زيت الناخبين ودقيق المرشحين
قالت جداتنا ومن بعدهن جدودنا «زيتنا على دقيقنا» في لهجات عربية عديدة كناية عن تكاملية المكونات والقدرات والمذاقات. لعله الدرس الأول في السياسة والاقتصاد لا بل وما هو أهم، ألا وهو ذلك المَعين الروحي الذي لا ينضب في هذا المشرق العظيم. من لنا أبرك من حكمة الأجداد، سلفنا الصالح الذي لولا إنجازاته لما كنا ولما كان شيء نحتفي به في أيامنا هذه رغم هذا الزحام في الآلام.
بعيدا عن اللطمية السياسية وأولها عادة عبثية وآخرها قطعا عدمية، بعيدا عن كل ذلك، هنيئا للأردنيين في الوطن والمهجر هذا الإنجاز لهذا الاستحقاق الدستوري المجلس النيابي العشرين لحجر آخر يرفع في بناء المئوية الثانية من عمر أردننا التليد المجيد العتيد. تحقق المراد على طريق تسديد الهدف في برلمان يُراكِم الإنجازات ويتجاوز إخفاقا هنا وفشلا هناك، معا «زيتنا على دقيقنا» ناخبين ومرشحين لخبز «طرحات وشيلات» من الأرغفة أمام طابور طويل ينتظرنا جميعا من التشريعات والرقابيات التي تسدد الرمي كفريق واحد لصالح الوطن، وفي مرمى منافسيه وخصومه وأعدائه.
زيتنا بكر عصر بارد زيتونه لا شرقيا ولا غربيا، هكذا أكرمنا الله في هذه الأراضي المقدسة قبل ألفيتين وأكثر، قبل عشرات القرون والعقود وبضع سنين. ليس حالنا بأحسن من حال أنبياء جدودنا، فقد عرفنا خير السبع السمان، وخبرنا كيف نعدّ العدة خلال السنوات السبع العجاف، يوسفنا ما مات.. وربّ رسلنا وأنبيائنا حيّ قيّوم، به نستعين وله وحده ندين ونسلم تسليما. أما ما هو دون ذلك أو غير ذلك، فلا قداسة، ولا أكثر من المحبة والاحترام للجميع، بمن فيهم من نختلف معهم إلى حد الانقسام بين معسكرين، لا مجرد أحزاب ونقابات واتحادات وجماعات. المعيار الذي يطعم الناس خبزا ويشد ظهرهم ويحفظ ماء وجههم هو ما يمكث في الأرض وينفع الناس. المعيار هو الطحين «دقيق المرشحين» الذين صاروا الآن نوابا وإنّا معهم لمنتظرون وعودا قطعوها على أنفسهم خلال الحملات الانتخابية وربما ما قبلها لعقود، إن كانوا من صفوف الأحزاب القديمة نسبيا -المعروفة لدينا جميعا- نريد دقيقا، فالظرف في غاية الدقة.
ولا نكيل بعون الله إلا بمكيال واحد، فزيتنا نحن أيضا كناخبين لا ينبغي إلا أن يكون كما أحسنا الظن في أنفسنا زيتا بكرا عصر بارد ونخبا أول. أردني «قح» أردني أصلي لآلاف السنين، إلى ما قبل المدن العشرة «ديكابوليس»، أردني بما يسبق سايكس-بيكو، أردني الثورة العربية الكبرى، أردني الهواشم، أردني الأنباط. هذا الزيت لا غش فيه، هذا الزيت الذي تحدث عنه رئيس وزرائنا الشهيد طيب الذكر وصفى التل طيب الله ثراه وكتب مقامه في عليين. «ما دام السراج فيه زيت، خلوه ضاوي»..