الأردن في صلب معادلة «ولادة من جديد»: النعومة «خطأ» والتهجير يحصل والضفة تنزف
الشريط الإخباري :
تأكيد عضو البرلمان الأردني فواز الزعبي، استعداده مع الشعب لمواجهة الإسرائيليين ولو بـ«حفارات الكوسا» ليس فقط عبارة ساخرة قيلت تحت قبة البرلمان من عضو ناشط ومخضرم اعتاد الصحافيون على التقاط مفارقته ونكاته السياسية، فالتعبير مجازي بالمعنى السياسي هنا، وقد يعكس إلى حد كبير مستوى وعمق المخاوف لدى غالبية الأردنيين بمختلف مكوناتهم الاجتماعية من توسع نطاق العدوان العسكري الإسرائيلي إقليمياً، وإضافة إلى دخول البلاد والعباد في حالة تنزف فيها الحدود بين المملكة الأردنية الهاشمية وفلسطين المحتلة، خصوصاً أن عمان تراقب بكثافة وكفاءة كل ما يجري الآن في الضفة الغربية، وتحديداً في مدن ملتهبة مثل نابلس وجنين.
يعلق الوزير والبرلماني والخبير الاقتصادي المعروف الدكتور محمد حلايقة على هامش نقاش مع «القدس العربي» مشيراً إلى أن الضفة الغربية عندما تعاني أو تنزف أو ينتقل لأهلها العدوان بنفس السوية الدموية، تقرع كل أجراس الأردن والضمير الإنساني.
تقارير ميدانية عميقة
لدى مطبخ القرار الأردني شبه قناعة، وتقارير ميدانية عميقة تشير إلى أن حكومة اليمين الإسرائيلي تدفع قصداً وبنية مسبقة الضفة الغربية إلى حالة الانهيار أو حالة انهيار النظام القانوني، كما يسميها العاهل الملك عبد الله الثاني، وهو يعيد التذكير بأن على المجتمع الدولي أن يضبط سلوك اليمين الإسرائيلي، حتى على هامش جولته الأخيرة قبل يومين في بعض الدول الغربية.
النائب فواز الزعبي قال إن الأردنيين لديهم قدرة على قلع عيون جنود إسرائيل إذا ما اعتدوا على الأردن بحفارات الكوسا. لكن هذا التعبير المجازي في الوقت نفسه مؤشر على رسالة سياسية اجتماعية وعشائرية بعدما نقل الناطق باسم حركة حماس أبو عبيدة، وهو يتحدث عن عشائر الأردن أنهم «كابوس الاحتلال». ويبدو أن عبارة الشعب الأردني كابوس الاحتلال، وجدت ضالتها والتقطها العشرات من النشطاء والحراكيين وأبناء العشائر في إظهار القدرة على الاستمرار في التعبير عن طموحاتهم وآمالهم في الاعتراض ضمن جملة منضبطة وسياسية قد تقود إلى رفع جاهزية قوى الشعب الأردني في الاشتباك والتعاطي مع الموقف، لأن تلك لحظة -برأي حلايقة وآخرين- ينبغي الاستعداد لها وطنياً.
الانطباع يتراكم في المشهد السياسي والوطني والمحلي الأردني بأن فرص استدعاء الصراع الحاصل في قطاع غزة على شكل اعتداء همجي، كما وصفه وزير الخارجية أيمن الصفدي، إلى الضفة الغربية ثم العمل على تصديره للشرقية إنما يمثل استراتيجية حكام تل أبيب الميدانية اليوم.
لم يعد ذلك مجرد انطباع، بل شبكة من المخاوف استفزت كل هواجس الأردنيين حتى اضطر الخطاب الملكي للإعلان سيادياً: «القضية الفلسطينية لن تحل على حساب الأردن».
تلك هواجس لم يعد سراً أنها تتجول اليوم وسط نخبة لا يستهان بها من السياسيين والوطنيين الأردنيين، في الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث وتجد الدولة الأردنية نفسها في مواجهة الاشتباك مع السردية الإسرائيلية، لا بل مع الإجراء الإسرائيلي، خصوصاً أن بعض قادة وأقطاب العمل الفلسطيني في حركة فتح وغيرها المقربين من عمان والذين يجرون مشاورات بين الحين والآخر، ينصحون المؤسسات الأردنية بأن الانتباه ينبغي أن يكون أكثر وبعمق لكل ما يجري في الضفة الغربية.
عملية التهجير بدأت فعلاً، ومعها التحريك الديموغرافي؛ بدلالة تلك المقاربات التي تحاول تهميش وإخراج البنية التحتية في مدن الضفة الغربية عن الخدمة خلافاً لتعدد عمليات القتل، خصوصاً في مدينة جنين وبقية مدن النضال الفلسطينية. وهو تقييم نصح رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق والخبير الدكتور جواد العناني «القدس العربي» بضرورة الانتباه له، معتبراً أن المسألة لم تعد تتعلق بفكرة أو نظرية أو سيناريو، بل تتخذ إجراءات إسرائيلية لتكريس هذا التهجير؛ بمعنى تحريك السكان أو التنكيد عليهم وتضييق سبل المعيشة والإكثار من القتل قصداً، لكي يبحث أبناء الضفة الغربية عن ملاذ آخر.
عمليات «ليست بريئة»
وهنا يلفت العناني نظر الجميع إلى ضرورة الانتباه جيداً لما يجري في المخيمات داخل مدن الضفة الغربية، مثل مخيم عقبة جبر في أريحا ومخيمات طولكرم ونابلس، إضافة إلى مخيمات الخليل، والأهم جنين.
تلك عملية، بتقدير العناني، ليست بريئة ولا «أمنية» حصراً، وأغلب التقدير أن ما قاله الناشط الفلسطيني البارز الدكتور مصطفى البرغوثي يصب ذهنياً وسياسياً في الاتجاه نفسه.
الإجراءات الإسرائيلية العسكرية العدوانية لا تقف عند حدود الأهل في قطاع غزة، كما قال البرغوثي على قناة الجزيرة مساء الأربعاء، لكنها تتخذ اليوم وبصورة خشنة وقاسية في مدن الضفة الغربية. الأردن يتلقى النصائح هنا وهناك بين الحين والآخر، وآخرها برز مع نخبة شخصيات وطنية بلسان المخضرم في العمل الفلسطيني الوطني عباس زكي، وهو ينصح محذراً من أن «التهجير قادم» والاسترخاء والنعومة في التعامل «سلوك خاطئ» والفرصة متاحة لأن تولد المملكة في خطاب الثوابت من جديد.
لكن المخاوف تزيد وتنمو لا بل تزحف إلى مربعات القرار هذه المرة، بدلالة أن الملك عبد الله الثاني تحدث عن تخلي المجتمع الدولي في ملف اللاجئين سابقاً عن الشعب الأردني خلال اللقاء الذي انعقد في جنيف أمس الأول، وهي إشارة إلى أن بلاده ليست بصدد استيعاب المزيد من اللاجئين عملياً.
المقاربات تبدو مزدحمة، والشارع الأردني مفعم بالاعتراضات والاحتجاجات، والتحذيرات والنصائح تهطل على عمان من كل الاتجاهات بما فيها اتجاهات فلسطينية. والاشتباك في أساسه ليس في إدانة العدوان على قطاع غزة فقط، لكن في التحذير شديد اللهجة مما يمكن أن يحصل في الضفة الغربية.
بسام البدارين
القدس العربي