الحكومة والنواب بين البقاء والرحيل
الشريط الإخباري :
د. ليث كمال نصراوين
مع اقتراب موعد الاستحقاق الدستوري القادم المتمثل بانتخاب مجلس النواب العشرين في شهر أيلول القادم، تتابع الأوساط السياسية والشعبية مصير الحكومة الحالية الذي يتراوح بين البقاء أو الرحيل وفق أحكام الدستور، وموعد حل مجلس النواب الحالي. فمن خلال استعراض النصوص الدستورية بحلته المعدلة في عام 2022، نجد بأن المادة (74/2) قد ألزمت الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها قبل الأشهر الأربعة الأخيرة التي تسبق انتهاء مدة المجلس أن تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، وأنه لا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها.
إن الأشهر الأربعة الأخيرة من عمر مجلس النواب القائم والتي ستكون خلالها الحكومة في مأمن من الاستقالة عند صدور الأمر الملكي بالحل، ستبدأ مع نهاية يوم الخامس عشر من شهر تموز الحالي؛ فنتائج الانتخاب العام لمجلس النواب التاسع عشر قد جرى نشرها في الجريدة الرسمية بتاريخ 16/11/2020 وذلك لغايات بدء العمر الدستوري للمجلس بواقع أربع سنوات شمسية. وعليه، سيبدأ المجلس النيابي الحالي الأربعة أشهر الأخيرة من عمره خلال اليومين القادمين، حيث تشير الدلالات الدستورية إلى أن المجلس لن يُحل خلال اليومين القادمين، وأن الحكومة لن تكون ملزمة على الاستقالة عند صدور قرار الحل، وأنه من المتوقع أن تجرى الانتخابات القادمة في عهدها، وذلك تحت إشراف وإدارة الهيئة المستقلة للانتخاب.
وما يعزز من الرأي الدستوري أن الحكومة الحالية باقية وأنه لن يتم حل مجلس النواب الحالي قبل الأشهر الأربعة الأخيرة من عمره، أن جلالة الملك موجود خارج البلاد، وأن الإرادة الملكية السامية بتعيين نائب له خلال فترة غيابه عن أرض الوطن والصادرة بتاريخ 20/6/2024 قد نصت صراحة على أن "يمارس النائب جميع الحقوق المتعلقة بالعرش باستثناء إجراء أي تعديلات في الدستور وممارسة صلاحيات الملك المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة (33) والمادة (35) من الدستور".
إن المشرع الدستوري قد أناط بجلالة الملك الحق الدستوري بقبول استقالة الحكومة والوزراء فيها وذلك في المادة (35) من الدستور التي تنص على أن "الملك يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء". وحيث إن نائب الملك الحالي يُحظر عليه ممارسة الصلاحيات الملكية الواردة في المادة (35) من الدستور وذلك بصريح الإرادة الملكية السامية الصادرة بتعيينه، فإن الحكومة الحالية ستبقى قائمة نظرا لغياب صاحب الحق الدستوري في قبول استقالتها في حال صدور الأمر الملكي عن نائب الملك بحل مجلس النواب.
أما فيما يتعلق بمجلس النواب الحالي، فإنه من المتوقع أن يرتبط موعد حله بانتهاء المرحلة الأولى من مراحل العملية الانتخابية والمتمثلة بإعداد جداول الناخبين، وقبل بدء المرحلة الثانية التي تشمل تقديم طلبات الترشح كقوائم على الدوائر الانتخابية المحلية وأخرى حزبية على الدائرة الانتخابية العامة، حيث ستبدأ بعدها مباشرة فترة الدعاية الانتخابية، والتي ستمتد حتى أربعة وعشرين ساعة من موعد الاقتراع.
إن حل مجلس النواب قبل بدء الحملات الانتخابية هو استحقاق دستوري ثابت يهدف لضمان الحيادية وتكافؤ الفرص بين المترشحين، ومرتبط بوجود عُرف دستوري قائم يقضي بوجوب حل المجالس النيابية لغايات إجراء الانتخابات. كما يهدف حل مجلس النواب بعد انتهاء مرحلة الجداول الانتخابية وقبل بدء الدعاية الانتخابية إلى تكريس مبدأ المساواة الذي قررته المادة (6/1) من الدستور، والتي تنص صراحة على أن الأردنيين أمام القانون سواء ﻻ تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العِرق أو اللغة أو الدين.
إن تحقيق المساواة بين المترشحين أمام قانون الانتخاب يفترض بالضرورة أن يكون جميع الراغبين في خوض الانتخابات النيابية القادمة في مركز قانوني واحد؛ مترشحون ضمن قوائم محلية وحزبية، بحيث لا يُقبل أن يكون هناك مترشحون أعضاء في مجلس النواب الحالي، وآخرون ليس لديهم هذه الصفة الدستورية.
إن النواب الحاليين لا يزالون متمتعين بمكتسبات دستورية من شأنها أن تضعهم في مراكز انتخابية أفضل من المتنافسين معهم. فمجلس النواب الحالي وإن كان في فترة عدم انعقاد، إلا أن ذلك لا يحول دون قيام أي نائب حالي بالرقابة على الحكومة والوزراء فيها وذلك من خلال توجيه الأسئلة والاستجوابات لهم. فهذه الوسائل الرقابية، وإن كان من المتعذر مناقشتها في اجتماعات المجلس تحت القبة، إلا أنها ستعطي النائب المترشح أفضلية سياسية وشعبية له، وقوة غير متكافئة في حملته الانتخابية بالمقارنة مع باقي المترشحين المنافسين له.
إن ما يزيد من أهمية حل مجلس النواب قبل بدء مرحلة الترشح، أن التقارير الصحفية تشير إلى أن الأغلبية العظمى من النواب الحاليين قد أعلنوا رغبتهم في خوض الانتخابات النيابية القادمة والعودة إلى السلطة التشريعية من خلال مجلس النواب العشرين، وهذا ما يؤكد الحاجة إلى ضرورة تحقيق العدالة والمساواة بين المترشحين في الانتخابات المقبلة.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة