بين الزرقاء والكرك… ملاسنات في السلط وعودة لحراك المفرق
الشريط الإخباري :
أطول إضراب أردني يصل إلى مناطق حساسة وسط ضجر أهلي وتجاذبات في الشارع
خلافات وتجاذبات وتبادل تهديدات في السلط.. أزمة مرور في الزرقاء.. اعتصام يتجدد في المفرق.. تظاهرة سيارات أمام قصر العدل في مدينة الكرك. تلك كانت أخبار أمس الأربعاء عندما يتعلق الأمر بأطول إضراب في تاريخ التعليم الأردني الحديث، حيث يشارف إضراب نقابة المعلمين على نهاية أسبوعه الثالث على التوالي وبداية الرابع، وصفوف مدارس الحكومة خالية تماماً من التلاميذ والأساتذة.
وتلك، في كل حال، وصفة حال لا تسر سياسياً أي مواطن أردني؛ لأن هيئة المعلمين تجاذبت نقاشياً مع أبناء مدينة السلط تحت عنوان استقبال نقيب المعلمين المتمرد بالوكالة، ناصر النواصرة، في إطار فعاليات الإضراب.
اعترض بعض أبناء المدينة على الزيارة ودافع عنها آخرون، وبدا أن الزيارة يمكن أن تثير إشكالاً أمنياً بعدما هدد مواطنون منزعجون من الإضراب بإعاقتها. قبل ذلك، وفي مدينة الكرك، أوقفت السلطات الأمنية أربع معلمات بعد شكوى فتاة متطوعة قالت إنها تعرضت للشتم والتحقير والضرب عندما حاولت مساعدة تلاميذ مدرسة حكومية.
لأول مرة يتم توقيف معلمات مضربات عن العمل وبناء على شكوى شخصية. فوراً اجتمع المعلمون الغاضبون وقرروا بكل بساطة مرافقة المعلمات الأربع من المركز الأمني إلى مبنى القضاء، ولكن بسياراتهم هذه المرة، على أمل توجيه رسالة للسلطات المحلية في المدينة بتضامن هيئات التدريس مع بعضها البعض. وحرصاً على عدم حصول تجاذب بين الأهالي تم الإفراج عن المعلمات الأربع.
بين الزرقاء والكرك… ملاسنات في السلط وعودة لحراك المفرق
قبل ذلك أيضاً سبّب تحشد المعلمين في مدينة الزرقاء أزمة سير خانقة، وأثيرت ضد الناطق باسم نقابة المعلمين، نور الدين ندين، إشكالية مداخلة تقدم بها مستعملاً عبارة «ثورة شعبية». نديم ظهر صوته نافياً الأمر عبر محطة راديو البلد، وقال إنه لم ينطق بكلمة ثورة، وإن تشويه كلامه جزء من شيطنة المعلمين، مؤكداً أن الحراك مطلبي ومهني ولا علاقة له بأي تسييس.
تلك الشواهد المناطقية بعيداً عن عمان العاصمة أصبحت تطفو باتجاه مستجد في غاية الحساسية، له علاقة بإضراب المعلمين الذي تحول إلى أزمة وطنية، فطول مدة الإضراب مع جلوس التلاميذ في المنازل والشوارع أصبح مضجراً لجميع الأطراف، والمواجهة بين نقابة المعلمين والحكومة أقرب إلى «عض أصابع».
الوزير الأسبق وخبير علم الاجتماع، الدكتور صبري اربيحات، اعتبر التصعيد خطأ وأعلن في أنه يصعب التنبؤ بنتائجه. تلميح الوزير اربيحات من شأنه أن يوجه لكل الأطراف، فللأسبوع الثالث على التوالي تجلس جميع الجهات الرسمية والنقابية على شجرة أزمة المعلمين. والساحة خالية بصورة مريبة جداً من أي مبادرات للاحتواء والمعالجة، بما فيها تلك التي اعتاد الجميع عليها باعتبارها وصفة أردنية في احتواء الأزمات.
ضجر الجميع من طول الإضراب اليوم، وأصوات بعض أعضاء البرلمان بدأت تقترح على الحكومة التصرف، وثار جدل عن تصريح منقول للنائب ووزير الداخلية الأسبق مازن القاضي، يتحدث عن تطبيق القانون. المعنى من تطبيق القانون هنا اتخاذ قرارات جريئة بفصل المعلمين المضربين وتعيين بديل عنهم.
لكن حتى في أعمق دوائر القرار في رئاسة الوزراء لا يوجد وصفة حاسمة للتعامل مع تداعيات تصعيد بيروقراطي وقانوني خوفاً من أن يكسب الجولة، في نهاية التصعيد، الإخوان المسلمون الذين رفضوا التدخل في مسألة المعلمين وعلاواتهم بعدما حاول الإعلام الرسمي شيطنة الحراك واتهام الإخوان به.
تستمر أزمة المعلمين في التدحرج بصورة دراماتيكية إلى حد غير مألوف سابقاً، ما دفع مجلس النقباء ولأول مرة منذ ثلاثة أسابيع إلى عقد جلسة تناقش الأزمة. طبعاً، خصومة عدد من النقباء المهنيين مع الإسلاميين سياسياً دفعتهم إلى إرجاء البحث في الملف، وإن مجلس النواب حتى اللحظة وبصورة غريبة فعلاً لم يتقدم بأي مبادرة، والأعصاب مشدودة تماماً، والحكومة تلوح بأزمة مالية خانقة للخزينة في حال الاستجابة.
حصول خلافات وتجاذبات مناطقية بين الأهالي يمثل المحطة الحساسة الجديدة التي تدحرج لها الملف، وبصيغة تنطوي وتنتج المزيد من التأزيم، مع أن سياسياً رفيع المستوى ووزيراً ونائباً سابقاً من وزن الدكتور ممدوح العبادي، اقترح على حكومة ما أسماه بجامعة هارفارد تقديم معالجة مالية ممكنة وميسورة بدلاً من بقاء مليون ونصف طالب أردني جالسين بلا دراسة.
الجدل وصل أيضاً وفي وقت مبكر إلى ملف خصخصة التعليم، وإلى دور معهد الملكة رانيا لتدريب وتأهيل المعلمين في الأزمة أصلاً.
البوصلة تائهة تماماً إزاء هذا الموقف المعقد، لكن – مجدداً – الأطراف والمحافظات في حالة سجال اليوم لا مصلحة لأحد فيها.
وهو سجال يحاول المقاربة بهدوء ووضوح بين حق المعلم في تحسين أحواله المعيشية وحق المواطن الأردني بأن يتلقى أولاده الحصص الدراسية بعد تأخر الموسم أكثر مما ينبغي، فيما بوادر مداخلة ملكية محتملة بدأت تظهر بمجرد عودة الملك عبد الله الثاني، مساء الثلاثاء، إلى عمان بعد رحلته الاشتباكية لصالح القضية الفلسطينية في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
القدس العربي - بسام بدارين