العشائر السورية في السفارة

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
ماهر أبو طير
يقفز في وجوهنا خبر عن وفد من شيوخ العشائر السورية في الأردن، يقومون بزيارة القائم بالأعمال في السفارة السورية في عمان، ويعلنون بين يديه انهم خرجوا من ديارهم بسبب جرائم التنظيمات الإرهابية، وانهم يرغبون بالعودة إلى بلادهم في أسرع وقت، فيما يحض القائم بالأعمال مواطنيه على العودة إلى بلادهم من اجل إعادة اعمارها.
 
والخبر في ظاهره عادي جدا، لكن غير العادي فيه يتعلق بجدوى تشكيل وفود عشائرية سورية في الأردن، مثلما هي التشكيلات العشائرية العراقية أيضا التي تتحرك كل فترة في الأردن، لسبب أو آخر، وكأن الأردن بحاجة إلى تشكيلات قبلية وعشائرية من تلك الدول على أراضيه، تتحرك في سياقات سياسية، فيما وجودهم في الأساس في الأردن، جاء فرديا وبسبب ظروف مختلفة، ترتبط بكل حالة على حدة، وبشكل يختلف عن الاخر.
 
حين احتل الأميركيون العراق العام 2003 كان أول ما قاموا به تفعيل المنصات العشائرية غرب العراق وجنوبه وفي مناطق بغداد وما يجاورها، وقد رأينا في العراق مئات المنصات العشائرية، والقصة ذاتها تتكرر اليوم في سورية، اما مع النظام واما ضده، وكأن هذه المنصات أو التشكيلات باتت بديلا عن الموقف الفردي، أو حتى التنظيم السياسي الذي يعبر عن عمل جماعي منوع في مكوناته، في ساحات تشهد صراعات إقليمية ودولية، تزيد التكوينات العشائرية المستحدثة من حدتها، خصوصا، حين تكون هذه التكوينات مصنوعة، وغير طبيعية، وترتزق من الازمات، وتم استحداثها على عجل لسبب أو آخر.
 
في كل الأحوال، يريد هذا الوفد في عمان أن يقول ضمنيا، انه ليس ضد النظام، وان من ينتسبون إلى هذه العشائر -ان منحت تفويضا في الأساس لهذا الوفد – عانوا من الإرهاب وجماعاته، وليس من النظام، وهذا بحد عينه يعد عملا سياسيا على الأرض الأردنية، لا يحق لهؤلاء في الأساس ممارسته، بل بمقدورهم المغادرة فورا إلى حضن دمشق الرسمية، التي لن تقصر معهم، باعتبارهم ليسوا خصوما للنظام، بل لمحاربيه وفقا للخبر.
 
هذا تسطيح لطبيعة الازمة السورية، فالملايين الذين خرجوا، كانوا ينجون بأرواحهم، دون دخول في ثنائية الدولة والمعارضة، بل ان همهم الأول كان النجاة بأولادهم، حتى تنتهي هذه الفوضى التي تعيشها سورية، ورأينا الملايين يتدفقون الى الأردن وتركيا والعراق ولبنان، ولكل واحد أسبابه، بل ان المفارقة هنا، ان هؤلاء يمثلون مناطق مختلفة في سورية، ولا يمكن ابدا البحث عن تعريف ثابت لهم، سوى كونهم سوريين فقط، وبطبيعة الحال، لا مرجعية سياسية لهم في هذه الحالة، ولا محرك عشائريا يحدد لهم الاتجاهات.
 
ذات القصة انطبقت على الأردن، مع وجود عدد لا بأس به من الاشقاء السوريين ينتسبون الى مناطق ذات سمة عشائرية في سورية، مثل جنوب سورية والسويداء ودير الزور، وهذه مناطق تتسم بالعشائرية، لكن خروج أبناء هذه المناطق استند إلى السبب الفردي، أي الحاجة للحماية، ولم يكن يمثلهم في هذه الحالة شيخ عشيرة، ولا يحركهم أيضا شيخ عشيرة، أمام صراع تشارك به دول عظمى على الأرض السورية.
 
قصة التشكيلات العشائرية السورية في الأردن، أو حتى التشكيلات العشائرية العراقية في الأردن، قصة ملفتة للانتباه، وإذا كان بعض هؤلاء على صلة إيجابية بالأردن، لاعتبارات كثيرة، ثبت انها مفيدة في بعض الحالات، إلا أن تشكيل وفد عشائري سوري والذهاب إلى دارة السفارة السورية في عمان لتمجيد دمشق الرسمية، والتنديد بالفوضى، عمل اخرق في كل الأحوال، كون عمان ليست مساحة مفتوحة للتجاذبات السورية من جهة، وكون العودة الى سورية ليست بحاجة الى زيارة مبايعة أو اعتذار في السفارة السورية هنا، وكونه يحمل ادانة حساسة لكل سوري في الأردن، عبر تعريفه ضمنيا بكونه ضد النظام، ولا يريد العودة، فيما هذا الوفد ومن يمثل خرجوا لانهم ضد الإرهاب، وليس ضد النظام.
 
مصيبة السوريين تاجر بها كثيرون، ولا ينقص السوريين في الأردن سوى وفد عشائري ليلقي عليهم المواعظ والحكم ويبيعهم الشعارات وقد كان الأولى ان يكون قدوة حسنة، وان يعود ذات الوفد الى دمشق ويعلن موقفه هناك، بدلا من الجلوس في عمان، وبيع الوطنيات هنا، على أكثر من مليون سوري، يستبد بهم مقام الحيرة حتى يفرجها الله.
 
الغد

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences