بعد احتواء (تجاذبات السعودي / العسعس) .. المالية والاستثمار .. نواب وحكومة .. كيف نتعايش ..؟؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
وفقاً لأداء الحكومة الأردنية نفسها، لا تتوفر قرائن موضوعية مقنعة تؤسس لوصف حالة ابتزاز ناتجة عن الملاحقات والتعليقات التي أدلى بها بعض أقطاب ونواب البرلمان مؤخراً ضد وزير المالية الدكتور محمد العسعس على هامش نقاشات، بعضها بدوافع شخصية وبعضها الآخر ينطلق من انطباعات المتداخلين عن الدور السالب لوزارة المالية عندما يتعلق الأمر بتحفيز الاستثمار حصراً.
انشغل الجميع في المساحة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مؤخراً بمداخلة حادة لرئيس اللجنة المالية في مجلس النواب محمد السعودي، ضد الوزير العسعس، وانتهى الخلاف والتجاذب بتوافق مشترك على «شطب» بعض العبارات التي تنطوي على تجريح شخصي وقالها نواب ضد وزراء، أحدهم العسعس، من المحاضر الرسمية للجلسات.
يعيد ذلك الهدوء إلى أجواء العلاقة بين السلطتين، لكن تصور بعض الوزراء عن مواقف كيدية قد يكون مبالغاً فيه، ليس لأن الدستور يوفر حماية وحصانة للنائب ولما يقوله تحت القبة، لكن لأن الفاصل الدقيق بين رأي نقدي أساسه الرقابة والتشريع وبين انطباع شخصي، من الصعب ترسيمه بدقة.
في كل حال، في حادثة العسعس الأخيرة استمعت «القدس العربي» لرواية النائب السعودي مجدداً وبهدوء وبعيداً عن الصخب، وما يتبناه هو رواية تقول بعدم وجود استهداف شخصي أو نوايا تجريح أو إساءة، لا سمح الله، بقدر وجود نية لعرض إشكالية موجودة ويعرفها الجميع في مربع الاستثمار وجذبه أو تركه.
يصر السعودي على أنه قال رأياً فنياً نقدياً.. «صحيح، تحدثت بقدر من الانفعال، لكن الهدف كان مناقشة الموضوع وليس شخص الوزير، بل دور وزارته في إطار المماطلة وإعاقة معاملات مستثمرين متعددين، حيث حالات راجع بها السعودي وغيره».
عمل النائب هو مراقبة الوزير، يقول السعودي، وقصة جملته النقدية الحادة لا علاقة لها باستثمار شقيق له، لأن مسألة الاستثمار العائلي أصلاً ماضية في إطارها، ولا يوجد نزاع هنا ساهم في التأثير على ملاحظات قيلت تحت القبة، وبالتالي يستغرب السعودي مسألتين، وهما: أولاً، تقويله ما لم يقل، ثم توجيه اتهام غير منصف وبعيد عن الحق له في مسألة الوزير العسعس. أما المسألة الأخرى فالذهاب في المسألة وفيما حصل إلى مناطق لم تكن متوقعة من حيث القراءة والتفسير، فالسعودي يصف نفسه بأنه من دعاة الوحدة الوطنية ولا يسمح «لا سمح الله « بغير ذلك، مشيراً إلى أن والده قاتل في القدس لأكثر من 12 عاماً، ولأن ما يقلقه كنائب ومشرع ورئيس للجنة المالية إدراكه الملموس بأن بعض الوزراء والموظفين في الحكومة عندما يتعلق الأمر بمعاملات مستثمرين يتجاهلون القانون، وهنا يأتي دور المراقب البرلماني.
طبعاً، يفضل السعودي وفقاً لما سمعته منه «القدس العربي» أن تقرأ مداخلته التي أثارت الجدل بخصوص دور وزير المالية في مسألة البيئة الاستثمارية في سياق النقد الشرعي المباح والملاحظة وليس في أي سياق آخر، لا في نطاق الاستهداف ولا في نطاق الشخصنة؛ فتلك -برأي السعودي- قراءة منحرفة لما حصل، لا بل لا تمثل الواقع والحقيقة، وفيها بعض التجني والظلم.
طبعاً، لا يوافق لا الوزير العسعس ولا زميلان له في مجلس الوزراء تحدثا مع «القدس العربي» على الخلاصة التي يقدمها السعودي في شرح المسألة.
لكن يسمع السعودي كنائب، ويراجعه مستثمرون وأصحاب حقوق بالجملة بدعوى ومزاعم أن الوزراء أحياناً يعيقون أعمالهم، ويشير تلميحاً إلى أن ذكره لاسم وزير سابق للمالية ودوره لم يكن مقصوداً إطلاقاً في السياق الذي تلقفته بعض الأقلام، بل في سياق لفت النظر وبنوايا طيبة إلى حاجة المصلحة الوطنية لعدم تكرار نماذج كانت سلبية وحصلت في الماضي مع التأكيد مجدداً على أن الملاحظات التي قالها تحت القبة وشطبت من المحاضر ليست منطلقة من دوافع شخصانية.
هنا أيضاً بات واضحاً للمراقبين بأن سردية الحكومة في اتجاه معاكس مع أن النائب السعودي يشير إلى محاولته فقط لفت الأنظار إلى عملية تعطيل وعرقلة..»ما دمنا نتحدث عن بيئة جذب الاستثمار وقانونها».
تلك رواية السعودي وبصرف النظر عن تقاطعها أو تعاكسها مع رواية الحكومة، يقدمها كشرح لتعزيز موضوعية تغطية «القدس العربي»، كما يقول.
ولا بد من تجديد التأكيد على أن الرئيسين بشر الخصاونة وعبد الكريم الدغمي، دفعا بتعقل باتجاه احتواء أزمة السعودي – العسعس، وإن كان التعايش بينهما بعد الآن في سياق العمل والتشريعات أصبح أصعب اليوم، ومن باب التحليل السياسي فقط، حيث يدير الوزير السياسة المالية للحكومة ومجلس الوزراء ويترأس النائب اللجنة المالية المختصة بالمتابعة والمراقبة والتشريع أيضاً.
في كل حال، وبالمقابل، مناخات التعايش تحسمها أجواء الرطوبة والمرونة لاحقاً بين السلطتين، لكن النقاش حول دور وزارة المالية في جزئية دعم وتشجيع الاستثمار قد يكون المحطة الأهم التي تشغل الجميع؛ فالحديث هنا عن وزير مالية منهجي وبرامجي ونشط ومتابع جداً، ووظيفته وواجبه الأساسيان الحرص على سلامة خزينة الدولة وأملاكها وتقليص الإنفاق إلى أبعد حدود ممكنة. وهي ممارسة يجيدها العسعس بكفاءة، لكنها تثير ضده حنقاً وغضباً من قطاعات متعددة، بينها شرائح وزراء ورجال أعمال ورموز مصارف في القطاعين العام والخاص. وسمعت «القدس العربي» مرتين على الأقل متداخلين مع العسعس يسألون «كم هي صعبة هذه المهمة؟».
وسمعته عدة مرات يتبنى وجهة النظر القائلة بأن سلامة الجهاز المالي والضريبي تجذب الاستثمار الحقيقي العميق النظيف وليس العكس. وتكمن الصعوبة هنا في أن العسعس أحياناً يغرد منفرداً وفي سربه فقط في هذا المضمار تحديداً، فيما يخضع النواب وبينهم السعودي وغيره لضغوط من كل صنف في المجتمع.هامش نفوذ الوزير -أي وزير- كبير وأساسي ومتقدم، وهامش حراك النائب -أي نائب- منغمس بالضغط وفقدان الطاقة.
وعندما يتعلق الأمر بالملف المالي تحديداً وفي السياق المهني، تصبح مسألة التعايش أصعب لكنها ليست مستحيلة مادام الطرفان، الحكومي والتشريعي، منطلقين من الحرص على المصلحة العامة.
قريباً جداً، ورغم انفعال المشاعر الشخصية، قد يجد أي وزير بالمقابل نفسه مضطراً للتعايش مع الحالة البرلمانية. والعكس صحيح إن كانت مناخات الهدوء مطلوبة وفهم وتنقية الدوافع، وكذلك مأسسة العمل الرقابي البرلماني؛ حتى لا تفقد السلطتان رصيدهما لاحقاً داخل النظام والدولة أو وسط المجتمع والشارع.
القدس العربي
بسام البدارين

 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences