بيان لحزب الوحدة الشعبية : عندما تحالفت السلطة ورأس المال، تراكمت الأزمات الداخلية ..
الشريط الإخباري :
عقدت اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني اجتماعها الدوري العادي، وناقشت فيه التقريرين السياسي والشامل المقدمين من المكتب السياسي، كما ناقشت تقرير لجنة الرقابة الحزبية، وقيمت من خلالها كافة أوجه عمل الحزب التنظيمية والسياسية والجماهيرية للعام 2022، وأكدت على أن الشعار الناظم لعملنا التنظیمي في المرحلة القادمة یكمن في تحقیق قفزة كمیة ونوعیة في التوسع الحزبي والجماھیري والحضور المؤثر في العمل الوطني العام.
وكانت اللجنة المركزية استهلت أعمالها بالوقوف دقيقة صمتٍ إجلالاً لذكرى وأرواح شهداء الأردن وفلسطين والأمة العربية، الذين ارتقوا على طريق مقاومة المشروع الاستعماري الصهيوني الإمبريالي، الذي عمل على تكريس التفتيت والتخلف والتبعية سلاحاً أساسياً للهيمنة على مقدرات أمتنا العربية ومصادرة سيادتها ودورها كقوة جيوسياسية كامنة منذ بدايات القرن الماضي.
وفي معرض تناولها للوضع الدولي أكدت على أن نظام القطب الواحد الذي كان من أبرز سماته صعود الولايات المتحدة، كقوة عظمى وحيدة ومهيمنة، كرست سياسة العدوان والغزو وافتعال الحروب، لم يعد قابلاً للاستمرار، فقد شهدت العقود الماضية تحولات دولية هامة، تمثلت بالصعود الصيني الهائل، واستعادة روسيا لعافيتها الاقتصادية، وتبلور تكتلات دولية جديدة (دول البريكس)، بعد هزيمة أمريكا في العراق وأفغانستان، وتراجع قوتها وهيبتها، وانتكاساتها السياسية والأمنية، والأزمات الاقتصادية المتلاحقة منذ عام 2008م ، إلى جانب انكشاف زيف "مشروعها الديمقراطي” وحديثها الكاذب عن "حقوق الإنسان”. كل تلك العوامل مهدت لخسارتها لهذه القوة الناعمة، وكشفت عن مقدمات نهاية القطبية الأحادية.
لقد جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بمثابة كرت أحمر ترفعه روسيا في وجه الناتو والولايات المتحدة، وسياساتها الرامية إلى توسع الناتو ليشمل أوكرانيا نفسها، وما تبعه من تهديدات مباشرة للأمن القومي الروسي. حيث شكل الرد الروسي إيذاناً بولادة عصر دولي جديد، يتمثل برفض التفرد الأمريكي، وإيذاناً بأن حقبة الأحادية القطبية في طريقها للزوال لصالح عالم جديد يتشكل، وهو في طريقه للظهور.
إن أهمية هذه التحولات الدولية، تكمن في أنها تفتح الباب لتحرر العالم من الهيمنة الأمريكية، وإمكانية ظهور نظام دولي جديد، أكثر عدالة واحتراماً للقانون الدولي.
وتحت عنوان الوضع العربي، أكدت اللجنة المركزية على أن العقد الثاني من هذا القرن كان من أصعب وأقسى الفترات التي مر بها وطننا العربي، فكانت ذروة الجهد الإمبريالي الصهيوني المعادي لفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد وترجماته، بإثارة الصراعات الطائفية والإثنية – الإقليمية من خلال ما يعرف (بالفوضى الخلاقة)، وصولاً إلى إعادة تقسيم وتفتيت الدول العربية، ما تسبب بحدوث موجة قاسية من الصراعات، قادت إلى إضعاف (الدولة القُطرية)، وتكريس عجزها، وتعميق تبعيتها وارتهانها للأجنبي، واسقاطها لمفهوم الأمن القومي، لصالح الأمن الوطني، وتقليص الأخير لينحصر بمفهوم (أمن النظام) السياسي، وتراجع شعار "الوحدة العربية” ومكانة وأهمية "القضية الفلسطينية”.
كان الاستبداد، هو سلاح هذه الأنظمة لمداراة عجزها عن صيانة الاستقلال، ووسيلة لتمرير انتشار القواعد الأجنبية في وطننا العربي، وغطاء لفشلها في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.
لقد انخرطت العديد من الأنظمة الرسمية العربية في نسخة جديدة من التبعية والتطبيع مع المشروع الصهيوني الامبريالي تحت مسمى "السلام الإبراهيمي”، تقرباً من الولايات الأمريكية وللصلح مع الكيان الصهيوني، وذهاباً إلى ما هو أبعد من التطبيع، نحو الدخول في تحالفات وشراكات أمنية وعسكرية معه.
إن إعطاء اسم السلام الإبراهيمي لم تكن مجرد مسألة عابرة بقدر ما تهدف إلى إعطاء توصيف جديد للكيان الصهيوني من أن صراعنا معه هو صراع ديني، يمكن تجاوزه من خلال البحث عما هو مشترك بين الديانات التوحيدية الثلاث، ومحو الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية لوجود الكيان الصهيوني.
لقد اندفعت تلك الأنظمة في سياسة التطبيع متجاهلة طبيعة المنطلقات التي تحكم استراتيجية الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية، وهو ما تجلى في الاتفاقيات التي وقعتها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وما سبقها من اتفاقيات (كامب ديفد، وادي عربة، وأوسلو)، التي رفضتها الجماهير العربية، وراحت تشكل الأطر الشعبية لمحاربتها وتبيان مخاطرها وانعكاساتها الكارثية على حاضر ومستقبل الأمة العربية.
وعند مناقشة اللجنة المركزية للوضع الفلسطيني، أكدت أنه لا يستقيم الحديث عن الحال الفلسطيني بدون الإشارة إلى اتفاقية أوسلو وما ألحقته من خراب في المجتمع والفكر السياسي الفلسطيني. فهي ليست مجرد اتفاقية، بل تحولت إلى نهج يحكم تفكير من وقعها، له فلسفته ورؤيته، لذلك فإن الرفض ليس كافٍ لإسقاط أوسلو، بل يكمن في التصدي لها كنهج وثقافة وسلوك، وترجمة ذلك من خلال التعبئة الشعبية الشاملة ورفع وتيرة المقاومة.
لقد كان التحول الأبرز في المسار الشعبي المقاوم هو معركة سيف القدس عام 2022م، التي لعبت دورً ا بارزاً في استنهاض الروح النضالية الفلسطينية، وفي توحيد وتكامل ساحات النضال الفلسطيني على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، وفي أوساط الشتات الفلسطيني.
إن ما نشهده الآن من مقاومة شعبية، واشتباك يومي، وتبلور الكتائب المسلحة في نابلس وجنين وطولكرم والخليل وغيرها، تشكل إرهاصات لثورة شعبية، وحالة ثورية تعبر عن ضيقها من ممارسات السلطة وتجاوزاً لها ولسياساتها الساعية لتهميش منظمة التحرير ومؤسساتها، وتأكيداً على خيار الشعب الفلسطيني بالمقاومة طريقاً للتحرير.
وأمام محطة الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني، فقد أكدت اللجنة المركزية على أن هذه الانتخابات تعكس حقيقة وطبيعة المجتمع الصهيوني وجنوحه نحو اليمين والمزيد من الفاشية، ما يفتح المجال واسعا للمستوطنين بالتدفق نحو الأقصى والسير بسياسة تقسيمه، ما يضع الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية أمام تحدي مصيري يتطلب تصعيد المقاومة بكافة أشكالها، وأن تبادر الشعوب لامتلاك زمام المبادرة والتصدي للتطبيع بكافة أشكاله لمحاصرة وهزيمة الاحتلال وحكومته الفاشية.
كما توقفت اللجنة المركزية أمام الوضع المحلي وخلصت في قراءتها إلى رصد جملة من التحولات السياسية، يشهدها الأردن منذ ثلاثة عقود، طالت المجتمع وبنية النظام بفعل النهج الليبرالي الاقتصادي المتمثل بالخصخصة واقتصاد السوق، ورفع يد الدول عن الرعاية الاجتماعية، الأمر الذي قاد إلى بروز ظواهر اجتماعية غير مألوفة لدى المجتمع الأردني، وأدى إلى تركيز السلطة في أيدي أولغارشية أردنية من أصحاب النفوذ المالي والعائلي والبيروقراط الأمني. وكان أن تم التمهيد لهذا التحول بهجمة منظمة ضد مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات و الجمعيات، وآخرها، تجريف الحياة السياسية من خلال قانون الأحزاب، وقانون الانتخابات، والتعديلات الدستورية، التي أفرغت الدستور من مقولة (الشعب مصدر السلطات) بحيث بات الحديث عن (الإصلاح السياسي) مقولة لا معنى لها، مع تنامي الدور الذي تلعبه الأجهزة الأمنية في شتى المجالات السياسية، والاقتصادية، وحتى الثقافية، لا بل أصبحت هي من تمسك بمفاتيح السلطة السياسية، ولم يعد يقتصر نشاطها على الأمن، وتمددت هيمنتها من المجتمع السياسي إلى المجتمع المدني، وصولاً إلى الإعلام والثقافة والسينما والمسرح.
كل هذا يجعل من مهمه إصلاح الأجهزة الأمنية ضرورة من أجل الوصول الى الإصلاح السياسي الحقيقي، ويتطلب تغييرً ا في مفهوم الأمن، وسد الفجوة بين الحاكم والمحكومين، وبين أمن النظام وأمن الدولة، وأن يصبح المواطن هو محور الأمن، وهذا لن يتحقق إلا بسيادة القانون.
لقد تنامى دور الدولة العميقة في هذه المرحلة، كنتاج للعديد من الاتفاقيات والمعاهدات أبرزها المعاهدة الأمريكية الأردنية التي شكلت انتقاصًا جدياً للسيادة الوطنية، وفتحت المجال للقواعد العسكرية – الأمريكية والغربية (الألمانية تحديدًا).
إن ما يجري من تعزيز للعلاقات والاتفاقيات الرسمية مع الكيان الصهيوني هو أكثر خطورة من كونه مجرد تطبيع ديبلوماسي، إنه التتبيع للعدو الصهيوني والارتهان لإرادته واستراتيجيته ومصالحه. وحتى تتضح الصورة، من المهم إبراز أن تنامي سياسة التطبيع مع العدو الصهيوني اتخذت منحى إقامة المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي معه (غاز- مياه)، وهذا يقود دون شكٍ إلى تحكم الكيان الصهيوني باقتصادنا.
كذلك، فقد توقفت اللجنة المركزية أمام التحولات الاجتماعية التي بدأت بالظهور بعد أول (برنامج تصحيح اقتصادي) وفق رؤية صندوق النقد، المتمثلة ببيع مؤسسات القطاع العام تحت شعار الخصخصة وتحرير التجارة، ورفع يد الدولة عن دورها في الرعاية الاجتماعية، وأبرز هذه التحولات:
اتساع دائرة الفساد وتنامي المديونية المترتبة على عمليات الخصخصة، بحيث وصل الأمر إلى الاستدانة لتمويل الفساد.
تفاقم الظلم المجتمعي بسبب غياب القانون والمحاسبة والمحاباة، وفرض الضرائب المتعددة، وشيوع ظاهرة الإنفاق على البذخ.
انهيار المسؤولية الفردية، أي عدم إحساس الفرد بمسؤوليته تجاه المجتمع، وتنامي الأنانية والفهلوة في المجتمع.
فساد النخب السياسية وعجزها عن الاستجابة للتحديات التي يتعرض لها هذا البلد.
تنامي ظاهرة الاستقطاب بين فئة قليلة تستأثر بالجزء الأعظم من الثروة، وتضخم طبقة من الجياع تشكل النسبة الأعظم من الشعب.
لقد تحالفت السلطة ورأس المال، فتراكمت الأزمات الداخلية بسبب سياسة تهميش القوى السياسية، وتدمير الطبقة الوسطى، وتفريغ السلطات التشريعية والقضائية من مضمونها، وفشل الحكم في إنجاز مشروع التحديث، وانسداد آفاق التوجهات الليبرالية المطبقة، ما ساهم في إعادة إنتاج أشكال علاقات اجتماعية ما دون وطنية (عشائرية ومذهبية).
وإذا كان الإنسان هو جوهر الدولة والحامل لمشاريعها وأهدافها، فإن قدرة الإنسان على القيام بدوره مشروطة بتوفير الدولة للعدالة الاجتماعية والحريات السياسية.
لقد جاء انعقاد اجتماع اللجنة المركزية للحزب في ظل إضراب سائقي الشحن والحافلات، الذين نعلن تضامننا الكامل مع قضيتهم ومطالبهم التي جاءت كردِ فعلٍ شعبي على إمعان الحكومة في رفع أسعار المحروقات للمرة الثامنة خلال أقل من عام، ما مس كل بيت أردني، وخاصة الفئات الفقيرة والعمال وأصحاب الدخل المحدود. إننا وأمام هذا الواقع نؤكد على أن تبني مطلب تخفيض أسعار المشتقات النفطية والضريبة الخاصة المقطوعة عليها، ورفض سياسة الافقار والتجويع، هو مسؤولية الجميع، ما يستدعي الذهاب نحو تغيير جذري في النهج السياسي والاقتصادي والتغيير الوطني الشامل من خلال حكومة تكون قادرة، وتملك مقومات القيام بهذه المهمة.
إن السؤال المنطقي والذي يفرض نفسه علينا هو في كيفية استنهاض الحالة الشعبية وإعادة الاعتبار للأحزاب – النقابات – والفعاليات الوطنية؟
لأجل ذلك طرح المكتب السياسي مبادرة تتمثل بالانفتاح على كافة القوى السياسية – الشعبية والدخول في حوارات وصولاً إلى بلورة إطار وطني يأخذ على عاتقه صياغة برنامج إنقاذ وطني يراعي كافة التحولات السياسية الاجتماعية وما تفرضه من مهمات، من أجل تحقيق ما يلي:
معالجة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها من بطالة وفقر.
حماية السيادة الوطنية وما لحق بها من انتهاكات.
حماية الحريات العامة ووقف الاعتداء عليها.
وقف العمل بقانون الدفاع ومعالجة كافة الأثار السلبية التي أفرزها.
وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني بكل صوره وأشكاله.
إن اللحظة التاريخية الصعبة التي نمر بها تفرض علينا شحذ الهمة والنهوض لمواجهة التحديات الجمة التي يتعرض لها الوطن.
عشتم وعاش الأردن حرًا عربيًا
عاشت فلسطين والمجد للمقاومة
اللجنة المركزية – حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني
عمان 12 / 12 / 2022