عدم التوسع في تعديل النظام الداخلي للنواب
الشريط الإخباري :
- يتسابق أعضاء مجلس النواب هذه الأيام في الحديث عن تعديل النظام الداخلي للمجلس، حيث تتعدد الأفكار والمقترحات التي يجري تقديمها في هذا الإطار، وذلك تحت ذريعة تجويد القواعد التي تحكم العمل البرلماني وتطويرها.
ويأتي هذا النشاط النيابي غير المسبوق قبل أيام من مرور الذكرى السنوية الأولى لإقرار التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2022، والتي اشتملت على أحكام إجرائية وموضوعية جوهرية تتعلق بعمل النائب التشريعي والرقابي. فهذه التعديلات قد مست الوجود الفعلي للنائب في البرلمان وذلك من خلال تقرير حقه المنفرد في الاستقالة من المجلس دون الحاجة لموافقة الأعضاء عليها. كما أنها تناولت طريقة ممارسة النائب لعمله الرقابي، وذلك فيما يتعلق بمراجعة الأغلبية المطلوبة لتقديم مذكرات طرح الثقة بالحكومة أو أي من الوزراء فيها.
ومع ذلك، فإن تعديل النظام الداخلي بما يتوافق مع هذه النصوص الدستورية المستحدثة لم يكن ضمن الاهتمامات الأساسية لأعضاء المجلس الحالي خلال العام الماضي. فكان النواب دائما ما يحاولون تقديم باقي الأعمال التشريعية والرقابية والموضوعات الأخرى على حساب مراجعة نظامهم الداخلي. فكانت مذكرات العفو العام تتصدر المشهد النيابي بشكل دوري، وذلك في محاولة من الأعضاء الحاليين لتحقيق مكاسب شعبوية ضمن حدود دوائرهم الانتخابية.
إن تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب بما ينسجم مع التعديلات الدستورية لعام 2022 يعد أولوية قصوى يجب على المجلس أن يتبنه لها، وأن يقدمها على أي عمل تشريعي آخر بعد الانتهاء من قانون الموازنة العامة للعام الحالي. فهذا التشريع المالي يحكمه إطارا زمنيا معينا، ويترتب على التأخر في إقراره آثارا مالية حددتها المادة (113) من الدستور، تتمثل باستمرار اﻻنفاق باعتمادات شهرية بنسبة 1/12 لكل شهر من موازنة السنة السابقة.
في المقابل، فإن ما يجري تقديمه من مقترحات عديدة لتعديل النظام الداخلي بحجة تطوير العمل البرلماني، والتي تتمثل بزيادة عدد اللجان النيابية وتوصيات أخرى تلزم النائب بحضور جلسات المجلس تحت طائلة الخصم من مخصصاته المالية، فإن العقلانية الدستورية تقتضي التروي في اقتراحها وإقرارها وذلك لحين تشكيل مجلس النواب القادم.
فكما هو معلوم للجميع، سيختلف مجلس النواب العشرين عن المجلس الحالي في تشكيلته وتركيبة الأعضاء فيه، وهو الأمر الذي سينعكس بالضرورة على الكتل النيابية العاملة فيه، وطريقة ممارستها لمهام عملها. فالمجلس القادم سيضم في عضويته نوابا حزبيين حدهم الأدنى (41) عضوا سيمثلون عددا محدودا من الأحزاب سياسية وذلك نتيجة لتطبيق نسبة الحسم على مستوى القائمتين المحلية والوطنية، وأن هذه النسبة من النواب المنتمين لأحزاب سياسية ستجعل العمل البرلماني في المجلس القادم مختلفا بطبيعته عن المجلس الحالي والمجالس السابقة، وهذا ما يجب أن يتم التصدي له ومعالجته في النظام الداخلي لمجلس النواب.
بالتالي، فإن الحكمة التشريعية تستوجب اليوم أن يكتفي مجلس النواب بإقرار تغييرات محدودة على نظامه الداخلي، يقتصر أثرها على تكريس التعديلات الدستورية لعام 2022، على أن يجري اخضاع النظام الداخلي لمراجعة شاملة، أو حتى إصدار نظام جديد، مع ظهور الملامح الأساسية لمجلس النواب القادم، وذلك من حيث التوزيع الحزبي للمقاعد النيابية. فما يجري تقديمه هذه الأيام من توصيات لتعديل النظام الداخلي لن تتناسب مع تركيبة أعضاء مجلس النواب القادم، وبالأخص تلك الأفكار المتعلقة بالحرمان من المخصصات في حال الغياب غير المبرر عن الجلسات.
فالنصوص التشريعية التي ستحكم عمل نواب القائمة الوطنية في مجلس النواب العشرين والمتمثلة بضرورة التزام العضو بقائمته الحزبية وعدم الخروج منها تحت طائلة فقدانه لمقعده النيابي، يفترض معها أن تقل ظاهرة التغيب عن الجلسات. كما أن ازدياد الفعالية البرلمانية المتوقعة للكتل النيابية ابتداء من المجلس القادم سيزيد من الحاجة إلى تنظيم تشكيلها وممارستها لأعمالها البرلمانية، وذلك من حيث تنسيق أدوار الكتل في النقاش أثناء اجتماعات المجلس، مرورا بنسب تمثيلهم في المكتب الدائم واللجان النيابية، وانتهاء بدورهم في إعداد جدول أعمال الجلسات النيابية.
ومن الأسباب الأخرى لدعوة مجلس النواب إلى عدم التوسع في تعديل نظامه الداخلي أن المجلس قد انتصف عمره الدستوري وأصبح يعد العدة نحو الرحيل. بالتالي، لا جدوى من المبالغة في تعديل النظام الداخلي وتضمينه نصوصا وأحكاما لن تكون بالضرورة صالحة للتطبيق على النواب الجدد. فالتشريع دائما ما يكون أثره نحو المستقبل، والذي سيختلف تماما عن الواقع الحالي فيما يخص مجلس النواب القادم.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية