الحلول السريعة والمشاكل الهيكلية
الشريط الإخباري :
ابراهيم سيف
تنعقد اجتماعات طويلة، ويتم طرح كافة أنواع الأسئلة حول الوضع الاقتصادي ومآلاته وإلى أين نتجه، وكيف نخرج من الوضع الحرج الذي نقترب منه، فعلى صعيد الاستثمارات، هناك شكوى وتراجع، وعلى صعيد المؤشرات الاجتماعية من بطالة وفقر هناك ازدياد، وهكذا.. يصبح من اللازم اقتراح حلول تعالج الوضع، وتقدم حلولا لمشاكل هيكلية نعاني منها، فهل ذلك ممكن؟
بعض البيانات تشير إلى التالي، نسبة المشاركة في سوق العمل متدنية وخاصة بالنسبة للإناث، هي احدى ادنى النسب عالميا، ومؤشرات التعليم في تراجع على كافة المستويات، ولم ننجح بتطوير مهارات متخصصة تلائم سوق العمل ترجمت الى تراجع في الانتاجية، السياسات القطاعية في الطاقة، المياه والنقل لم تفلح بتقديم الحلول الناجعة لتعزيز تنافسية الاقتصاد الأردني، الحوافز التي تم تقديمها لإصلاح بعض الاختلالات وتحفيز بعض القطاعات الانتاجية بات ينظر اليها على انها تشوهات في المالية العامة، وفوق كل ذلك هناك تراجع في مؤشرات البيئة الاستثمارية.
يمكننا الاسترسال في وصف التحديات التي تواجهنا، ولكن الحاجة ليست للوصف بل تتمثل بتقديم بعض الحلول للخروج من هذه الحلقة.
أول المقترحات هو ضرورة الإقرار بأن الوضع بات حرجا ويتطلب بعض الاجراءات الجراحية التي تعالج اختلالات هيكلية، فالمشكلة على سبيل المثال في سوق العمل ليست فقط العمالة الوافدة، بل في التكوين المهني والثقافي للعمالة، وهذه تحتاج الى مجهودات ذات صفة طويلة المدى تتسم بالديمومة والاتساق.
ثاني المقترحات يتعلق بأداء الموظف العام، إذ لا يمكن الاستمرار بجلد "البيروقراطية” ووصفها بالمعطلة، دون اتخاذ إجراءات من شأنها تحسين الأداء وإيجاد الحافز للموظف المبدع، فالجوائز الاحتفالية التي تم تطويرها، والوصفات التي عمل بها على مدى الأعوام الماضية لم تنجح بتطوير أداء الموظف العام لأنها قاصرة عن مواجهة الاختلالات داخل تلك المؤسسات والتراتبية المقيتة التي تخضع لمزاج مدير او وزير غير مؤهل، والحال كذلك، لن يتطور أداء "البيروقراط” دون مقاربة جديدة مختلفة، ولعل نظام الخدمة المدنية والتعديلات المقترحة عليه تشكل مدخلا لذلك، لكن تبقى الحاجة ماسة لتطوير قدرات الجيل الجديد من موظفي القطاع العام للتعامل مع مستجدات العصر وتحولاته المتسارعة.
فيما يخص البيئة الاستثمارية، فهي الشغل الشاغل للدولة، لكن الأب المسؤول عن احداث التغيير ليس ظاهرا، فالكل يشتكي من الاعاقات، ولا يوجد مسؤول واحد يمكن الإشارة اليه، بل أحيانا يتهم المسؤولون بعضهم البعض بأنهم مسؤولون عن إعاقة تنفيذ بعض المبادرات، لا سيما التي تتطلب تنسيقا بين اكثر من مؤسسة، فتضيع المسؤولية، وينضم المسؤول بذلك الى المواطن بالشكوى، وهنا نتساءل من الذي سيقود التغيير ولديه الجرأة على اتخاذ القرار.
ان المشاكل الهيكلية لن تنجح معها الحلول السريعة او نظرية "القطوف الدانية”، وللأسف البحث عن نتائج سريعة لاختلالات عميقة مثل نهجنا في الأردن خلال السنوات السابقة قاد الى مزيد من الأزمات التي تقترب من الاستعصاء على الحل، ولم يعد الأمر وقفا على الاقتصاد، بل حتما سيكون له تداعيات سياسية، وما يزال هناك هامش محدود لبدء عكس المسار والعمل بحكمة، فالتسرع لتحقيق نتائج آنية اثبت فشله الكامل، فليتم العمل على اطلاق مبادرات من شأنها استعادة الثقة والاقرار بأن ما فقد في سنوات لن يستعاد خلال أيام او شهور.