لا بدّ من بيروت وإن طال الاحتجاج
الشريط الإخباري :
د. مهند مبيضين - ظلّت بيروت منذ فقد الرئيس رفيق الحريري تبحث عن سيّدها المفقود، القتل الشنيع رمى آنذاك برجال للمشهد حاولوا إمساك تفاحة الخلود، وزاد الفقد اليوم أيضاً حين غاب صاحب الغبطة والحكمة نصر الله صفير هذا العام فانفتح المشهد على اللاعقل، لكن أحدهم اخطأ الدِلالة وأرشد تفاحة الخلود إلى إحدى الجنان المجاورة لها، فسرقها نحو جنة أخرى موعودة، في تقاربه وتماهيه من ومع الجنوب إلى حد الجنون، وفيما بيروت التي كانت جنة التقدمية والحرية والاشتراكية التي تطل من قمة ذلك الجبل العجوز البارد دوماً في الشمال، إلا أنها تحتاج لمضاء الوقت كي تلملم جراحاتها ثم تعود وتستعيد اليوم عامية طانيوس شاهين المُكاري زعيم ثورة الفلاحين في كسروان بين عامي 1858-1860 التي قامت ضد الاقطاع وعامل السخرة وسوء الاحوال الاقتصادية.
صيدا والنبطية معقل شعراء الجنوب، والرائد مهدي عامل صاحب النظرة النقدية العالية للبرجوازية السياسية، فهي أمكنة تمضي دوما لتوقع بالصمود قصتها الخاصة، في وقت كانت بعض المساحات كانت عالقة في طفولات تشبه الكوابيس، وأخرى تمضي نحو السقوط السريع.
ولاشيء يشبه بيروت ولبنان كما كان نزار يلهج شعراً، ولا يمكن لمدينة أن تحل محل بيروت في جنونها، كأنها الساحة الأخيرة في وطن اعتاد أن لا يصمت.
بيروت صيدا طرابلس، مدن مكتملة لا تحتاج بعد اليوم إلى قصة تؤرخها، وميادين مفتوحة ضد الفساد والغش وأمراء الحرب، فهي مدن كتبت لنفسها مقامات العشق والحرب معاً، بيروت ...صيدا وصور وغيرها، مساحات في اتجاهات مختلفة، ولكل واحدة قصتها، وللجبل سيد واحد ولطرابلس والساحل رجل أوحد هو البحر، لكنه لا يرهب أحدا، مهما أتى منه من رياح غدر او نار قصف او حتى مجرد عابر راغب في ان يكتب شيئا فيهما غير الحب والوجد.
بيروت وصيدا وبعلبك، مجتمع يخالف في لحظته الوطنية كل التحالفات وضروب الحرب، مدن فيها اكتمال ونضوج رغم ما يسودهما أحيانا من غنج ولطافة زائدة، لكن ما تخضع له الحقائق المجتمعية دائما يدلّك على أن طول أن الهدوء ليس من سُنن هذه المدن، فلكل مدينة شعارها المنتشي بالحب والحرية والوطنية والعشق لتراب الوطن من ناسها.
وأنها عقدة الوطن، لبنان الكبير، رغم انف الغزاة والفاعلين الإقليميين، بيروت عاصفة من الأنوثة والانفلات خارج أسراب المتوقع دوماً، تسخر من رجال الحكم اليوم على طريقتها، تطلق العنان للصوت الشباب، وكان هؤلاء الساسة لا يعلمون أن مقدمات ما يحدث اليوم قامت قبل سنوات عبر احتجاج النفايات.
الشباب المحتج اليوم جُلّه من خارج زمن الحرب الأهلية، وفيه من ذلك الزمن، لكنه الجيل الساخط على رهن البلد لقوى الإقليم، وجيل ينتظر كل صباح أن يكون الغد أفضل، جيل اباح لنفسه النقد السياسي خارج سقوف المألوف في شعارات ونداءات الربيع العربي، فكان التجمهر نتاجا آخر لا يخضع ولا يدور في الرأس كلمات منمّقة وشعارات، بل يقذف بشرر الكلام كل ما هو سلطة وتمثيل طائفي أثبت أنه جزء من حطام الاقتصاد في وطن ابقى رجال حربه على الطائفة أكثر من الدولة لاجل مصالحهم.