“ابن صانع الصابون” الذي اقتحم “الدولة الأردنية”.. نعي شعبي ونخبوي للمفكر الراحل عدنان أبو عودة
الشريط الإخباري :
رحيل المفكر السياسي الأردني عدنان أبو عودة المباغت في العاصمة عمان فجر الأربعاء لم يترك فراغا فكريا وسياسيا فقط بل تجاوز باتجاه "الفراغ الإستراتيجي” خصوصا وأن الفقيد الراحل من الرعيل الأول ومن أهم رموز تأسيس وبناء الدولة الأردنية الحديثة في مئويتها الأولى.
في آخر زيارة دورية له لمكتب "القدس العربي” وقبل أسابيع قليلة جدا من وفاته كان أبو عودة مصرا على قناعته بأن "من تسمى النخبة في الأردن وفلسطين لا تقرأ التاريخ”، ومهتما بالتذكير بأن المشكلة الأساسية في "الطبقة الأردنية” وفي رموز العمل الفلسطيني حاليا تتمثل في عدم وجود "من يفهم بالصهيونية.. كيف تخطط ثم تزحف؟”.
في عمان صباح الأربعاء أعلنت عائلة الراحل عن وفاته وخلال دقائق كانت منصات التواصل ووسائل الإعلام تنعى الراحل بكل الأدبيات واللغات وسط حالة سباق بين السياسيين والنشطاء والمثقفين لنشر مقتطفات من سجالات أو نقاشات أو مسارات صدفة ارتبطت باسم الراحل أبو عودة.
أبو عودة رحل عن أقل بقليل من 90 عاما وكان بعد تاريخ طويل من الألقاب والوظائف العليا في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال تماما المستشار السياسي الأول والوحيد والأخير حتى الآن في بدايات عهد الملك عبد الله الثاني حيث استقال أو أقيل من منصبه آنذاك في حادثة شهيرة ولها ملابساتها وبعد صدور كتابه ومؤلفه الأول بين عامي 1999 و2000.
قبل ذلك تقلد الراحل عدة مناصب رفيعة بينها وزارة البلاط ورئاسة الديوان الملكي ووزارة الإعلام وبقي حتى يوم وفاته أبرز مؤشرات الذاكرة السياسية الأردنية لأكثر من نصف قرن فقط متميزا بقدرته على المشاركة بندوات ونقاشات حتى أصبح مرجعا لكبار المحللين والضيوف والمفكرين الزائرين لعمان.
لوحظ بوضوح بأن المؤسسات الرسمية الأردنية وخلافا للعادة "تأخرت” في نعي "أبو السعيد” كما يعرف الجميع اسمه لكن على المستوى النخبوي والشعبي نعته عشرات المؤسسات ومئات الأشخاص خصوصا في الوسطين الثقافي والإعلامي إضافة لمركز الدراسات الإستراتيجية التابع للجامعة الأردنية.
لدى الراحل 3 مؤلفات فكرية وإستراتيجية وكان يجمع فصول مؤلفه الرابع الذي تحدث عنه بإسهاب في عدة زيارات وسجالات مع "القدس العربي” تحديدا ولديه العشرات من أوراق الأعمال التي حفرت بأعماق الصراع العربي الإسرائيلي أشهرها بحث أممي بخصوص "مستقبل القدس” وتقرير نوعي مؤخرا له علاقة بـ”واقعية حل الدولتين”.
أبو عودة في سيرته الذاتية المنشورة من مواليد 1933 في نابلس وهو سياسي ووزير وكاتب أردني، شغل منصب وزير الثقافة والإعلام في عدة حقائب وزارية منذ سنة 1970 إلى سنة 1984 على فترات متقطعة، وهو عضو مجلس الأعيان الأردني سابقاً وألف كتاباً سنة 2017 عن مسيرته السياسية خلال الفترة التي كان فيها وزيراً، ومن خلال الكتاب وضع الكثير من الملفات الغامضة أمام القراء.
ولد "أبو السعيد” لأسرة بسيطة، كان والده يعمل "صانع صابون” ووالدته ربة منزل، أصرت على إكمال ابنها دراسته، ورفضت أن تجعله صبيا في محل لتصليح السيارات.
انتمى خلال فترة شبابه الأولى لحزب التحرير وذلك بعد صداقةٍ مع ابن مؤسس الحزب تقي الدين النبهاني، لكنه تركه سنة 1955 بعد أحداث حلف بغداد.
ثم سافر إلى بريطانيا لإكمال دراسته والتحق بالحزب الشيوعي وآمن بمبادئه، لكن سرعان ما ترك الحزب بسبب ثورة 14 تموز في العراق. وقرر أخيراً عدم الالتحاق بأي حزب لاحقا إلى أن التحق بالكويت معلما، ولاحقا أصبح ضابطا متخصصا بالتحليل في المخابرات الأردنية التي كان ألمع رموزها في بداية السبعينيات إلى أن قرر الملك حسين بن طلال تعيينه وزيرا للإعلام وهو ضابط صغير السن في مرحلة لها أسرارها وألغازها وتابعتها "القدس العربي” مع الراحل في العديد من المحطات.
القدس العربي