بسام البدارين يكتب : هل تغيرت «قواعد الاشتباك» في الأردن ولماذا؟
الشريط الإخباري :
عمان ـ «القدس العربي»: تفكيك ألغاز ما حصل في مناطق غرب العاصمة الأردنية عمان بعد صلاة تراويح الأحد، ثم ما سيحصل لاحقاً، بدأ يحتاج إلى وقفة تأمل عميقة يفهم فيها المواطن مع السلطة ما هي تلك الحدود التي تعتبر فاصلة ما بين تفريغ احتقان الشارع أو التدخل الأمني بخشونة للسيطرة عليه. ثمة حلقة غامضة برزت في ليلة كانت متوترة جداً أمنياً مساء الأحد في غرب العاصمة الأردنية.
احتشد المئات من رجال الأمن في مواجهة آلاف المواطنين الغاضبين مع أن أحداً لم يتوقف بعد في محاولة متأنية لفهم أو مناقشة سبب الاحتشاد المباغت ومن الجهتين. بشأن نشطاء الملتقى الشعبي لنصرة المقاومة، حصل تطوران في غاية الأهمية استفزا مشاعر الشارع الأردني، وهما حصراً تلك الرواية المنقولة عن تعرض نساء فلسطينيات للاغتصاب والقتل في مستشفى الشفاء بغزة، وثانياً مشاهد تدنيس واقتحام الأمن الإسرائيلي خلافاً لغضبة الأردن الرسمي، للمصلى القبلي للمسجد الأقصى، فيما يستمر القتل وسياسة التجويع في قطاع غزة.
اندفع مئات المواطنين عفوياً فعلاً نحو مكاتب يفترض أنها فارغة لسفارة إسرائيل. وفيما تتداول منصات النشطاء والمواطنين الأنباء أولاً بأول عن حالات اغتصاب لحرائر غزة وعن استئناف التطبيع ورصد الإنارة في مكاتب سفارة الكيان، بدا أن السلطات تخطط لتوجيه رسالة تقول فيها ضمناً بسقف مختلف عن المألوف في التساهل والسماح بالاحتجاجات.
منذ يوم 8 أكتوبر تقريباً، يسهر نشطاء ومتضامنون مع المقاومة بصفة يومية قرب مسجد الكالوتي في جوار المنطقة التي تقيم فيها سفارة إسرائيل مكاتبها. وطوال الوقت يتجمع عشرات فقط من رجال الأمن والمحتجين باستثناء يوم الجمعة الذي كانت تزداد فيه التحشدات زخماً، لكن دون حصول احتكاكات مع رجال الأمن إلا نادراً.
الفكرة الأمنية الرسمية كانت دوماً وطوال الوقت ترتكز على الاستثمار في التوافق ما بين الموقفين الرسمي والشعبي إزاء الأحداث في غزة وفلسطين.
والمحلل السياسي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة، كان يصر في النقاش مع «القدس العربي» على أن احترام الخطوط الحمراء أمنياً للدولة ينبغي أن يقابله دوماً إظهار التقدير والاحترام لمشاعر الشعب الأردني تجاه العدوان الهمجي وما يحصل لأهل الأردنيين في غزة والضفة الغربية.
في رأي العياصرة مجدداً، التصعيد الأمني البيروقراطي بلا مبرر. وبرأي السلطات الذي لا تعلنه، ثمة فيتو على فكرة منح الجمهور فرصة الحضور كل ليلة بكثافة أمام سفارات أجنبية، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك.
ليلة «مأزومة»: قوى الشارع والأمن ورسائل «متبادلة»
بين عينيّ وفي وجدان نشطاء حراك غزة والشارع، بدا الاستمرار في الحد الأدنى من الواجب؛ بمعنى بقاء التضامن الشعبي حاضراً وبقوة في ذهن السلطة، بالمقابل، ثمة هاجس مركزي وأساسي اسمه سيناريو الاعتصام المفتوح والسماح به بالقرب من سفارات أجنبية.
وأغلب التقدير أن الحراكات الشعبية العفوية تربك المعطيات الأمنية، والفكرة البيروقراطية أن قوى الشارع على الرغم من جسامة الجريمة في غزة ينبغي أن يفهم بين الحين والآخر وجود أسقف وخطوط حمراء قد يكون أبرزها فعلاً وقف المزاودة على الدولة وثوابتها، والحرص في شهر رمضان تحديداً على تجنب خيارات الاعتصام المفتوح، بمعنى أن يعتقد النشطاء أن من حقهم اختيار التواقيت والأماكن دوماً تحت بند حرية التعبير.
لذلك، شاهد الأردنيون على الأرجح ليلة خشنة امتدت ما بين بعد صلاة التراويح الأحد حتى فجر الإثنين، وتخللها مجدداً بعض الاعتقالات والاحتكاكات بين عناصر الأمن والمواطنين، لا بل استخدام الغاز المسيل للدموع وبكثافة للمرة الثانية في محيط سفارة الكيان منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى.
سبب التوتر هو أن السلطات تريد على الأرجح الاحتفاظ بقواعد اشتباك في الميدان والإيحاء بأنها لا تسمح دوماً بكل الفعاليات في بعض المواقيت، وقرار السلطات هنا من الطبيعي أن يخضع لمعايير تعلمها غرفة القرار العميقة في الدولة ولا يعلم بها الجمهور.
في المقابل، يرى قادة ورموز الحراك الشعبي ومن بينهم الحقوقي الناشط عاصم العمري، أن الحكومة ينبغي أن تستجيب لاحترام مشاعر الأردنيين في وقت عصيب، خصوصاً أن الاستمرار في الاحتفاظ بعلاقاتها مع الكيان المجرم بحد ذاته أمر يجرح مشاعر كل أردني. وانفلتت الأمور في ضاحية غرب عمان بوجود أمني مكثف وخشن قابل تحركات شعبية عفوية بعد تداول معلومات قد تكون صحيحة وقد لا تكون.
وبدا أن الطرفين في حراك عمان الشعبي وغرفة السيطرة الأمنية معنيان برسائل تصعيد متبادل، فكرتها الأساسية رغبة السلطات الحكومية في الاحتفاظ بحقها وصلاحيتاها المفترضة في حجب التسهيلات للتظاهر والاحتجاج أو منحها، ويقابلها إيمان قوى الشارع بأن الاحتجاج والتجمع هو الحد الأدنى في الواجب تجاه الجريمة البشعة، وفقاً للعياصرة والعمري.
ليلة ساخنة قد تعقبها سخونة إضافية؛ لأن الملتقيات الشعبية والشبابية تحدث الإثنين في سلسلة أدبيات لها نشرت بتوسع عن يوم غضب للشعب الأردني بعد صلاة تراويح أمس الإثنين، حيث طولب الأردنيون بالتحرك لمحاصرة سفارة الكيان في عمان وبالاحتشاد في مختلف الساحات العامة في كل المحافظات. يعني ذلك أن خشونة الأمن انتهت بتصعيد في لهجة الحراك المناصر لغزة، أما حجم الاستجابة لفكرة يوم الغضب فمردها لن يكون إطلاقاً دعوات الملتقيات الشعبية ولا تحريضات التيار الإسلامي بقدر ما سيكون تلك المشاهد المؤلمة، ما يجعل الدعوة للاحتشاد والاحتجاج ليس تضامناً مع أهل غزة في الشهر السادس للحرب ضدهم، ولكن إظهار الغضب أيضاً ضد اقتحام مصليات المسجد الأقصى، ونصرة لـ «أخواتنا الحرائر في غزة» وفقا للأدبيات التي استخدمت.
السخونة في منتصف شهر رمضان عادت بكثافة للشارع الأردني، وكل الاحتمالات واردة ما دامت السيناريوهات الدبلوماسية تسقط واحداً تلو الآخر.