غزة : فكرة بديلة للمقاومة ستطول الحرب سنوات وستنتصر “حماس”

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
على خلفية تواصل الحرب المتوحشة على غزة، وتورّط الاحتلال في حرب استنزاف، وتساؤلات عن مصداقية شعار "النصر المطلق”، يحذّر رئيس معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط تامير هايمان، من أن إسرائيل لن تتغلّب على "حماس”، حتى لو طالت الحرب سنوات، طالما بقيت دون خطة لـ "اليوم التالي”، ودون طرح فكرة بديلة للمقاومة على الفلسطينيين.

في مقال نشره موقع "المعهد”، أكد هايمان أن الرهان على الجهد العسكري فقط لا يكفي مهما كان نوعياً، وهو لن يقضي على "حماس” التي ستنمو من جديد وتعبّئ صفوفها بجنود جدد بدلاً من عناصرها الذين يقتلون في القتال.

 هايمان: دون بديل مدني يكون مسؤولاً عن توزيع المعونات تبقى "حماس” الجهة التي تقوم بذلك، وهكذا تحافظ على قوتها

ويضيف: "فقط خطة لـ "اليوم التالي” تشمل حلاً سلطوياً مدنياً في القطاع، مع صفقة لاستعادة المخطوفين، تنجح إسرائيل بالفوز بالنصر المأمول”.

وقد تصاعدَ جدلٌ واسع في إسرائيل حول "اليوم التالي”، بعد المؤتمر الصحفي لوزير الأمن غالانت، الذي حذّرَ، في الأسبوع الماضي، من عودة "حماس” للسلطة، في ظل فقدان قرار إسرائيلي حول "اليوم التالي”.

ويشير هايمان إلى أن التصريح أثار ردود فعل كثيرة معظمها سياسيّ، القليل منها مهنيّ: عجز السلطة الفلسطينية عن العودة للقطاع، وفي الخلفية الزعم أنه لا فرق جوهرياً بين "حماس” و”فتح”. لافتاً إلى أنه دون إضعاف "حماس” لا احتمال أن يكون بديل حقيقي، ولذا لا بدّ من تصفيتها أولاً، وبعد ذلك النقاش حول من يرثها.

لماذا ينبغي الاستعجال؟
على هذا السؤال يجيب هايمان أن المزاعم المؤيدة للانتظار لليوم التالي حتى يصل، تتجاهل طريقة عمل المقاومة الفلسطينية، خاصة في غزة، ولكن في حال تأجيل القرار، كما ترى حكومة نتنياهو منذ ثمانية شهور، سيتم تأمين هزيمة إستراتيجية إسرائيلية، وعدم تحقيق أهداف الحرب، وتخليد حكم "حماس” في القطاع.

ويتابع: في المقابل؛ في النظر للقطاع ما بعد اليوم التالي هناك أهمية لبناء بديل مدني سلطوي لـ "حماس” بموازاة الفعل العسكري، لأربعة أسباب:

أولاً: نقل صلاحيات مدنية لبديل هو كابوس بالنسبة لقائد "حماس” ويشكّل هزيمة لها ولقطر.

ثانياً: عنوان مدني بديل يحرر إسرائيل من المسؤولية عن معالجة الاحتياجات الأساسية لمليوني نسمة. هذا لا يعفي إسرائيل قانونياً، لكنه يخفف عنها من الناحية العملية.

ثالثاً: دون بديل مدني يكون مسؤولاً عن توزيع المعونات تبقى "حماس” الجهة التي تقوم بذلك، وهكذا تحافظ على قوتها ومكانتها وصلاحيتها مقابل الغزيين، وينتج رواية انتصار مطلق على إسرائيل.

رابعاً: "حماس” تقوم على فكرة المقاومة، ومن أجل التغلّب عليها هناك حاجة لتفكيكها بحملة عسكرية، وفي نفس الوقت إضعاف دعم الفكرة المرشدة/ الملهمة لها، من خلال خلق بديل مدني لها يطرح فكرة بديلة ويزعزع قاعدة الدعم الجماهيري لها، التي تشكّل مصدر إنعاشها وتجدّدها.

ويرى أن منظومة "حماس” تقوم على طبقتين: الطبقة العليا الذراع العسكري (30 ألف مقاتل)، والطبقة السفلى مدنية تمنحها درعاً بشرياً واقياً ومصدراً يمدّها بالجنود، خاصة أن الغزيين مجتمعٌ شبابيٌّ (40% دون جيل 18 سنة)، ولذا فإن مقابل كلّ شهيد هناك عدد من الشباب المرشحين للدخول مكانه ضمن صفوف المقاومة.

استبدال عرفات بأبو مازن
ويستحضر هايمان خلاصة شخصية: "خلال الانتفاضة الثانية قتلنا عدداً كبيراً من المخرّبين، لكن طالما كان ياسر عرفات واقفاً على رأس السلطة الفلسطينية، ودَفَعَ نحو فكرة المقاومة، فإن "معين” المخربين لم ينضب، وواصَلَ التدفق وملء الحاوية بوتيرة أسرع من عملية تفريغها من قبل الجيش”.

ويعتقد أن التحوّل حصل عندما مات عرفات، وتم تعيين عباس، الذي طرح فكرة بديلة للمقاومة المسلحة: مقاومة غير عنيفة. ولاحقاً طرحَ فكرة "بناء الأمة وصياغة مؤسساتها”.

وفق مزاعم هايمان، أعطى ذلك الشباب الفلسطينيين فرصةً لممارسة عزّتهم الوطنية، وكفاحهم ضد إسرائيل بمسارات أخرى منافسة للنضال المسلح: تجنّدَ كثيرون لقوات الأمن الفلسطينية، فيما استثمر شباب آخرون في مدينة فلسطينية، فيما يواصل قسم آخر منهم بالاستيلاء على منطقة "ج”.

هايمان: التحوّل حصل عندما مات عرفات، وتم تعيين عباس، الذي طرح فكرة بديلة للمقاومة المسلحة.. مقاومة غير عنيفة. ولاحقاً طرحَ فكرة بناء الأمة

ويضيف: "هكذا، وخلال سنتين تقريباً انقلبت الآية، و”برميل الإرهاب” بدأ يفرغ، خاصة أن وتيرة "جزّ العشب” الإسرائيلي كانت أسرع.. وهذا بالضبط ما ينقصنا في غزة اليوم”.

الاستنتاج الخطير
من هنا يستنتج هايمان أن جيش الاحتلال يستطيع العودة لجباليا وللشجاعية وللزيتون عشرات المرات، ضمن عمليات شجاعة وناجحة، وقتل مئات المخربين كل مرة، بيد أنه دون بديل فكري لـ "المقاومة” سيبقى الإنجاز مؤقتاً، وعندها "ستفاجأ” إسرائيل بالاكتشاف أن "حماس” جدّدت قواتها.

ويضيف: "لو قررت إسرائيل إدخال عنوان مدني بديل على شكل سلطة فلسطينية، بعد إصلاحها بنيوياً، وتحت رعاية ورقابة دول عربية معتدلة، منها دول خليجية، لشهدنا فكرة منافسة لفكرة المقاومة الخاصة بـ "حماس”. لكن للأسف حكومتنا لا تفعل ذلك.. و”حماس” تتجدد، تعوّض خسائرها البشرية. صحيح أن السلطة الفلسطينية ضعيفة، لكن يمكن تعزيزها ضمن عملية تدريجية، وتزامناً مع ضرب فكرة المقاومة”.

الصفقة السياسية
وطبقاً لهايمان، فإنه، في المقابل، ينبغي التنبّه للأمل المطروح على شكل مبادرة خليجية تنسجم مع الرؤية الأمريكية الخاصة بـ "اليوم التالي”، المبنية على تعاون عربي ودولي: عندئذ تحتاج السلطة الفلسطينية إصلاحات جوهرية متنوعة (من مناهج التعليم، إلى استبدال موظفيها وقادتها) تحت رقابة عربية. أما المحفّز للتغيير فيكون رهن أموال الترميم بإنجاز الإصلاحات، وعندها تبدأ السلطة الفلسطينية بتوزيع المعونات على الغزيين، وفرض سيادتها، بدعم دول عربية تموّل، وترسل قوات فرض النظام والقانون، بما في ذلك شركات مدنية، لمحاربة "حماس”، فيما تُواصل إسرائيل العمل ضد قادتها، كما يحصل في الضفة الغربية يومياً. هنا ستكتشف "حماس” فقدانها السيطرة والسيادة على أجزاء من القطاع، ويكتشف الجمهور هناك فرصة عمل بديل في نطاق الترميم.

ماذا مع حكم عسكري؟
عن هذا التساؤل يقول هايمان: محق من يقول إن حكماً عسكرياً هو حل أفضل من عدم اتخاذ قرار، ومن الوضع التالي. هذا سيعني القدرة على العمل ضد الذراع العسكري لـ "حماس”، ويشكّل بديلاً تشغيلياً لاحتياجات السكان. المشكلة أن الحكم العسكري لا ينطوي على بديل فكري، والتجربة تدلل على أنه لا يمكن إنهاء حكم عسكري دون نزاع مسلح إضافي على شكل الانتفاضة الأولى، أو مسيرة سياسية لنقل صلاحيات للسلطة الفلسطينية متجددة، على شاكلة السلطة بعد الانتفاضة الثانية (أبو مازن).

ويرى هايمان أنه بين هذا وذاك هذا الحل يحتاج لوقت طويل وموارد كثيرة، وهذا سيقلّص فعل وقدرات الجيش في جبهات أخرى، وسط تعمّق العزلة الدولية، وهذا علاوة عن الأثمان الداخلية- المدنية، الاقتصادية، والاجتماعية المترتبة على إدارة حكم عسكري في غزة.

هايمان: صفقة كبرى تقود لإطلاق المخطوفين هي صفقة ملحّة حارقة، وتنسجم جيداً مع دفع عنوان مدني بديل لـ"حماس”

تلخيص
ويخلص هايمان، الذي شغل رئاسة الاستخبارات العسكرية سابقاً، للقول إنه لا يوجد وقت، وإن هذا القرار كان على حكومة إسرائيل أن تتخذه قبل ستة شهور، مشدّداً على أن الحديث يدور عن مسيرة نشوء وتطور طويلة ومركبّة جدير أن يبتدئ مبكّراً.

ويشدد أيضاً على أنه دون عملية ضد البنية التحتية الفكرية الحمساوية في المجال المدني، لجانب فعل عسكري ضد قدراتها العسكرية، لن يتم الانتصار على "حماس”، حتى لو طالت الحرب عدة سنوات إضافية.

 ويقول إنه ينبغي الخروج بمبادرة إسرائيلية تستجيب لرؤية دول خليجية راغبة بالمشاركة في المسؤولية عن "اليوم التالي” في غزة، ويجب فعل ذلك حتى بثمن موافقة إسرائيل على تأسيس سلطة فلسطينية محسّنة في غزة.

ويختتم بالقول: "صفقة كبرى تقود لإطلاق المخطوفين هي صفقة ملحّة حارقة، وتنسجم جيداً مع دفع عنوان مدني بديل لـ "حماس”. ينبغي اقتراح صفقة شاملة: "الكل مقابل الكل”، وعلى دفعة واحدة. وقف للقتال في غزة تلتزم به إسرائيل سيسرّع العملية المقترحة في المستوى المدني، وفي المستوى العسكري تنتقل إسرائيل من حربٍ لقتالٍ ضد إرهاب. عمليات متواصلة تسترشد بها بالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة من أجل اعتقال، أو تصفية مخرّبين داخل المنطقة الفلسطينية”.
القدس العربي
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences