قماش الحرية (لا يخش) بالغسيل

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
رمزي الغزوي - في زمن أظنه ليس ببعيد، نزل أعرابي إلى بغداد، وتبضع مؤنة أهله، ولوازم البيت، ثم جال في رحابة الأسواق وأزقتها، حتى اشترى خمس أذرع قماش؛ ليخيط منها دشداشاً يتهندمه في عرسه القريب.
عند الموعود المحدود رجع صاحبنا متلهفاً لاستلام دشداشه. لكن المفاجأة وقعت على رأسه كيوم القيامة، إذ أنبأه الخياط، بأن القماش الذي أحضره (يخش) بالغسيل، أي يشرب بالماء، ويتقلص طوله وعرضه، عند الغسل، فيصبح أقصر وأصغر وأضيق، وأضاف بأنه، ما أن بلل قطعة القماش بقليل من الماء؛ حتى اختفت كلها، ولم يبق منها خيط ينظم بإبره!.
وَلوَل الأعرابي وتبركن غضباً، ثم هرع إلى بائع القماش متابطاً شراً متقادحا شرراً، فأخبره بأن قماشه (مش خوش) قماش، فهو يخش بالغسيل، حتى أن القطعة التي اشتراها، لم تلبث أن اختفت بيد الخياط، مع أول بلة ماء!.
بعد أن هدأ من روعه، قال البائع للأعرابي بسكون، إن قماشه ممتاز جداً، وأنه محلوج من القطن المصري عريض التيلة، وأن كل لفة القماش التي عنده، لو غسلها بالماء عشرات المرات أو نقعها شهراً فيه، فإنها لن تنقص أو تخش إلا بمقدار خمس أذرع!.
رجع الأعرابي إلى الخياط فارعاً دارعاً، وأخبره بقول البائع، فرد عليه الماكر بخبث: كلام البائع صحيح مئة بالمئة، ولكنه قد غشك وخدعك بالفعل، فهو قد أعطاك الخمسة أذرع التي تخش بالغسيل تحديداً!.
ليس مفيداً أن نزجي نصيحة للأعرابي المسكين بضرورة العودة السريعة إلى باديته الصادقة، واستعارة اية دشداش من خال أو عم أو جار، ليتزوج به والسلام، فقد فات فوت النصح، فالذي طبّع طبّع، والذي ربّع ربّع.
وليس مفيداً أيضاً، بعد كل الوهم الذي شربناه، أو لبسناه، أو أكلناه، أن نزجي نصيحة لأنفسنا بضرورة مراقبة أولئك الذين أعطيناهم غزلنا وقطننا، وأتمناهم على عرينا، كي لا يمنحونا الهواء ثوباً فضفاضاً. وضرورة محاسبتهم أولاً بأول، كي لا يطعموننا أكبر وهم بالعالم.
ربما كان علينا أن لا ندعهم يحلجون لنا قطن السماء وغيمها وغبارها، كي نلبس شفيف الماء أو الهواء، بعد عناء وعناء، ربما كان علينا، أن لا نكون سذجاً، إذ صدقنا باعتنا وخياطينا، أن قماشنا ولحمنا كلها تخش بالماء، أو أننا نختفي إذا ما شربنا قطرة عرق من أجسادنا المتعبة.
ربما كان علينا أن نقول لهم بلسان ذلق: لا نريدكم، ولا نريد قماشكم ووهمكم. حتى لا نصل ليوم صرنا فيه زلطاً. ربما كان علينا أن نبركن غضباً لا يطفيه كلام خياط مكار. 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences