لاءات الملك نتاج إرث دولي عميق… واجتهادات شخصيات نافذة تخلق فجوات بين سياسة عميقة وشعب داعم

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

د. عادل محمد الوهادنة

في موقف يحمل دلالات واضحة، صرّح رئيس مجلس الأعيان بأن "الأردن ليس في حالة قلق"، وهو تصريح يعكس إدراكًا عميقًا بأن الدولة تمتلك من الأدوات والإجراءات ما يخفف من أي أضرار محتملة، وأن هناك بدائل محسوبة لمواجهة التحديات، بعيدًا عن ردود الفعل العاطفية أو الطروحات غير المدروسة.

لكن في المقابل، برزت اجتهادات من شخصيات سياسية أخرى قد تكون بحسن نية، إلا أن طريقة الطرح خلقت فجوة بين السياسة الخارجية العميقة التي تقودها الدولة، والرسالة التي تصل إلى الشارع الأردني. فعندما يُقال إن "حتمية التهجير ليست واردة"، فهذا موقف إيجابي، لكنه جاء مقرونًا برسالة تدعو الأردنيين إلى تجنب الاقتراض أو البحث عن وظائف، دون الإشارة إلى أن أولوية المرحلة تتركز على توظيف الموارد الخارجية لصالح الأردنيين، وهي سياسة واضحة المعالم تعتمدها الدولة لتعزيز فرص العمل والاستقرار الاقتصادي.

بين ثبات السياسة وتحديات الواقع

السياسة الخارجية الأردنية لم تكن يومًا وليدة اللحظة، بل هي نتاج عقود من العمل الدبلوماسي القائم على تحقيق أكبر قدر ممكن من الفوائد وأقل قدر ممكن من الأضرار. ورغم التغيرات الجيوسياسية، ظل الأردن صامدًا أمام أزمات كبرى، بفضل قدرة قيادته على إعادة ترتيب الأولويات واتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة.

ومن أبرز التحديات التي واجهها الأردن عبر العقود الماضية:

1. الأزمة المالية والديون الخارجية: بلغ حجم الدين العام الأردني 41.5 مليار دولار حتى عام 2023، ما يمثل حوالي 88% من الناتج المحلي الإجمالي. وتشكل خدمة الدين عبئًا كبيرًا، حيث يذهب جزء كبير من الموازنة لسداد الفوائد، مما يحدّ من قدرة الحكومة على تنفيذ مشاريع تنموية.

2. اللاجئون والتبعات الاقتصادية: استقبل الأردن ما يزيد عن 1.3 مليون لاجئ سوري، إلى جانب مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين، ما شكل ضغطًا هائلًا على البنية التحتية والقطاعات الخدمية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والمياه.

3. أزمة الطاقة والمياه: يعاني الأردن من ندرة المياه، حيث يُعتبر من أفقر دول العالم مائيًا، بمعدل نصيب الفرد السنوي من المياه الذي لا يتجاوز 90 مترًا مكعبًا، في حين أن خط الفقر المائي العالمي هو 500 متر مكعب. إضافة إلى ذلك، يعتمد الأردن بشكل كبير على استيراد الطاقة، حيث يستورد أكثر من 90% من احتياجاته من النفط والغاز، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية.

4. التحديات الأمنية والإقليمية: شهد الأردن تهديدات أمنية متكررة بسبب موقعه الجغرافي المحاط بمناطق صراع، حيث اضطر إلى تعزيز حدوده وحماية استقراره وسط اضطرابات إقليمية متلاحقة.

الفجوة بين السياسة الخارجية والخطاب الداخلي

ما يثير التساؤل اليوم ليس قدرة الأردن على مواجهة هذه التحديات، بل كيفية تسويق هذه القدرة داخليًا بطريقة تتسم بالتوازن والوضوح. فعندما يُطلب من المواطن عدم اللجوء للقروض أو البحث عن عمل بحجة أن "الوضع تحت السيطرة"، فإن ذلك قد يخلق حالة من التشويش، خاصة أن نسبة المساعدات الخارجية لا تتجاوز 10% من إجمالي الدخل الوطني، مما يعني أن الاقتصاد يعتمد في الغالب على الإنتاج المحلي والضرائب والاستثمارات، وليس على الدعم الخارجي.

لكن الأهم من ذلك، أن هذه الطروحات لم تشر إلى أن السياسة العامة للدولة تركز على توظيف الموارد الخارجية لصالح الأردنيين، وهو توجه استراتيجي واضح يستهدف تحسين فرص العمل والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة دوليًا. فالأردن لم يعتمد يومًا على المساعدات فقط، بل سعى إلى تطوير شراكات اقتصادية تعزز من قدرة المواطن على مواجهة الظروف الصعبة، سواء من خلال جذب الاستثمارات أو من خلال تمكين الأردنيين من الاستفادة من الفرص الخارجية.

الخلاصة: القرار للسياسة الخارجية والتنسيق الداخلي ضرورة

إن السياسة الخارجية الأردنية واضحة وثابتة، تستند إلى رؤية ملكية عميقة، لكنها تحتاج إلى تنسيق داخلي أكثر احترافية في الخطاب، بحيث يكون الطرح السياسي والإعلامي متسقًا مع الموقف الرسمي، دون تهوين يضر بالمصداقية، أو تهويل يخلق حالة من الإحباط.

الأردن تجاوز تحديات أخطر وأكبر، واستمر بفضل حكمة قيادته ووعي شعبه، لكن المرحلة الحالية تتطلب انسجامًا داخليًا أكبر في الطرح، بحيث تبقى الرسائل السياسية متماسكة ومتوافقة مع الرؤية الاستراتيجية للدولة، لضمان تعزيز ثقة المواطن بقدرة بلاده على تجاوز الأزمات دون ارتباك أو تردد.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences