الجوكر
الشريط الإخباري :
إسماعيل الشريف - الدموع الصامتة تحمل أعلى درجات الألم – من فيلم الجوكر
أطلقوا عليه فيلم القرن، وحقق أعلى الإيرادات لفئة أفلام الكبار بإيرادات قد تصل إلى المليار دولار.
يعرض الفيلم الوجه الآخر للشر، ويمنحه بطولة مطلقة، فالمهرج هو المجرم الشرير عدو الرجل الوطواط، ويحكي الفيلم كيف تحوّل من مواطن عادي إلى رأس الإجرام في مدينته.
بطلنا مهرّج فاشل فقير، معزول ومضطهد، يرسم على وجهه قناعًا هزليًا في محاولة منه للتواصل مع المجتمع والقيام بدوره في الحياة، وهو باعتقاده إسعاد الآخرين، يواجه بمجتمع قاسٍ عنيف ونظام استغلالي فاسد، يزدرون أمثال هذا الشخص ويحتقرونه، ويهملون احتياجاته ومرضه النفسي، يضطر للدفاع عن نفسه بارتكاب جريمة، فيستعذب القتل ويفاجأ باحترام الناس، ليصبح أيقونة الفوضى والتمرّد على النظام في نهاية الفيلم.
شاهدت الفيلم مرتين، الثانية مع عائلتي، وفي النهاية عندما عرض التتر كفكفت زوجتي دموعها فتلطخ وجهها بالكحل، وسألتني: كيف يمكنك أن تشاهد هذه الكآبة مرتين؟ أما المرة الأولى التي شاهدت فيها الفيلم في أحد العواصم العربية حيث الناس معروفون بخفة الدم، فقد كان لهم رأي آخر، فالضحكة القهرية التي يعاني منها الجوكر بسبب اضطراب نفسي، وتخرج من أحشائه كالقيء، كلما رنّ صوت هذه الضحكة ضجت الصالة بأصوات القهقهة طوال هذا الفيلم الأسود.
سألتُ رفيقي وقتها، كيف يمكنكم أن تضحكوا على هذا البؤس؟ نظر إلي باستغراب وأجاب: إذا أشفقت على هذا المهرج، فحياته يتمناها غالبية أبناء شعبي، وغاية أملهم أن ينعموا بحظه السعيد.
لعلهم قهقهوا على حالهم، فأحداث الفيلم يعيشونها كل لحظة!
فكرت قليلا وأنا أشاهد ما يجري من حولنا، فعلا فالمهرج عاش حياة يتمناها معظم شباب العرب، لننظر إلى بعض الأحداث المفصلية التي شكلت المهرج وساهمت في جنونه، فهو يعيش في شقة متواضعة لا تختلف عن شقق بقايا الطبقة المتوسطة في معظم بلاد الوطن العربي، وقد عاش فيها آمناً من الغزو أو التهجير، ومصعد شقته المتهالك يوفر عليه عناء الصعود أدوارًا عالية على الأقدام، وعمله السخيف يؤمن له حاجاته الأساسية ولا يضطره إلى الوقوع في مصيدة الاقتراض أو الانضمام إلى صفوف شباب العرب العاطلين عن العمل، وهو ليس مضطرا للاختيار بين الجوع والبرد والعتمة وقطع الماء، ووجود مسؤول واحد فاسد في الفيلم بحاجة للفوز في الانتخابات، لا يقارن بمنظومات سياسية ديكتاتورية فاسدة، ووالدته حين مرضت ذهبت إلى مشفى، فيما يموت المرضى وهم يطرقون الأبواب، ووجهه الحزين وهو يركب القطار عائدًا من عمله هو قمة السعادة لمن رُمي من قطار لأنه لايملك ثمن التذكرة، والمتظاهرون في الفيلم لم يفتح عليهم جيشهم الرصاص الحي، والقائمة لا تنتهي.
في نهاية الفيلم قاد الجوكر المظاهرات ضد حصاد الرأسماية المر، من فساد المسؤولين والتباين الطبقي والتهميش والقسوة والظلم الذي يعيشه عموم أبناء مدينته، وهي نهاية مشابهة لما يحدث الآن في العالم العربي في الموجة الثالثة من الربيع العربي، وهي موجة لن تقف عند هذا الحد.
كان أولى بمخرج الفيلم ومنتجه، بدلًا من تكبد ميزانية الفيلم واختلاق القصة والسيناريو والحوار، لو توجها إلى بعض عواصمنا العربية وتركا آلة التصوير تسجل الواقع بينما يحكي الناس حكاياتهم في فيلم وثائقي عن حالة الشعوب العربية.
حسب رأي صديقي، المهرج «خَرِع» و»دلّوع»، فحياته أفضل من حياة ملايين من الشعوب العربية المضهدة.
هو فيلم أنصح كل مسؤول بحضوره قبل أن يخرج الجواكر ونصبح جميعًا أضحوكة سوداء.