تجليات القيم الإنسانية في رواية "الحرب التي أحرقت تولستوي"
الشريط الإخباري :
تجليات القيم الإنسانية في رواية "الحرب التي أحرقت تولستوي"
للكاتبة "زينب السعود"
إصدارات الآن ناشروون وموزعون/2023
قراءة بديعة النعيمي
وُجدت القيم الإنسانية لتكون الضوابط التي تقودنا نحو حياة أفضل. وتظهر في السلوك الظاهري لدى الإنسان سواء الشعوري منه أو اللاشعوري.
وتُعد القيم الإنسانية من المتغيرات التي يُستند إليها في تفسير الواقع الإجتماعي بمختلف مظاهره. ونجد منها الإيجابي ونقيضها السلبي, حيث نستطيع الإستدلال عليها عن طريق التعبيرات المختلفة من خلال اللفظ أو السلوك الذي يسلكه الشخص سواء كان شخصيا أو اجتماعيا.فالسلبي منها يجعل الشخص من أخطر الوحوش وأكثرها تدميرا للحياة. بينما الإيجابي يجعل الشخص إنسانا بناءً للحياة معمرا لهذه الأرض.وقد كرس الأدباء هذه القيم في كتاباتهم. حيث برزت في نصوص الروائيين.
وما وجدناه من خلال قراءة الحرب التي أحرقت تولستوي أن الكاتبة أبرزت العديد من القيم الإنسانية من خلال ما جسدته من أحداث واضطرابات نفسية واجتماعية وأخلاقية عانت منها شخصياتها بسبب الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا. ولعل البعض قد يتسائل عن السبب الذي دفع الكاتبة لإقحام نصها في حرب ليست لنا! إلا أننا نجدها تبرر سبب تناولها للموضوع وهي تعلن للمتلقي ص170 على لسان السارد ( فهذه الدولة التي تُقصف وتُدمر هي التي تنتج الخبز الذي يقتات به السواد الأعظم من أبناء هذه الكرة المستديرة). كما أن زينب السعود أرادت إيصال رسالة للعالم عبر شخصية يوسف الدور الخطير الذي يؤديه الصحفي وما يحمل هذا الدور من قيم إنسانية.
المرأة كانت واحدة من القيم المهمة التي طرحتها الكاتبة وقد جسدتها في أكثر من شخصية لكن الأبرز كانت شخصية جمانة. وجمانة مثال المرأة القوية المثقفة المحبة صاحبة المبدأ زوجة الصحفي يوسف الذي تم تكليفه لإدارة مكتب إعلامي في أوروبا الشرقية وتحديدا في مدينة ماريوبل الأوكرانية. فتحملت مسؤولية البيت والأولاد بالرغم مما كانت تعانيه من عذاب نفسي وشوق للزوج والحبيب وخوف وتوتر من فقدانه في دولة نزلت بها حرب لم تكن بالحسبان. ونلخص قيمة تلك المرأة المحبة المضحية القوية فيما جاء على لسان الساردة عن يوسف بعد أن جاءت كلمة أحبك على لسان جمانة عبر الهاتف ص97 ( كان قد استسلم منذ فترة لفكرة أنها قد تكون كرهته بسبب انشغاله بعمله, وإجازاته المتباعدة ,وتحملها مسؤولية الأولاد وحدها, واضطرارها للتخلي عن أحلامها وطموحاتها). ومن هنا نستنبط أيضا قيمة مهمة وقفت عليها الكاتبة بعمق وهي الحب. فحب جمانة ويوسف كان الدافع لهما ليصبر كل منهما على الوضع الذي وضعته الظروف فيه.
كما أن جمانة تحلت بقيمة إنسانية وهي الوفاء فبالرغم من البعد الذي حال بينها وبين صديقتيها سارة وأفنان إلا أنها ظلت وفيه لهما ويتضح هذا ص84 من خلال ما جاء عن سارة على لسان الساردة( تنصت إليها كلما دار الحديث بينهما ,تاركة لها مساحة كي تخرج ما بداخلها من تمرد على كثير من المتناقضات التي تواجهها في علاقتها المضطربة بزوجها..)
وتجلت قيمة الحياة في النص وقد أولتها الكاتبة اهتماما وعناية. ذلك لأن التشبث بالحياة هي طبيعة جُبلت عليها النفس البشرية وتتضح هذه القيمة في كثير من المواقف منها ما جاء عن رشا طالبة الطب التي تدرس في جامعة كييف على لسان الساردة ص106( كانت هذه أول مرة تختبئ فيها داخل قبو تحتمي بجدرانه من نيران القصف). ومن خلال قيمة الحياة والتشبث بها تعري لنا الكاتبة النفس البشرية التي تحولت عند البعض إلى كتلة من الأنانية. وقد أتت على هذا في عدة مشاهد وكيف تعامل الأوكران تجاه الطلاب العرب. وقد أزاحت الحرب اللثام عن التمييز العنصري تجاه سكان العالم الثالث. نذكر منها ما حصل عندما قرر أؤلئك الطلاب مغادرة كييف إلى لفيف عبر القطار. فعلى لسان الشرطي ص142 لطالب الطب معاذ عندما اعترض على منعهم الركوب ( قاطعه الشرطي بنبرة مستفزة :أأنت أوكراني؟ طبعا لا ,إذا لا يحق لك ركوب القطار ,الأولوية للأوكرانيين). والتمييز العنصري ,هذه القيمة السلبية أدت إلى إلغاء قيمة العدالة فالطلاب العرب لم تتم معاملتهم بالمثل ,ما عرضهم إلى الشعور بالإذلال النفسي بسبب فقدانهم لحقوقهم الإنسانية بسبب جنسيتهم العربية المهمشة في بلاد الغرب. والعدالة كقيمة إنسانية تعطي الشخص قيمة مهمة وهي الحرية , وقد لجأت الكاتبة إلى تصوير حجم الخسارة والإنهيار الذي تتعرض له الشخصية الإنسانية من خلال هؤلاء الطلاب حين يتم التهاون في ممارستها لحريتها والتي هي حق طبيعي لكل إنسان. فحين مُنعوا من قبل الشرطي من ركوب القطار فهذا يعني بقاءهم في كييف للموت وهذا لا يعني سوى أنهم باتوا مسلوبي الحرية. وبما أن الحياة هي ضد الموت فقد كان الجميع يصارع من أجل النجاة من الموت الذي بات يهدد الجميع دون استثناء.فبرزت قيمة جديدة وهي الصراع.
وهناك من يصارع من أجل راحة الجميع وهذا يتضح في مواقف الصحفي يوسف فقد بذل نفسه ووقته حين تأخر في كييف مع الطلاب العرب بالرغم من إصابته إلى أن اطمأن أنهم غادروا ,كما وهبهم المال حينما ساهم بنصف أجرة الحافلة التي ستقلهم إلى لفيف,ويتجلى هذا فيما جاء على لسان يوسف حينما أخبرمعاذ بأن صاحب الحافلة طلب مبلغا كبيرا ص192 (أنا سأتكفل بنصف المبلغ ,عليكم أن توفروا نقودكم كي تتمكنوا من الخروج من لفيف إلى بولندا). وهذه هي التضحية ,قيمة من أسمى القيم الإنسانية فقد بذل يوسف نفسه ووقته وماله من أجل الطلاب العرب,كما أنه في خط الدفاع الأول حينما وقف أمام كاميرته لنقل الخبر الصادق للعالم ولم يأبه بالموت ومن هنا تأتي قيمة الشجاعة التي تحلى بها هذا الصحفي.
ولأن القيم الإنسانية أساس بناء المجتمعات وضمان استمراريتها فقد تزاحمت في رواية الحرب التي أحرقت تولستوي مثل بر الوالدين ,الشكر ,الأمانة ,التضامن, الإنتصار وغيرها مما لا تتسع له هذه القراءة.
وبقي القول أنه من الواضح بأن الحرب التي أحرقت تولستوي عكست ما اكتسبته الكاتبة زينب السعود من ثقافات وعلوم وأحداخاص.