مقامرة نتنياهو

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

«العالم مر باضطرابات، ولا أذكر وقتاً أخطر مما نمر به الآن.» عبد الله الثاني ابن الحسين

وفقاً لاستطلاع أجرته جامعة بار إيلان بالتعاون مع شركة iPanel، تبين أن أقل من 4% من الإسرائيليين يصدقون نتن ياهو. فقد فقَدَ الصهاينة ثقتهم به في إدارته للحرب على غزة والخسائر البشرية والعسكرية والاهداف المعلنة، حتى بين مؤيديه من اليمين المتطرف. كما أظهرت الاستطلاعات تراجعاً كبيراً في شعبيته، وسط دعوات متزايدة لاستقالته بسبب إخفاقه في حرب الإبادة على غزة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني نتن ياهو من انقسامات داخل حكومته، فيما تتواصل المظاهرات الحاشدة في الشوارع، مطالبةً بإبرام صفقة لإطلاق سراح المحتجزين لدى حماس.

«افعل شيئاً، وافعل شيئاً كبيراً»، فكانت الحرب في الشمال مع حزب الله وسيلة لإعادة الالتفاف حوله، وتشتت الانتباه، وتطيل عمر حكومته. كل ذلك خشية من نهاية مستقبله السياسي وتعرضه للسجن بسبب قضايا الفساد، ووصول عمران خان، مدعي محكمة الجنايات، إليه.

وبعد جريمة تفجيرات «البيجر» والاغتيالات، ونجاح الولايات المتحدة في تحييد إيران، وجد أنها فرصة لا تتكرر لمحاولة إضعاف حزب الله ودفعه باتجاه نهر الليطاني، وإجباره على فك ارتباطه بحماس وإسنادها.

ثم نظر إلى الولايات المتحدة، فوجد إدارة وضعت عشرات الخطوط الحمراء التي تجاوزها دون أن تؤثر على إمداده بالسلاح. فبعد أشهر من بدء المجزرة، طلب بايدن إيقاف الحرب، لكن نتنياهو لم يعره اهتماماً، ومع ذلك استمر في تلقي الدعم العسكري. ثم غضب بايدن منه ولم يكلمه لأسابيع، ولكن ذلك لم يؤثر على إمدادات السلاح، بل ارتفعت. وانتقده بايدن في السر والعلن، لكنه لم يجرؤ على قطع المعونات. حذره من استهداف المستشفيات ومدينة رفح، ومن إلقاء القنابل العشوائية، إلا أن نتنياهو لم يستجب. كما تلاعب به في مفاوضات وقف إطلاق النار وأفشلها، ولم تقم الإدارة الأمريكية بأي رد فعل حقيقي سوى التوسل بعدم خوض حرب مع حزب الله.

واستمع إلى مناظرات المرشحين هاريس وترامب، فوجد أنهما يتنافسان على من سيكون الأكثر ولاءً ودعماً للكيان في حال نجاحه. كما شاهد على قنوات الأخبار قوات الأمن الأمريكية وهي تقمع الاحتجاجات الطلابية، ويكمم الإعلام الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية. واستُقبِل في الكونغرس استقبال الفاتحين.

فخلص إلى قناعة، وهي صحيحة، أن الولايات المتحدة في نهاية المطاف ستدعمه في حربه على لبنان، حتى إن أخفق فيها. بل وتمنى أن تشارك إيران، لأنه في هذه الحالة ستقف أمريكا مباشرة في وجهها.

ثم نظر إلى يساره واطمأن، فقد وجد العرب الذين لم يتخذوا موقفاً حازماً تجاه غزة، بل إن بعضهم يعتبر حربه مع حزب الله حربهم أيضاً، وإضعاف حزب الله هدفهم. ولن يتحركوا قيد أنملة لنصرة لبنان.

يعرف أن طيرانه لن يتمكن من حسم المعركة، ومع كل تصعيد يقوم به، يقابله الحزب بتصعيد مماثل. ويخشى من خوض حرب برية ستكبده خسائر فادحة. ويرغب أن يبادر حزب الله بالهجوم البري، لكنه يعلم أن الحزب لن يفعل ذلك.

أشعل حرباً بلا أهداف استراتيجية واضحة، بدأها لكنه بالتأكيد لا يعرف كيف سيوقفها أو إلى أين ستمتد هذه الحرب.

أخطأت إدارة بايدن في التعامل مع ملف غزة، فلو مارست الضغط الكافي على نتنياهو لكانت حكومته قد سقطت، وربما انتهى الأمر به في السجن، ولجاءت حكومة أقل تطرفاً تتفاوض على حل الدولتين. وبالمثل، أخطأت الدول العربية بعدم كبح جماح نتنياهو منذ اليوم الأول، إذ إن الحرب الإقليمية قد بدأت، ولن تسلم أي دولة من تبعاتها.

دخل نتنياهو في مقامرة يعتقد أنه منذ هذه اللحظة لا أحد يستطيع السيطرة على مجريات هذه الحرب، وأنها ستتحول إلى حرب استنزاف طويلة. وتأكد، عزيزي القارئ، أنها ليست سوى بداية لحروب إسرائيل الكبرى.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences