قد يكون وهما- قصص- حنان باشا (ولدت من جديد)
سليم النجّار
هل السخرية القصصية مجرّد تنفيس عن القهر الاجتماعي تحفظ الوضع القائم أم آلية من آليات المقاومة الاجتماعية.
تبدو القاصّة حنان باشا في مجموعتها القصصية (قد يكون وهماً) الصادرة عن وزارة الثقافة - ٢٠٠٣، أميَل للخيار الأول: تنفيس عن المكبوت ووسيلة لتوازن النفس في مجتمع جثمت عليه قوى القهر الاجتماعي، ولهذا الرأي أكثر من حجّة:
حجّة تاريخ العرب العام: الذي يقول إنّ النكتة أو الفكاهة أو السخرية كانت وسيلة للتعبير عن مقاومة القهر.
حجّة الواقع: سخريات حنان باشا في قصصها التي أخذت شكلا من المعاناة تجلّت بالسخرية المريرة، فقصصها تشي أنّ البديل الشعبي ما يزال يبحث عن آفاقه حتّى اليوم، في قصّتها "لحظة انشطار"، (ما أكثر الدخلاء في حياتنا، مَن سمح لكِ باختراق مرآتي، تعيثين فساداً في غرفتي ص٣١).
لعلّ مع الفكرة القائلة إنّه في لحظات المخاض للسرد أو التغيير الاجتماعي تقلّ السخرية القصصية. لأنّ الفعل يكون هو الغالب وذلك في شكل احتجاجات للأفكار وعنف في التعبير ثمّ يأتي التغيير، وشيئاً فشيئاً يكتشف زيف التقليد والرتابة في القصّ لتبدأ السخرية تعلو من جديد وهذا ما نقرأه في قصّة "عليك أنْ تموت أولاً كي تبعث حيّاً!"، (المرأة التي أطلت من المرآة وانحنت خارجة بكلً قواها تصرخ لاهثة: "حمقاء كفاكِ تهوُّراً ستقتلينا، لا أرغب بالموت الآن ص٣١).
وعلى هذا، يمكن أنْ تكون السخرية الاجتماعية، إذا ما تمّ توظيفها في إطار بديل تساؤلي متماسك، عاملاً من عوامل إسقاط النظام الاجتماعي الفاسد حسب رؤية القاصّة حنان باشا لأنّها تعمل بشكل خفي ومتدرّج لتعبئ الناس ضدّ القهر وتنزع عنهم الخوف، فمن الصعب أنْ تخاف من شخص وقيمة اجتماعية وأنت تسخر أو تضحك منه، كما سردت باشا في قصّتها "وثاق من مسد"، (ما أصعب أنْ يكون الحوار مع الجدار، عن أي شيء قد يُسفِر؟! ص٧٣).
وتشبه الأساليب القصصية الساخرة التي تعنى وجها من وجوه مقاومة العنف ضدّ القهر الاجتماعي. أساليب رياضية (الجي جبتسو)، وهي أحد الفنون القتالية في شرق آسيا كالكاراتيه والكونغ فو. في هذا الفن القتالي يمتلك المهاجم قوّة أكبر من المدافع، ولكن القوّة تستخدم وغالباً ضدّه، فعندما تقابل السلطة الاجتماعية السخرية غير العنيفة بالعنف، تظهر ديناميكية من نوع ما يصبح معها من الصعب تبرير استخدام العنف ضدّ مقاوم أعزل ليس لديه سوى قلمه أو مدوّنته الإلكترونية أو قصصه، وهذه الصورة القصصية تجلّت في قصّة "لا تدعه يحتضر"، (كلّنا نكذب، من قال بأنّ أحداً لا يفعل؟ لكنّ الكذب له ألوان وأطوال ص١٠٩-١١٠).
من يتوقّع أنّ الأصنام ستعود بقوّة وبعد زمن طويل؟ ستعود في صور شتّى، لا هيئة حجارة صمّاء لم يخطر على بال أحد أنّ السخرية من الموت كما سردت حنان في قصّتها "أوراق ثبوتية"، (لكأنّه ينبض بالأحياء الأموات فالجميع تعلوهم صفرة وكشرة، لا ابتسامات، ولا أصوات خافتة، حوارات مبتورة، وكلمات شكوى وتذمر ص٣٩).
الصورة للكاريكاتير القصصية تعكس الثنائيات المتعارضة. وفيها يتمّ اختزال كلّ العلاقات المعقّدة داخل نظام العلامات في تفسير واحد هو متّصل بين قيمتين أو شيئين متعارضين كما نقرأ في قصّة "صمت العنادل"، (تضع يدها على صدرها، ترجوه أن يهدأ قليلاً، أنْ يصير يخنقه ألم مضطرب متنقِّل، تحشره أنفاس خائفة مرتبكة قلقة يشهق الحليب فيه ص٩).
ويمكن القول إنّ هناك ارتباط بين المشهد القصصي وسياقه في قصص حنان باشا، مشهد الواقع الغاضب والسياق القصصي الذي ينتمي إليه. لذلك كان هناك أكثر من وهم للمجموعة القصصية للقاصّة حنان باشا (قد يكون وهما).