(هندسة الاحتلال أرشيف حكومة إسرائيل عام 1967)
الشريط الإخباري :
مراجعة: هاني علي الهندي
عن مركز الأبحاث ـ منظمة التحرير الفلسطينية صدر كتاب (هندسة الاحتلال أرشيف حكومة إسرائيل عام 1967) للصحفي والباحث في الشؤون الإسرائيلية عليان الهندي ويتكون من 214 صفحة من القطع لمتوسط، يتناول فيه أرشيف جلسات حكومة الاحتلال الإسرائيلي لكامل أرض فلسطين وبعض أراض لكل من سوريا ومصر.
أهمّية الكتاب ومنهجيته
تأتي أهمية الكتاب من خلال نبش أرشيف جلسات الحكومات الإسرائيلية قبل عدوان 1967 وبعده، والوقوف على آراء ونقاشات الوزراء، والكشف عن العقلية الإسرائيلية اتجاه العرب عامة والفلسطينيين خاصة، كما بحث في الشؤون المتعلقة بنتائج الحرب وانعكاساتها على إسرائيل والدول العربية والضفة الغربية وقطاع غزة، مما جعله مرجع مهم أمام الباحثين والدارسين للذين يبحثون عن الحقيقة.
لقد جاء في مقدمة الكتاب أن الأرشيف الذي أفرجت عنه سلطات الاحتلال يتضمن عدة مستويات من جلسات الحكومة هي: جلسات مجلس وزراء الشؤون الأمنية، وجلسات الحكومة الموسعة، واجتماعات اللجان الوزارية المتخصصة باتخاذ قرارات وتنفيذ سياسات تتعلق بشؤون الضفة الغربية.
ويذكر عليان أن الحكومة الإسرائيلية استثنت من الوثائق المفرج عنها جلسات عقدت في حزيران، وكل ما يتعلق بهوية مزودي المعلومات الاستخبارية، وما يتعلق بالأسرى العرب الذين تم إعدامهم بعد الحرب.
كما عرض الباحث تركيبة الحكومة الإسرائيلية التي شنت الحرب على الدول العربية برئاسة ليفي أشكول ووزير الدفاع موشي ديان، ومن خلال قراءة لمجمل الجلسات نجد أن هذه الحكومة من أكثر الحكومات الإسرائيلية قوة وتطرفا في تاريخها حتى يومنا هذا.
لم يقسم الكاتب كتابه إلى أبواب وفصول كما جرت العادة في تأليف الكتب، وإنما جاء بفصول دون الأبواب على اعتبار أن ما ورد في الكتاب هو باب واحد قسمه إلى فصول بعناوين مترابطة لو ضممناها إلى بعضها وجدناها تتمحور حول فصل واحد، كأنه يقول إن المأساة الفلسطينية لا يمكن تقسيمها إلى فصول وأبواب.
قسم عليان كتابه إلى ثمانية فصول يحمل كل فصل عنوان رئيس يضم عناوين فرعية فجاء في الفصل الأول أجواء التسخين ضم عناوين إغلاق مضائق تيران وصنافير، واستنفار الجيوش واشار في هذا الفصل من خلال أرشيف الحكومة الإسرائيلية إلى أن إغلاق مضائق تيران وصنافير أمام الملاحة الاسرائيلية دفع الحكومة ومجلس وزراء الشؤون الأمنية لمناقشة إمكانية فتح المعابر من قبل الولايات المتحدة والغرب، أو من قبل القوات الإسرائيلية، وكانت الأغلبية تحمل توجه الضربة الأولى للجيش المصري على أن يبدأ الهجوم بقصف المطارات على طريقة حرب 1956.
وعلى صعيد الجبهة السورية فقد أشار اسحق رابين في جلسة موسعة للحكومة بتاريخ 26/5/1967 إلى إمكانات الجيوش العربية بما فيها القوات الفلسطينية في قطاع غزة التي لا تملك أسلحة ثقيلة. كما أشار إلى الجيش الإسرائيلي معلنا الاستنفار العام.
أما الفصل الثاني الذي يحمل عنوان قرار الحرب فقد ضم عناوين فرعية هي سير المعارك ومحاولات وقف إطلاق النار ومحاولاته.
وأشارت وثائق الأرشيف بتاريخ 4/6/1967 إلى ضرورة توجيه الضربة الأولى لتحقيق الانتصار رافضة طلب أمريكا بمهلة جديدة، كما أشارت إلى سير المعارك على جبهات القتال وتوصية بعدم تدمير جسر اللنبي لوجود مليون عربي في الضفة الغربية وإتاحة الفرصة لمن يريد الهرب إلى شرقي الأردن. وأشارت جلسات الحكومة الإسرائيلية إلى أن الأمم المتحدة بدأت مبكرا البحث عن صيغة وقف إطلاق النار والعودة إلى حدود الرابع من حزيران، ولم تستجب الحكومة لطلب وقف إطلاق النار إلا بعد أن أصبحت الضفة الغربية والقدس تحت السيطرة الإسرائيلية.
أما الفصل الثالث الذي يحمل عنوان (الاحتلال) فقد عرض فيه أرشيف احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، احتلال القدس والأسرى، وإعلان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إسحق رابين أن الضفة الغربية وقطاع غزة قد احتلت في اليوم الثالث من الحرب.
أما بخصوص الأسرى فقد أبلغ ديان الصليب الأحمر استعداد إسرائيل إلى استبدال الأسرى باليهود المصريين، وربط مئير عميت مسألة إعادة الأسرى المصريين بالسماح لليهود الموجودين في الدول العربية بالهجرة إلى إسرائيل.
وفي الفصل الرابع الذي يحمل عنوان شروط السلام عرض فيه الباحث عليان المشاكل المستقبلية لدولة إسرائيل من خلال أرشيفهم، حيث شهدت جلساتهم العادية والأمنية نقاشات مطولة حول السلام مع العرب، وأشار إلى اتفاق جميع الوزراء على طرح شروط سلام غير واضحة، بما في ذلك استخدام مصطلح السلام دون تحديد أو تعريف له، أو ذكر تفاصيل حوله تاركون تفسيره للمفاوضات التي ستجري مع الأطراف العربية.
كما عرض عليان في الفصل الخامس بعض الوثائق من أرشيف الجلسات المتعلقة بمستقبل القدس الشرقية مشيرا إلى الأرقام الإحصائية لعدد سكان البلدة القديمة، وعملية الضم، مستعرض آراء بعض الوزراء ورؤيتهم لعملية الضم. وبهدف مسح القدس من الذاكرة العربية ليفي أشكول بتغير اسم المدينة، وبعد عدة جلسات ونقاشات توصلوا إلى استخدام اسم القدس باللغة العربية (بروشاليم) ليشعر العرب أن المدينة وحدت إلى الأبد.
وأشار الباحث إلى جلسة لجنة وزراء الشؤون الأمنية في 7/8/1967 التي ناقشت أول إضراب في مدينة القدس بتنظيم منظمة النساء الإسلاميات احتجاجا على نية المبعوث الدولي زيارة القدس، فقررت الحكومة إبلاغ السكرتير العام بعدم زيارة المندوب الخاص للأمم المتحدة القدس خوفا من اندلاع مظاهرات.
وجاء الفصل السادس يتحدث عن مستقبل الضفة الغربية ووثائق الحاكم العسكري العام، ومناقشة الحكومة حول تسمية الضفة الغربية، كما تطرق الفصل إلى التعليم والمناهج، وإضراب الطلاب في رام الله ورفضهم الكتب الموسومة بختم إسرائيلي، وأشار إلى عملية الانتشار العسكري في الضفة، بهدف تحويل نهر الأردن لحدود أمنية لإسرائيل، وكشفت جلسات الحكومة خطط الاستيطان في الضفة وهضبة الجولان، برز نقاش زراعة الأراضي واعتبار زراعة الأراضي هي أول حجة للاستيطان.
وأشار الباحث إلى المجالس البلدية في الضفة الغربية وعلاقتها مع حكومة الاحتلال، كما عرض مسألة تهجير الفلسطينيين إلى الأردن التي احتلت حيزا مهما في اجتماعات الحكومات الإسرائيلية، وناقشت الحكومة مسألة عودة المهجرين إلى الضفة الغربية وبعد نقاشات مطولة قررت في جلستها العادية في 23/7/1967 السماح بعودة اللاجئين الذين تركوا الضفة في 7/6/1967 لمدة شهر فقط.
وحول مستقبل الضفة الغربية ناقشت الحكومات كيفية المحافظة على الضفة الغربية من خلال أساليب الترهيب والترغيب على السكان بهدف طردهم والتخلص منهم.
وأشار الفصل السابع إلى مستقبل قطاع غزة ووجود مئات الموظفين المصريين الذين لم يطردوا ولم يسمح لهم بالعودة إلى القاهرة، بهدف استبدالهم باليهود الموجودين في مصر.
أما الفصل الثامن فقد تحدث فيه الباحث من خلال جلسات الحكومة الإسرائيلية عن مشكلة اللاجئين وكيفية التعامل معها، خاصة مشكلة اللاجئين من قطاع غزة، حيث أجمع الوزراء على ضرورة إخراجهم إلى سيناء أو كندا أو أستراليا من أجل ضم القطاع.
كما أشار إلى تخوف الحكومات من انفجار القنبلة الديمغرافية خاصة مع تزايد المواليد عند الفلسطينيين.
ومن النتائج التي خرج بها الباحث بعد دراسته لوثائق جلسات الحكومات، أن من أخطر الاجتماعات التي عقدتها الحكومة بتاريخ 4/6/1967 اتخذت فيها قرار الحرب، كما لقائد الأعلى للجيش الإسرائيلي هو رئيس الأركان وليس رئيس الحومة.
كما أن مخطط الحرب لم ينشأ نتيجة إغلاق مضائق تيران وصنافير، وإنما جاءت ضمن سياق مخطط السيطرة على منابع المياه في الجولان واحتلال ما تبقى من فلسطين.
بعد قراءتي للكتاب خرجت بما يلي:
1ـ أظهرت جلسات الحكومات الإسرائيلية خبث ومراوغة حكومات الاحتلال في التملص من مسؤولياتها في نكبة الشعب الفلسطيني.
2ـ إجماع الحكومات على التخلص من الفلسطينيين وطردهم من ديارهم.
3ـ عدم تدمير الجسور على نهر الأردن لتسهيل عملية هروب الفلسطينيين.
4ـ إجماع الحكومات على ضرورة عقد اتفاقيات سلام مع العرب حسب الرؤية الإسرائيلية فقط.
5ـ تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء أو أستراليا أو كندا تمهيدا لضمه.
6ـ جاءت رؤية الحكومات الإسرائيلية منذ الاحتلال حتى اليوم تتناغم مع يسمى بصفقة القرن.
7ـ يشكل الكتاب مرجع مهم للباحثين والدارسين لكشف الوجه الحقيقي للاحتلال.
وأخيرا جاءت لغة الباحث أدبية ميسَّرة لفهم عامة القراء والمهتمِّين بعيدا عن مصطلحات الأيدولوجية والديموغوجيا.