الأضحى في مخيم جنين.. حزن وتماسك وصمود

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
لعيد الأضحى في مخيم جنين طعم خاص عن باقي المدن الفلسطينية، فالمخيم التي فقد أعداد كبيرة من الشهداء منذ مطلع العام الجاري، يتعرض لأكبر تهديد احتلالي أمام تصاعد الاعتداءات على سكانه ومقاتليه في ظل تنامي المقاومة.

وفي صباحات العيد، تستقبلك يافطات التهنئة موقعة من فصائل ومجموعات المقاومة، وكل فصيل يفعل ذلك على طريقته الخاصة، حيث تنتشر اليافطات في كثير من الأماكن، ولعل أبرزها مدخل المخيم حيث مفتاح العودة الضخم، وعلى مدخل مسجد المخيم الكبير، وعلى مداخل مقبرة الشهداء على أطراف المخيم الغربية.

وبجوار عبارات التهنئة المعتادة، تقابلك صور الشهداء من المقاومين والمواطنين الذين فقدهم المخيم خلال الأيام الماضية، حيث ما زال الدم ساخنا والوجع حاضرا.

ورغم حالة الأمن والحذر التي يعيشها السكان (11 ألف نسمة تقريبا) إلا أن المخيم يستقبل زواره بحميمية خاصة. وخصص مقاتلون ونشطاء ميدانيون مسارا واحدا للسيارات من خارج المخيم يقودك من مدخله الرئيسي إلى قلب المخيم حيث مسجده الكبير بالقرب من محطة القطار العثماني التي بنيت قبل حوالي 115 عاما، ومن ثم إلى مقبرة الشهداء التي لم تعد تتسع لمزيد منهم.

فيما بقية الطرق والمداخل الفرعية فعليها حواجز حديدية متفاوتة الأحجام، لإعاقة تقدم دوريات الاحتلال عند محاولة اقتحام المخيم، فيما تلعب العبوات الناسفة الفارغة والوهمية دورا مهما في زينة مداخل المخيم عبر نصبها بجانب الحواجز الحديدية.

ورغم مخاوف السكان التقليدية إلا أن المكان يعج بالمواطنين من مختلف الفئات، نساء وأطفال وشبان صغار يتنقلون عبر الدراجات النارية صغيرة الحجم، فيما حضر بعض المقاتلين بلباس مدني، وأخذوا يمازحون الأطفال ويتلقون عبارات الإشادة والثناء.

خطبة العيد بنصائح خاصة
كانت المحطة الأولى لـ”القدس العربي” في مسجد الشيخ زايد (المسجد الكبير). لقد بدت الخطبة اعتيادية، حيث كثف الخطيب الشيخ صبحي حنون من دعواته للتواصل ونبذ الفرقة والاختلاف بين سكان المخيم إلى أن اقترب من نهايتها، حيث قدم الشيخ نصائحه للمقاتلين محذرا إياهم من محاولات غدر الاحتلال الإسرائيلي بهم، كما دعاهم إلى الفطنة والحذر كي لا يُمنح الاحتلال فرصة لاستهدافهم.

وخلال الأيام التي سبقت العيد وأمام قيام قوات الاحتلال باستهداف المقاتلين بالطائرات المسيرة، أطلق نشطاء من المخيم حملة لتغطية شوارعه وأزقته، وهو أمر استجاب له العشرات حيث تم تغطية أزقة وشوارع بأكملها أملا في أن تشكل غطاء وحماية لتحركات المقاتلين داخله.

المقبرة ساخنة بالدموع ووعود الوفاء
وإن كان الموقف الشرعي لا يحبذ زيارة المقابر في أوقات الأعياد، إلا أن الحال في مخيم جنين مختلف تماما، فلا يمكن أن يكتمل العيد إلا بزيارة مقبرة الشهداء على أطراف المخيم الغربية.

وبالتالي يعتبر الخروج من المسجد سيرا في طريق المقبرة، ويمكن لنظرة بسيطة للوراء أن تجعلك تكتشف أن المخيم جميعه يسير في طريقه للمقبرة كأول مكان يقصد في استقبال العيد.

وفي ذات الطريق تجد أهالي الشهداء يفترشون ضيافة خاصة، أمام منازلهم أو في الأماكن التي استشهدوا فيها، على شكل حلويات البقلاوة والكلاج والقهوة والماء، فيما يصر أبناء المرحوم الأستاذ جواد بواقنة (59 عاما) على إيقاف المواطنين وتقديم واجب الضيافة الخاصة.

وكان بواقنة قد استشهد برصاصة قناص أمام عتبة منزله، قبل نحو خمسة شهور، لكونه حاول تقديم المساعدة لأحد الجرحى وهو أدهم جبارين (26 عاما)و هو نفس الحال مع شهداء جدد فقدهم المخيم في اقتحامه الدموي الأخير، حيث سقط 6 شهداء من المواطنين من دون أن يشكلوا أي تهديد لقوات الاحتلال.

ورغم أننا سرنا على عجل على أمل أن نكون أول الواصلين، إلا أن الدهشة أصابتنا عندما وجدنا المقبرة ممتلئة بأهالي الشهداء والزوار، وعند سؤالنا أحد النشطاء، أخبرنا أنها عامرة منذ الساعة الرابعة فجرا. فمع الساعات الأول للفجر، ونزول ضوء النهار بدأت العائلات والمقاتلون ورفاق الشهداء وأقاربهم يتوافدون إلى المقبرة.

وبمجرد دخول الزائر للمقبرة، يكتشف فعليا أنها مكتظة، لدرجة أنه تبقى فيها مساحة لقبر أخير، حُفر على مدخل بوابة المقبرة الواسعة، ويحار المراقب لمن سيكون نصيب هذا القبر الوحيد والأخير.

ويخبرنا لاحقا أحد المرافقين، أن اللجنة الشعبية في المخيم خصصت مساحة إضافية ومكانا قريبا من أجل موتى المخيم وشهدائه بعد أن فاضت المساحة الجديدة بالقبور، ويؤكدون أنه لو لم يقتل الاحتلال ما يقرب من 50 فلسطينيا من سكان المخيم لكانت المقبرة فيها متسع.

وبمجرد دخول المقبرة، ينفتح النظر على وسعه ليرصد مفارقات المكان المليء بالمشاعر والعواطف المتناقضة، تجلس العائلات أمهات وزوجات وأخوات وآباء وأخوة على قبور أحبتهم من الشهداء، هناك من يرعى الزرع ويعتني بالورد، وهناك من يقرأ القرآن، وهناك من يغرق بالدموع الحارة والطازجة.

وتتفاوت قبور الشهداء. فالقبور الجديدة يغطيها الورد الأخضر، فيما يرش على تربتها الماء للترطيب، بينما القبور القديمة، وضعت لها شواهد حجرية ورخامية حفرت عليها صور الشهداء.

ولا تبدو زيارة المقبرة فعلا يخص أهالي الشهداء، إنما يعكس روحا خلاقة في التعاطف والتواصل وتبادل الدعم الاجتماعي. وشدد ناشط من المخيم على أن هذه "روح المخيم وجزء من الحاضنة الاجتماعية للمقاومة”، وفي جانب من الصورة، يمكن للمدقق أن يرى أن زيارة المقبرة من رفاق الشهداء وأصحابهم تحمل تأكيدا على استمرار العلاقة والسير على ذات الدرب المقاوم.

كي لا يُكسر المخيم
بسهولة، ورغم الحالة الأمنية الخطرة التي أصبح يتميز بها المخيم، إلا مجموعة من كبيرة من المواطنين رأوا أن العيد لا يكتمل إلا بالقدوم إلى المكان الذي أصبح رمزا وطنيا فلسطينيا للمقاومة. وأمام التهديد الإسرائيلي للمخيم بتوسيع العملية العسكرية، يرى نشطاء أن المخيم أصبح بأمس الحاجة إلى خط دفاع قوي إلى جانب المقاومين، وهو أمر يمكن أن يوفره المد الشعبي والجماهير بحسب هؤلاء.

وفي وقت سابق، طالب الناشط السياسي والأسير المحرر رمزي فياض، بضرورة استنهاض كل الطاقات من أجل الدفاع عن المخيم وعدم كسره، حيث اعتبر أن إعادة استنهاض العامل الشعبي هي أبرز طرق الدفاع عن المخيم.

واعتبر رمزي في حديثه مع "القدس العربي” أن مشكلة الاحتلال ليست مع مجموعة من المسلحين المقاومين، إنما مشكلته مع كل الشعب الفلسطيني، معتبرا أن الرد على تهديدات الاحتلال بحق المخيم يتمثل في جعل المد الشعبي عاملا في الدفاع عنه وحمايته.
القدس العربي
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences