كيف انهى الاحتلال حياة الأسير ثائر أبو عصب ..؟؟
الشريط الإخباري :
نابلس - ما عاشه الأسير الفلسطيني بنان برهم في الأسر واقعا أهون عليه مما سمعه بأذنيه، فالتعذيب بالضرب المبرح والتجويع والتعطيش والحرمان من الاستحمام والفراش والغطاء وسط برد شديد، كان محتملا أمام سماع أنين وصرخات قادمة من غرف رفاقه، ثم استشهاد أحدهم.
يقف الأسير برهم (42 عاما) المفرج عنه من سجون الاحتلال قبل أيام، بعد اعتقال دام 16 عاما، كأحد الشاهدين على قتل رفيقه الأسير ثائر أبو عصب (38 عاما) ضربا في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
ويروي برهم ما سمعه نصا وحرفا من الأسير هشام طقاطقة، حول حادثة إعدام الأسير أبو عصب، المنحدر من مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، ليكون أول ناقل للخبر بتفاصيله المروعة التي ظلت طي الكتمان، إلا ما شح منها، وصرَّح به الاحتلال، حول ظروف استشهاد 6 من الأسرى الفلسطينيين قُتلوا داخل معتقلاته منذ الحرب على غزة.
ويقول برهم إنه اهتم بالقصة لنقلها بدقة وبحذافيرها من مصدرها وهو الأسير طقاطقة، "لأني كنت أول الأسرى المفرج عنهم ممن التقى معهم هشام، وبجعبتي تفاصيل تكشف جرائم الاحتلال وتفضحه".
في معتقل النقب الصحراوي حيث وقع الحدث، لم يكن ذنب الأسير ثائر أبو عصب، وباعتباره ممثلا عن الأسرى في قسمه، إلا أنه سأل سجانه من الاحتلال "إلى متى سنظل هكذا؟ هل من خبر عن هدنة؟" فرد الحارس، "أنا سآتيك بالجواب".
يقول برهم "شعر ثائر عقب سؤاله البسيط أن شيئا ما سيحصل، وعاد للأسرى رفاقه، واعتذر منهم على ما فعل، وأخبرهم أنه سيجلس بمقدمة الغرفة ليتصدى لأي اقتحام للغرفة".
ويضيف "جاء الجواب بعد نحو 3 ساعات، عبر 19 من الجنود المقنعين والمدججين بالسلاح والهراوات الحديدية والكلاب البوليسية، واقتحموا غرفة ثائر و7 أسرى آخرين، وبعد أن أنهوا عملية العد المذلّة لهم، وتحققوا من اسم ثائر الكامل، أمروا الأسرى بالاستدارة للخلف، ورفع اليدين فوق الرأس وبأن يجلسوا القرفصاء".
وتابع برهم "في الأثناء هاجم الكلب الأسير هشام طقاقطة، وجلس فوق جسده، ثم انهال السجانون على ثائر ورفاقه بالضرب المبرح بالعصي والهراوات الحديدية، ولنحو 20 دقيقة متواصلة، وحينها سقطت يدا ثائر من فوق رأسه، ولم يقدر على رفعها، وشلت حركته بالكامل، بينما غاب الأسرى الآخرون عن الوعي".
وللحظة توقف السجانون وكادوا يخرجون من الغرفة، لكنهم سرعان ما عادوا وباشروا بضرب ثائر مجددا وبعنف أكبر، "ليتأكدوا أنها الضربة القاضية" يضيف برهم.
ولحسن حظ الأسير طقاطقة أن جلوس الكلب فوقه حماه من ضربات قاتلة، "لأنهم لا يريدون إيذاء الكلب"، فراح يصرخ ويستنجد بالأسرى في الغرفة الثانية محاولا إنقاذ ثائر الذي أصيب باختناق وضيق بالتنفس، وراح يتقلب ويصرخ "وينك (أين أنت) يا أمي".
يواصل برهم ما سمعه "جرَّ ثائر جسده المنهك نحو الأسير طقاطقة، وحاول النهوض ثم صرخ (يا أمي) وسقط أرضا وغاب عن الوعي"، ليجدد طقاطقة استنجاده بالأسرى الذين حاولوا مساعدته بتوجيه النصائح للتعامل مع ثائر.
وبعد حوالي ساعة ونصف وبضغوط من الأسرى، استجاب الحارس وجلب الطبيب، وأخرجوا الأسير ثائر الذي كان قد فارق الحياة.
ووسط ذلك كله، ترك باقي الأسرى في الغرفة وحدهم يصارعون الموت وفاقدين الوعي، وعندما استنجد طقاطقة بالحارس مجددا لإحضار طبيب لهم، رفض وشتمه، وقال له "اذهب وتفقّدهم، ومن تجده على قيد الحياة اتركه، ولغير موت أي منهم لا تستدعني".
وظل الأسرى على حالهم لليوم التالي، حين حضرت الشرطة للتحقيق، وجرى معاينتهم وكأنهم جثث دون أن يقدموا لهم العلاج، بينما ادعت الشرطة وهي تحقق مع طقاطقة بأن شجارا وقع بين الأسرى أنفسهم، وأن ثائر ضحية ذلك، "ودحض طقاطقة ذلك، ودعا للتحقيق وفحص الجثمان المثخن بضربات الهراوات الحديدية".
وفور تحرره، نقل الأسير بنان برهم شهادته حول قتل الأسير أبو عصب لوالدته، لتكون أول من يرد على صرخاته "يا أمي"، وقالت "لم أصدق أن ثائر مات، وأنتظر زياراته، ولن تبرد ناري حتى أراه".
اعتقل الاحتلال ثائر أبو عصب عام 2005، وحكم عليه بالسجن 25 عاما، وهو أحد الأسرى الـ6 الذين استشهدوا داخل معتقلات الاحتلال خلال فترة العدوان على غزة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
بينما أشارت وسائل إعلام الاحتلال إلى استشهاد معتقلين آخرين من غزة في معسكر "سديه تيمان" في بئر السبع (جنوب)، ولكن الاحتلال يرفض الكشف عن مصيرهم.
واتهم ذوو الأسرى الشهداء سطات الاحتلال بقتل أبنائهم بعد اعتقالهم وضربهم، لا سيما ذوي الشهيدين عمر دراغمة من مدينة طوباس وعرفات حمدان من رام الله، في حين فتح الاحتلال تحقيقات للوقوف على ظروف استشهاد بعضهم.
ووثقت المؤسسات الفلسطينية الحقوقية 243 حالة لأسرى استشهدوا داخل سجون الاحتلال منذ احتلال عام 1967، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثامين 17 منهم، إحداها جثة الأسير أبو عصب.
وتقول هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني إن التحقيق بظروف استشهاد الأسرى، الذي جاء بفعل جهود قانونية لتلك المؤسسات، "ليس لتوخي العدل من الاحتلال، بل لوضع حد لعمليات التّعذيب والتّنكيل التي تصاعدت بحق المعتقلين".
وترجح مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة أن ذهاب الاحتلال لفتح تحقيقات حول استشهاد الأسرى "لتتفادى وصول الملف للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي إسقاطه محليا".
وتقول سراحنة "هناك نية مبيتة وتوجّها لدى حكومة الاحتلال لإعدام الأسرى، حيث دعا رؤوسها لإقرار القوانين لذلك، لكنهم بالواقع يطبقون الإعدام دون قانون، ويتصرفون بمنطق الانتقام".
وتضيف سراحنة "بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) لم تعد أولوية المؤسسات الحقوقية التركيز على مصطلحات كالإهمال الطبي أو التعذيب لتوصيف استشهاد الأسرى، فقد أصبح لدى الاحتلال قرار بإعدام الأسرى، وأن كل من يستشهد منهم بعد هذا التاريخ فهو بسبب القتل".
وتضيف أنهم لم يعودوا يتعاملون مع جسم اسمه "منظومة إدارة السجون"، وإنما مع أشخاص يتفننون بإدارة المعتقلات "بشهوة الانتقام".