من يحدد لنا دولة إسرائيل على الخريطة؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

ما هي حدود دولة إسرائيل وأين توجد؟ سؤال ليس صعباً، لكنه محير. لإسرائيل حدود سياسية تعترف بها الأمم المتحدة بقرار تاريخي أسس دولة إسرائيل. داخل هذه الحدود، “الخط الأخضر”، تم بناء الملجأ الوطني، الملجأ لكل يهود العالم، الذين لا يشعرون بالأمان في أماكن إقامتهم، والذي كان سيتشكل فيه المجتمع والهوية والثقافة الإسرائيلية على أسس قيمية عالمية متميزة.
تم محو هذه الحدود القومية. خارطة أرض إسرائيل التي كانت تعلق على الجدران في المدارس الأساسية قبل بضعة عقود، تشبه الآن خرائط الهاوين لجمع الصور، التي تصف العالم القديم. الخرائط التي ما زالت ترسم الحدود بين النهرين ومملكتي عيلام وآشور. قبل بضع سنوات، في درس عن النزاع الإسرائيلي – العربي، سألت عن الخط الأخضر، وطلبت من الطلاب مكان مروره على الخارطة. كان في الحصة 40 طالباً، شباب في العشرينيات، كثيرون منهم خدموا في الجيش، وبعضهم خدموا في الاحتياط قرب الحدود، لكن طالبة واحدة فقط عرفت الجواب الصحيح. “من أين تعرفين ذلك”، سألت. أجابت: “أعيش في مستوطنة، وأعرف الذين نحارب ضدهم”. أصدقاؤها لم يعرفوا عن أي نضال تتحدث، وهم محقون في ذلك.
إسرائيل دولة بدون حدود، وتتوسع بمرونة جغرافية آخذة في الاتساع. الآن، أصبحت غزة جزءاً لا يتجزأ من الدولة، وسيأخذ “جبل الشيخ السوري” اسماً مناسباً في القريب، وربما نحظى بقاطع صغير في الشمال، في المنطقة التي ما زالت تسمى جنوب لبنان. لم تعد الطالبة الآن بحاجة إلى النضال من أجل حدودها. قبل سنوات، إذا كان يخيل بوجود دولتين يهوديتين بين النهر والبحر، دولة يهودية داخل الخط الأخضر وإلى جانبها دولة المستوطنات التي تستجدي الاعتراف بها وتعمل على “استيطان القلوب”، فالأمور من الآن فصاعدا قد انقلبت. أصبحت الآن دولة “الخط الأخضر” هي التي تناضل على بقاء هويتها.
هذا نضال بائس لقلة أمام كثرة، وفرصته ضئيلة، لأن الأقلية – التي تؤمن بالليبرالية وبتفوق قيمها، وتخشى من الانقلاب النظامي وإقالة المستشارة القانونية للحكومة والقوة عديمة الكوابح لوزير الأمن الداخلي ومسيحانيي الكذب وعصابات الشر التي تسيطر على الدولة – انضمت في معظمها للاحتفال بالحدود الجديدة، التي ستملي قيمها. لم يعد هذا الجمهور يميز التناقض بين النضال على صورة الديمقراطية وبين الوطنية والإخلاص لدولة لا حدود لها، وقتلت نحو 45 ألف شخص في غزة.
هذه الأقلية، التي ترفع راية مقاومة الاستيطان في غزة بتفاخر، لا تلاحظ أنها تبنت الآن قيم الاستيطان، وسلمت بالوضع الذي يجري في ساحتها الخلفية احتلال وحشي في الضفة، احتلال يهدف إلى ضم الدولة الأم إلى دولة المستوطنين وإقامة دولة واحدة لشعب واحد. يجب التذكير بأن رؤساء الاحتجاج على الانقلاب النظامي صمموا على إبعاد حفنة المتظاهرين من “ساحتهم”، الذين وضعوا طاولة وعلقوا لافتة ضد الاحتلال. إذ ما هي الصلة بين الاحتلال والديمقراطية في نهاية المطاف؟
لا خلاف على أن الدولة بحاجة إلى حدود آمنة، تسمح لمواطنيها بالعيش بهدوء ودون التشكيك في وجودها. ولكن عندما تكون الحدود الجديدة بمجرد وجودها هي التي ستخلق الهوية الوطنية وتشكل قيم مواطنيها بناء عليها، حيث تملي قواعد السلوك الأخلاقية وتلفظ من لا يقدسها ويقسم بالإخلاص لها إلى الأبد، وعندما يحولون جبل الشيخ السوري وجنوب لبنان وغزة إلى الروح المشكلة وأساس الأيديولوجيا التي لن تقوم لشعب إسرائيل قيامة بدونها، حينئذ لم يعد من المهم معرفة أي نظام سيقوم في إسرائيل. الحدود هي التي ستنتصر.
تسفي برئيل
هآرتس 18/12/2024

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences