بعد الجفاف والحرائق: خسائر الموسم الزراعي في تونس تتفاقم
الشريط الإخباري :
أضرار بالغة تسببت بها موجة الجفاف والحرائق التي شهدتها مساحات زراعية واسعة في تونس هذا العام، مست عددا كبيرا من صغار مزارعي الحبوب ومزارعي الأشجار المثمرة ومربي النحل، وفقدان مزارعين منازلهم وموارد رزقهم.
مسؤولون نقابيون وعدد من المزارعين التونسيين، أكدوا في تصريحات أن «الموسم الزراعي لهذا العام كان كارثيا بسبب الجفاف والحرائق».
واعتبروا أن «عدم تلقي المزارعين أي دعم أو منحة أو أي شكل من التعويضات من السلطات عن الخسائر التي تكبدوها، ينبئ بأزمة إنتاجية واقتصادية حادة للموسم الزراعي المقبل».
وشهدت تونس، خلال يوليو/ تموز الماضي، موجة حر تجاوزت فيها درجات الحرارة 50 درجة في بعض الولايات.
وحسب المرصد التونسي للمياه (حكومي)، توسعت خارطة العطش في تونس، نتيجة قلة تساقط الأمطار واهتراء البنية التحتية للسدود المحلية.
وعانت تونس شحا في المياه وتراجعا في احتياطيات السدود، جراء التغيرات المناخية وسنوات الجفاف الثلاث الماضية، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار.
عدم حصول الفلاحين على منحة أو تعويض ينبئ بأزمة إنتاجية حادة
ووفقا لبيانات الإدارة العامة للحماية المدنية، تم تسجيل 50 حريقا للغابات، خلال الفترة بين 1 يوليو/تموز إلى 10 أغسطس/آب الماضيين، أت على مساحة 1777 هكتارا، مقابل تسجيل 92 حريقا في نفس الفترة من سنة 2022 أتى على 3166 هكتارا .
وحددت السلطات المحلية في البلاد المساحات المتضررة من الحرائق بنحو 900 هكتار من الأراضي في الشمال الغربي، خلال يوليو/تموز الماضي، وشملت مدن طبرقة وملولة من ولاية جندوبة (شمال غربي)، كما مس الجفاف مساحات زراعية واسعة بكامل تونس.
وعبّر الهادي بوزيدي مهندس زراعي وصاحب أرض زراعية مساحتها 19 هكتارا من الأشجار المثمرة في منطقة قعفور من ولاية سليانة (شمال غرب)، عن الأزمة الحالية قائلا: «هذه السنة وقعت كارثة، والخسائر لا تحصى ولا تعد».
وأضاف: «عدد كبير من الأشجار في أرضي تضررت بسبب الجفاف ونقص مياه الري، فقد تعرضت حوالي 1500 شجرة خوخ و400 شجرة مشمش وحوالي 500 شجرة قوارص للإتلاف».
بدوره، قدر أنيس الفرشيشي مهندس زراعي في منطقة مجاز الباب في ولاية باجة، نسبة الضرر في أرضه بـ 90 في المئة، وذلك نتيجة الجفاف ونقص الأمطار. وقال إنه «رغم كلفة الإنتاج العالية التي تكبدها خلال الموسم (حراثة، أسمدة، أدوية)، إلا أنه لا يوجد محصول ولا حصاد للحبوب نظرا لغياب الأمطار إلى حدود شهر مارس/آذار الماضي». وتابع: «هذه السنة كان تأثير الجفاف أكبر من الحرائق في منطقتنا».
وفي تصريح قال طارق المخزومي عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (اتحاد المزارعين) المكلف بالموارد الطبيعية، إن «تأثيرات الجفاف خلال هذا الموسم كانت كبيرة، وأكثر حدة من السنوات الثلاث الماضية».
وأضاف أن «أضرار الجفاف ونقص المياه انعكست بشكل لافت على الزراعات الكبرى، خاصة في الولايات التسع المنتجة للحبوب. والولايات التسع، هي: «باجة وجندوبة والكاف وسليانة (شمال غربي)، ونابل (شرق)، والقيروان (وسط)، وتونس ومنوبة وبن عروس (شمال). وبلغت محاصيل الحبوب لهذا الموسم حوالي 3 ملايين قنطار، وهذا غير كاف بالمرة»، حسب المخزومي. وبالنسبة للأضرار الناجمة عن موجة الحرائق، أشار إلى أن «الحرائق هذه السنة أتت على مئات الهكتارات من الغابات وإتلاف الأشجار المثمرة، والإضرار في قطاع المراعي».
وعن تقييم الأضرار ورصد التعويضات للمزارعين إن «اتحاد الزراعة يتابع عمل صندوق الجوائح (حكومي) وقد تم تقييم الأضرار، منذ مايو/أيار الماضي، عبر معاينات ميدانية قام بها خبراء شركات التأمين، ونحن في انتظار صرف التعويضات».
وأوضح أن «السلطات وعدت بأن يتم صرف التعويضات للفلاحين، الذين قاموا بالتأمين على المحاصيل ضمن صندوق الجوائح الطبيعية، قبل انطلاق الموسم الزراعي المقبل في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. أما بالنسبة للفلاحين الذين لم يقوموا بالتأمين فسيكون من الصعب أن يحصلوا على تعويض».
وأشار إلى أن «قيمة التعويضات المرصودة في الصندوق تبلغ حسب تقديرات مسؤولين حكوميين حوالي 54 مليون دينار (18 مليون دولار) وستشمل عددا كبيرا من المزارعين (دون أن يحدد العدد)، وللأسف هناك عدد كبير منهم مازالوا غير مقبلين على التأمين في الصندوق». واعتبر أن «التعويضات لن تكون كبيرة إلا أنها قد تساهم في تخفيف وطأة الأزمة التي يمر بها المزارعون هذا العام».
و لاحظ عمر الغزواني عضو سابق في اتحاد المزارعين المحلي في جندوبة ( شمال غرب) وناشط في المجتمع المدني، أن «الجفاف هذا العام كانت له تأثيرات قياسية، وستكون له تبعات كبيرة مستقبلا».
وأكد أن «محاصيل العديد من الفلاحين سواء من الزراعات الكبرى أو الزراعات العلفية أو الأشجار المثمرة، تعرضت إما إلى التلف أو لم تثمر بسبب الجفاف، وهذا ما يكبدهم خسائر مالية كبيرة وصعوبات في خلاص القروض الفلاحية».
وأوضح أن «تمويل الموسم الزراعي يكون غالبا في شكل قروض يحصل عليها الفلاح من البنوك أو الجمعيات الفلاحية، وفي حال لم يقم بتسديد ما عليه من ديون فلا يمكنه الحصول على قروض جديدة لتمويل الموسم اللاحق».
وشدد على أن «الفلاح في حاجة إلى دعم الدولة» لكنه أشار إلى أن «صندوق الجوائح الذي أنشأته الدولة غير كاف، نظرا لأن التعويضات التي يرصدها ستشمل فقط المزارعين المنخرطين في الصندوق ونسبتهم لا تتجاوز 5 في المئة من مجموع الفلاحين في كامل البلاد (لم يحدد العدد الجملي)».
وفي 8 يونيو/حزيران الماضي، أقرت وزارة الفلاحة التونسية جملة من الإجراءات التي تهم مزارعي الحبوب. وقالت في بيان آنذاك، إنه «سيتم تمكين الفلاحين المتضررين من الجفاف والمنخرطين في صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية من مستحقاتهم قبل انطلاق موسم البذر المقبل».
وفي السياق، أعلنت الوزارة «إقرار زيادة استثنائية بـ 10 دنانير (3.3 دولار) للقنطار الواحد، كمنحة تشجيعية خاصة بموسم 2023 لتجميع مختلف أنواع الحبوب في مراكز التجميع في الجهات، مع توفير كميات كافية من بذور الحبوب لتأمين حاجيات الفلاحين للموسم المقبل». وشددت على أن «هذه الإجراءات تأتي في إطار العمل على التخفيف من التأثيرات المناخية الصعبة المرتبطة بشح الأمطار في مناطق الإنتاج خلال هذا الموسم والاستعدادات لموسم الزراعات الكبرى».
الاناضول