عجز الموازنة بالأرقام المطلقة
الشريط الإخباري :
سلامة الدرعاوي
الأرقام المطلقة لعجز الموازنة ما تزال تثير القلق بسبب نموّه المتزايد من عام لعام، ويبدو أن هذا الأمر لا يقلق الحكومة لأن موقفها من العجز يعتمد على المعيار النسبي له في الناتج المحليّ الإجمالي وليس بالأرقام المطلقة.
بالأرقام عجز الموازنة يزداد عاما بعد عام بشكل كبير، فمن 1.215 مليار دينار في عام 2019 قفز العجز إلى 1.756 مليار دينار المقدّر في مشروع قانون موازنة 2022.
بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي نجد أن العجز الماليّ تراجع في السنوات الثلاث الماضية رغم ارتفاعه بالقيم المطلقة، فقد انخفضت نسبته بالتدريج من (7 %، 5.4 %، 5.2 %) للسنوات (2020 ،2021، ومقدر في 2022).
الأرقام السابقة مقلقة اقتصاديّا خاصة إذا ما أضفنا عجز المؤسسات والهيئات المستقلة الذي يتجاوز الـ600 مليون دينار ليبلغ إجمالي عجز الموازنة الرسمي للخزينة مجتمعة ما يقارب الـ2.356 مليار دينار وهو بالمعيار الاقتصاديّ مستوى مرتفع، وفي حال عدم التصدي له سيكون له على المديين المتوسط والبعيد آثار سلبية للغاية، لذلك فإن ضبط عجز الموازنة يجب أن يتصدر الآن أولويات الحكومة.
لا يتوقع أن تظهر موازنة في الأردن دون عجز، فالمؤشرات الرقميّة للاقتصاد الوطني وتطوراته تؤكد أن الموازنات ستبقى تعاني من عجز لسنوات طويلة، والمهم هنا أن ينحصر نموّ العجز بنسب أقل من النموّ الاقتصادي المستهدف (2.7 %) في المرحلة الأولى لمعالجته والتصدي له، وغير ذلك سيكون هناك تبعات كارثية على الميزانية في حال تجاوزة زيادة العجز للنموّ الاقتصاديّ.
وزارة الماليّة اليوم تدرك خطورة أن يبقى هذا العجز بمستوياته الرقميّة الحالية خاصة في ظل تباطؤ النموّ واستمرار مباحثاتها مع المانحين وصندوق النقد الدولي، لذلك فإن وضع التصدي للعجز ضمن أولوياتها يبعث برسالة إيجابيّة للمجتمع الدولي، ويعزز إيجاباً بيئة الأعمال المحلية خاصة وأنه، أي العجز المقدّر للسنة المقبلة، أقل نسبيا مما هو فعلي في عام 2021، حيث يسجل مع نهاية العام الحالي 1.729 مليار دينار.
تخفيض العجز بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، هو عملية مزدوجة تتطلب تخفيض الإنفاق الحكومي، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي في آن معاً لذلك يتوجب على الحكومة وضع خطة لضبط الإنفاق، خصوصاً الجارية منها، بحيث تفوق فيها الإيرادات المحليّة النفقات الجارية، كما عليها أن تضع خطة تحفيز النموّ الاقتصاديّ.
إن إمكانية تخفيض النفقات الحكوميّة محدودة جداً، لأن معظم الإنفاق الجاري يذهب لتغطية الرواتب، والتقاعد، وخدمة الدين العام، والرعاية الاجتماعيّة والصحيّة، ودعم بعض السلع والخدمات الأساسيّة مثل: المياه، والشعير، وأسطوانة الغاز والخبز.
هنا يتوجب أن تكون أولويات الحكومة وضع خطة لتخفيض الإنفاق الحكومي إلى ما نسبته (25 بالمائة) من الناتج المحلي الإجمالي، والمحافظة على هذه النسبة كحد أعلى يتم تخفيضها كلما كان ذلك ممكناً، دون أن يؤثر هذا التخفيض على نوعية الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين.
وعلى الحكومة أيضاً تضمين هذه الخطة سياسات واضحة لزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي، ووقف الهدر في المال العام.
هذا الأمر يتطلب من الحكومة ممثلة بوزارة الماليّة الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، بحيث تتساوى النفقات العامة في الموازنة مع الإيرادات المحلية وتخفيض النفقات الحكومية تدريجياً عبر الالتزام بعدم زيادة نسبة الإنفاق الحكومي للناتج المحلي الإجماليّ عن (25 بالمائة)، وتخفيض خدمة الدين العام (1.428 مليار دينار) والتي فعلا انخفضت مقارنة عما كانت عليه في 2021، ويكون هذا من خلال مواصلة استبدال القروض عالية الفوائد بأخرى بفائدة أقل، ولمدد زمنية طويلة.
كما يتطلب الأمر مراجعة أوجه الإنفاق التشغيلي بهدف تخفيضه من خلال زيادة الأتمتة، واستعمال وسائل التراسل الإلكتروني في معاملات الأجهزة الحكومية، وفيما بينها وبين المواطنين، وضمان الاستفادة من الكوادر الحكومية وإعادة توزيعها بين المؤسسات الحكومية، بعد توفير التدريب اللازم لها وتمكينها من القيام بمهامها الجديدة.
يستوجب ذلك أيضاً لزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي توفير الخدمات على أعلى مستوى ممكن، وتقديمها على أفضل وجه للمواطنين وبعدالة، والاعتماد المتزايد على تمويل المشاريع الرأسمالية من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
كما يتطلب مواجهة العجز التخلص التدريجي من دعم السلع والانتقال إلى دعم المواطنين المستحقين، وزيادة كفاءة القطاعات التي ما تزال تعتمد على دعم الخزينة.
خطة ضبط الإنفاق أمر مهم للغاية في هذه المرحلة الصعبة، فهي رسالة للجميع بأن الحكومة مدركة لخطر التشوّه الإنفاقي لديها وهي مصممة على علاجه تدريجياً وغير ذلك سنبقى ندور عند نفس الإشكالية في الموازنة.
لا يمكن للعجز الماليّ أن يبقى بهذا المستوى الاقتصاديّ المقلق خاصة في ظل النموّ المتباطئ، الأمر بحاجة لتحرك أسرع وأقوى وأكثر فاعلية في التصدي للاختلالات الماليّة.