على أن جائحة كورونا، كان لها أثرها الفادح، الذي لم يقتصر أذاه على المرض العضوي والموت، بل طال الصحة النفسية لملايين البشر”.
ويعبر الأخصائي النفسي علي الغزو في حديثه لـ”الغد”، عن قلقه من العبء النفسي الذي تسببت به الجائحة على الأفراد؛ نتيجة لشعور الفرد بعدم الرضا عن واقعه، ما انعكس على جوانب حياته المهنية والعائلية.
ويشرح، إنه برغم تركيز قرارات قانون الدفاع على الجانب الوقائي لحماية المواطنين، لكن أثرها النفسي كبير؛ إذ غيرت من أنماط حياته وعلاقاته الاجتماعية، أو الصعيد المهني له، ورضاه عن مدى انتاجيته، وتدني درجة الرضا عن نفسه.
ويلفت الى أن ما سبق، تسبب بحالة من الاكتئاب والعزلة والانطواء وانغماس الفرد في التفكير بعد ذلك، على نحو جعله في حالة توتر دائم وقلق وخوف، إلى جانب التوتر الناجم عن آثار التعطل عن العمل خلال الحظر، وما تبعه من تراكم للديون وتراجع المستوى الاقتصادي للأفراد.
على صعيد ذي صلة، تكشف دراسة أعدها اختصاصي علم النفس العصبي الاكلينيكي ورئيس الجمعية الأردنية لأخصائي علم النفس العيادي محمد شقيرات، ارتفاع الضغوط النفسية السلبية على الافراد، وأن نسبة عالية تراوحت بين 64 إلى 72 % عانوا من الضغوط المرتبطة بالبقاء في البيت والعوامل الاقتصادية، وظهرت عليهم حالات قلق واكتئاب.
الدراسة التي تركز موضوعها حول الرفاه النفسي والضغوط النفسية السلبية، أشارت إلى انخفاض الرفاه الاجتماعي في فترة الحظر الأولى التي بدأت في آذار (مارس) العام الماضي، وامتدت حتى نيسان (إبريل) العام نفسه، ثم عاد الى التحسن بعدها تدريجيا حتى نهاية العام، بسبب تخفيف إجراءات الحجر.
يفسر شقيرات ما سبق، بأن بداية انتشار الفيروس، لم تكن هنالك معلومات واضحة عنه، ومع حالة عدم الوضوح، يفسر الدماغ تلك الحالة، بأنها تهديد يرفع من منسوب القلق للأفراد، ويتسبب بحدوث سلوكيات غير سوية، مثل المشاكل في الأسرة أو ارتفاع نسبة التدخين، أكثر أو حتى الإدمان على مواد مخدرة أخرى.
ويضيف أنه، إلى جانب التأثيرات التي أحدثها حظر الفيروس "تأثرت الأسر اقتصاديا وماليا، وزادت الصراعات في الأسر بنسبة عالية، بسبب وجود الجميع في المنزل لفترات زمنية طويلة، في مقابل فئة أصبحت، تخطط جماعيا لقضاء الوقت وتنظيم المصروفات والسلامة العامة”.
في السياق ذاته، تظهر نتائج دراسة استقصائية، تناولت الأثر النفسي على المجتمع الأردني واللاجئين في ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة الفيروس، أن 53.9 % من عينة الدراسة أثرت الجائحة على صحتهم النفسية، عن طريق مساهمتها في استرجاعهم للذكريات السيئة.
الدراسة التي أعلنها مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية في جامعة اليرموك، حزيران (يونيو) الماضي، بينت أن 71.2 % من أفراد العينة، عانوا من اضطرابات على نحو فعلي في النوم الفترة السابقة.
وعبر 56.3 % عن ازدياد شعورهم بخيبة الأمل، نتيجة استمرار أو توقف أو تغير نمط عمل معظم القطاعات الحيوية في الاردن (مثل المدارس والجامعات)، بالاضافة الى أن 74.1 % منهم لا يشعرون براحة نفسية عند دخولهم للأماكن العامة التي يوجد فيها مجموعة من الأشخاص.
الصحة الجسدية على حساب النفسية
تلفت الانعكاسات غير العادية للقرارات الرسمية على الصحة النفسية للأفراد، وفق ما خلصت إليه دراسات وتنبيهات المختصين إلى الاستفهام عن سبب غياب الصحة النفسية، عن الاهتمام الرسمي أثناء فرض إجراءات مواجهة انتشار الفيروس، والاهتمام بالصحة الجسدية على الصحة النفسية، وكيف حاول مختصون نفسيون، سد تلك الثغرة ومساعدة الأفراد في تجنب الآثار النفسية المحتملة.
تقول أبو الخير إنه "على مستوى الأخصائيين النفسيين، وجدت مجموعة من النشاطات لجمعيات رفعت توصيات، أو الدفع باتجاه تحسين جودة الحياة خلال الجائحة”، لافتة إلى أنها أرسلت الى وزراء الصحة وأعضاء من لجنة الأوبئة خطابا، بضرورة أن تتضمن لجنة الأوبئة أخصائيين نفسيين ضمن أعضاء اللجنة، لكن دون أي رد يذكر.
يعلق الغزو على الأمر "ربما الأزمة مفاجئة، وعامل الوقت له دور كبير”، فيما يشير شقيرات، إلى أنه مع بدء الحجر جرى تقديم دعم عبر صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك”، خصصت لنشر تنبيهات وإرشادات، تحسبا لخلق آثار نفسية على الأفراد، ومحاولة لتعويدهم على البدء بيومهم كما هو معتاد.
فيما الأمر يبدو تفسيره لدى خبراء حقوق الإنسان مختلفا، إذ تقول المديرة التنفيذية لمجموعة ميزان لحقوق الإنسان إيفا أبو حلاوة "إن الأزمة النفسية من كورونا وباء ثان لم تكن له أولوية لدى الجهات الرسمية، وبقي الاهتمام لدى بعض الجهات”.
وتلفت ابو حلاوة إلى أن القرارات الحكومية بالحظر الكلي ومنع التجول، كانت مستغربة؛ إذ إن بعض الدول لم تجر فيها إغلاقات كاملة، مشيرة إلى أنه كان من الضروري التفات القرارات الرسمية إلى الصحة النفسية للأفراد، وهو أمر كان بالإمكان فعله.
تشجع إرشادات منظمة الصحة، على تقديم خدمات تتمحور حول الفرد، وترتكز على نهج قائم على حقوق الإنسان، وفق ما هو موصى به، بموجب خطة عمل المنظمة للصحة النفسية 2020-2030، والتي ووفق عليها في أيار (مايو) الماضي.
وتشدد المنظمة على أنه لا يمكن التضحية بمجموعة واحدة من الحقوق لصالح أخرى، وأن ثمة حدودا صارمة حول: متى وكيف وإلى أي مدى، قد يجري تقييد تلك التدابير مع الحقوق، مع ضرورة أن يرنو أي تقييد إلى تحقيق هدف مشروع، يكون متناسبا وفعالا ومستنيرا بالأدلة.
هل تأثرت حقوق الأفراد جراء الحظر والمنع؟
تلفت القرارات الرسمية التي اهتمت بحماية الصحة الجسدية على حساب الصحة النفسية للأفراد، وحظرت حق التنقل وقيدت حقوقا أخرى، منعا لانتشار الفيروس، إلى التساؤل عما إذا كانت أمرا مبررا للقول: إن هذا المنع لم ينتهك حقوق الافراد وحرياتهم؟
يجيب الخبير الحقوقي محمد الموسى بقوله إنه "حسب المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تعترف الدول الأطراف بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة، وتكون الدول بوجه عام، ملزمة باتخاذ التدابير لمنع أي تهديد قد يمس الصحة العامة، وتوفير الرعاية الصحية لمحتاجها”
ويلفت إلى أن لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أشارت الى التكامل والترابط بين الحق في الصحة والحقوق الانسانية الأخرى، المعترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، كالحق في الغذاء والتحرر من الفقر، والحق في الحياة وتجريم التعذيب وإساءة المعاملة ومنع التمييز والمساواة، والحق في الخصوصية وحرية الاجتماع والتجمع والكرامة الإنسانية.
الموسى يوضح أنه "من حيث المبدأ، ليس ثمة شك في أن وباء كورونا شكل وما يزال، تهديدا للحق في الصحة، ولعدد من الحقوق الإنسانية المرتبطة به”، مضيفا إن "الوباء أيضا يرقى دون أدنى مناقشة، الى كونه تهديدا لحياة الدولة، وحالة طارئة تجيز بحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان للدول، اتخاذ تدابير تعطيلية أو تقييدية بالنسبة لممارسة بعض الحقوق الإنسانية المعترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بشروط دقيقة ومنضبطة”.
ويذكر أن من أبرز تلك الشروط ، ضرورة الإجراء التقييدي، وتناسبه مع الغاية المشروعة المرجوة من ورائه، وعدم اتصافه بأي طابع تمييزي، وألا تطبق طائفة الحقوق الإنسانية المطلقة كتحريم التعذيب واساءة المعاملة، والحق في الشخصية القانونية وحرية الفكر والوجدان وشرعية الجرائم والعقوبات.
تؤكد أبو حلاوة أن "حقوق الأفراد تأثرت من بينها عدم قدرة بعضهم على الالتحاق بالتعليم عن بعد؛ لعدم تمكنه من الحصول على خدمات الإنترنت، ما خلق طبقية في التعليم، وأثرت على العدالة الاجتماعية للأفراد، وهو ما يؤثر على إحساس الشخص بالولاء والانتماء تجاه وطنه”.
وتتفق مع ما يطرحه الموسى، اذ تقول إن "حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية، أجازت محددات لتقييد الحقوق خلال حالات الطوارئ بوضوح، لكنها نصت على ألا تشمل القيود كل الحقوق، وأن تكون معلنة ومؤقتة، تنتهي بانتهاء الظروف وفي أضيق الحقوق”.
وبحسب الخبير الحقوقي كمال المشرقي، فإن رسائل الأمم المتحدة دعت الى ضرورة احترام حقوق الإنسان، وعدم المساس بالحقوق والحريات أثناء مجابهة كورونا، وإذا ما وجد تقييد للحقوق، لا بد من تقديم اخبار لأجهزة الأمم المتحدة عن حالات التضييق.
ويستدرك قائلا إن "هناك منظومة تحتاج لإعادة إصلاح برؤية تكاملية وليس عبر حالة أو قضية محددة”، مشددا على أن الجائحة، كشفت هشاشة التعامل مع منظومة حقوق الإنسان، والفجوة بين القطاعات التجارية والصناعية على حساب قطاعات أخرى ومنظومة العمل، بالإضافة للفئات المستضعفة التي عانت من العنف”.
المشرقي يشرح، إنه "لا بد من الموازنة بين الاجراءات والحالة الواقعية للمجتمع؛ فحقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة أثناء التعامل مع الظروف الاستثنائية، وهي مرتبطة بالضمانات الأساسية في الحق بالحياة، والتنقل، كونها مرتبطة في الحق بالحياة والسلامة الجسدية، وعدم التعرض لأي انتهاكات”.
على أرض الواقع، يذكر المشرقي، أن الممارسات خلال إجراءات مجابهة الفيروس، ركزت على الحق في الصحة من جانب عدم انتشار الجائحة، وكانت الرسالة الملكية واضحة في تفعيل قانون الدفاع، بألا يكون على حساب حقوق الإنسان.
المفاجأة وفق المشرقي، تمثلت بغياب أدوات التعامل مع الأزمات، من ناحية الإجراءات على أرض الواقع، وضرورة أن يكون لديها خطط للتعافي عن طريق إجراءات محددة ومؤقتة ومعقولة المدة.
حقوق الأفراد بين التقييد والموازنة
لما كانت الأردن من بين الدول التي اتخذت تدابير تقييدية، عطلت ممارسة جملة من الحقوق الانسانية المعترف بها في القانون الدولي لحقوق الانسان؛ باعتبار أن الجائحة تشكل ظرفا طارئا استثنائيا يهدد الصحة العامة، يطرح الموسى تساؤلات قانونية حول مدى التوافق بين تلك التدابير والشروط الواجب احترامها لتطبيقها.
ويقول "لا يجوز ألا يكون الإجراء المقيد لحرية التنقل غير ضروري لتحقيق الغاية المشروعة من ورائه، وهي حماية الصحة العامة، ويجب أن يثبت علميا وعمليا أنه ضروري ومتناسب مع تلك الغاية”.
ويضيف أيضا أنه "لا يجوز للدولة بحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان، التوسع في الإجراء، أو أن تفرضه لمدة زمنية تتجاوز المدة الملائمة لتحقيق الغاية المتوخاة منه، كما لا يجوز ممارسته على نحو تمييزي أو تعسفي”.
ويشير إلى أن "الأمر ذاته، ينطبق على باقي الحقوق الأخرى التي يجوز تعطيلها في مثل تلك الحالات، وهي الحقوق التي تسمى في القانون الدولي لحقوق الانسان بالحقوق الموصوفة”.
أما بخصوص الحقوق العمالية والحق بحد ملائم من العيش، فيلفت الموسى إلى أنه "لا يكفي التزام الدول بضوابط وشروط جواز الإجراءات التقييدية، بل ينبغي على الدولة المعنية، اتخاذ تدابير ايجابية تكفل ضروريات ضمان الكرامة الانسانية للمتضررين جراء تعطيل العمل بالحقوق المذكورة”.
ويخلص الموسى الى القول "يتعين أن تكون الاجراءات التقييدية قابلة للمراجعة القضائية ولطعن الافراد بها، للنظر في توافقها مع الشروط التي يوجب القانون الدولي لحقوق الانسان احترامها عند فرض تلك الإجراءات، فإذا ثبت أنها كانت تعسفية أو غير متناسبة، وجب تعويض المتضررين منها”.
تناغم التدابير التقييدية مع القانون الدولي لحقوق الإنسان
يجابه النقاش بخصوص التدابير التقييدية المتخذة، استنادا على قانون الدفاع، بل حتى اللجوء الى قانون الدفاع، لتقييد ممارسة الحقوق الانسانية بغية مواجهة الجائحة، تشديدا حقوقيا مرة أخرى على اتفاق تلك التدابير مع شروط تقييد الحقوق الانسانية المعمول بها في القانون الدولي لحقوق الانسان.
على أرض الواقع، يكشف الموسى، أن التدابير التقييدية التي اتخذت رسميا لمواجهة التهديد الذي يشكله الوباء على الصحة العامة، يظهرها للوهلة الأولى، وقد تجاوزت غايتها.
ووفق الموسى "فإن العمل بتلك التدابير، استغرق مدة طويلة، وما يزال بعضها قائما، إلى جانب أن تطبيقها لم تصحبه تدابير تعويضية متناسبة مع حجم الأضرار التي لحقت بكثير من الأفراد، جراء تقييد حرية تنقلهم وممارستهم لأعمالهم وأنشطتهم العمالية والتجارية”.
ويضيف "أن فرض عقوبات جزائية كالغرامات على أساس أوامر الدفاع، لا يتفق مع مضمون مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات بالمعنى المستقر في القانون الدولي لحقوق الانسان، فضلا عن أن تلك التدابير، طبقت في بعض المجالات بطريقة تمييزية؛ إذ إنه في أماكن مكتظة بالناس، لم يجر العمل بعدد منها، بينما في أماكن أقل اكتظاظا وخطورة، عمل بها بصورة صارمة”.
ويلفت الموسى في حديثه، إلى أن ثمة تدابير تقييدية طبقت أحيانا بصورة تدعو للاعتقاد بأنها ليست ضرورية لمنع انتشار الوباء، من قبيل منع الحركة في يوم الجمعة دون غيره؛ إذ إنها ربما تنطوي فعلا على إخلال بالشروط الواجب توافرها بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان، للعمل بتلك التدابير.
أما بخصوص آثار تلك التدابير التقييدية على عدد من الحقوق الانسانية، بخاصة العمالية، والحق في التعليم والمستوى الملائم واللائق من العيش، يذكر الموسى، بأنها ما تزال قائمة للآن، وليس ثمة محاولات جدية لإصلاحها قانونيا، وجبر الضرر الناشئ عنها.