هل كان في الصحابة منافقون!؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

محمد مرقة

بادئ ذي بدء، فإن أول ما يُقال في جواب هذا السؤال: أنه خطأ أصلًا، وهو من قبيل سؤالك: كم ساعة تستطيع أن تطير البطاريق؟و: كم يلزمنا من الوقت للعودة للماضي؟. وذلك لأن قولك: صحابة، لا يمكن جمعه مع أنهم منافقون. فإما أن يكون الشخص الذي عاش في المدينة زمن النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، وإما أن يكون منافقًا. وتعريف الصحابي كما هو معلوم: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا ومات على ذلك .

وهذا السؤال يُثار بقصد وبدون قصد، للتشكيك في ثبوت نسبة الأحاديث النبوية إلى قائلها صلى الله عليه وسلم، ويُتخذ مطيّة لرد كثيرمنها أو ردّها كلّها جملةً، وما يزيد الأمر فداحة، أنه يُوصل آخر الأمر لرد القرآن نفسه.

 

والجواب عليه – على اعتباره جدلًا سؤالًا منطقيًا- من وجوه:

 

أولها: أن الصحابة هم الكثرة الكاثرة، وأن المنافقين أقلية.

 

ثانيًا: أن المنافقين لم يكونوا كما يتصوّر البعض مجهولي الهوية، منخرطين في سلك المجتمع انخراطًا كاملًا يجعل مسألة تمييزهم أمرًا مستحيلًا. وقد كان القرآن يتنزّل بعلاماتهم وخصائصهم، إضافة إلى معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بأعيانهم واحدًا واحدًا، وبالتالي علم الصحابة بأعيانهم كذلك، كعلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم واحدًا واحدًا، وقد روي عنه أنه قال:"ما بقي من المنافقين إلا أربعة". إضافة إلى أن كل الصحابة كانوا يعرفونهم بأعيانهم عن طريق الوحي كما تقدّم، أوعن طريق أفعالهم المكشوفة، كقول كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلّفه عن غزوة تبوك دون عذر ثم توبته بعد ذلك، وقبول الله تعالى توبته وتوبة مرارة بن الربيع وهلال بن أمية رضي الله عنهم:"فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطُفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه النفاق، أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء".

 

ثالثًا: أن الأحاديث النبوية منقولة بالسند المتصل إلى رجال صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم صحبة معروفة، من جهاد وصلاة وصيام وبر وصدقة...الخ، ولم يُتهم واحد منهم بنفاق ولم يُجرب عليه كذب، مع كل الأمورالكاشفة للمنافقين السالف ذكرها.

 

رابعًا: أن الصحابة عمومًا، إما مُعذّب مبتلى في ابتداء أمر الإسلام، أو مشارك في بناء الدولة في المدينة مُحتمل في سبيل ذلك الأمرين من بذل الجهد والمال والنفس، وإما مشارك في الفتوحات الإسلامية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مُقارع لأكبر امبراطوريتين في ذلك الزمان، فارس والروم، وإما عابد قانت راكع ساجد، وإما رجل صالح خُتم له بخير، ومعلوم قطعًا أن المنافق ليس له مصلحة في تحمل كل هذا.

 

خامسأ: وهي نقطة مهمة جدًا تتفرع عن التي قبلها، أن الردة التي حصلت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت خير دليل على خلو الصحابة من أي منافق، فكما هو معلوم، فقد أطبق العرب على الردة، إلّا قلة قليلة في المدينة ومكة والطائف وغيرها من المناطق، ولم يرتد رجلٌ واحد ولا امرأة واحدة ممن صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كان في ارتدادهم و التحاقهم بالمرتدين أكبرالمصلحة وهم الأكثر عددًا وعدة، بدل تعريض أنفسهم وذويهم لخطر الاستئصال والفناء عن آخرهم. لكنهم على العكس، خرجوا يحاربون المرتدين في جيوش أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويتحملون في ذلك أشد الصعاب، وخبرمعركة اليمامة خير مثل على ذلك.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences