إسرائيل: لن ندخل ولو كيس طحين.. سنوفر لهم سفن الهجرة تحت رعاية القصف

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

ما زال هناك حب من النظرة الأولى. الوزراء يتأثرون من رئيس الأركان الجديد إيال زمير. ساد توتر مكشوف لأكثر من سنتين بين رئيس الحكومة وسلف زمير، هرتسي هليفي: في البداية، حول خلفية الانقلاب النظامي واحتجاج الاحتياط، ثم حول محاولة إلقاء مسؤولية 7 أكتوبر على المستوى الأمني فقط. ولكن الوزراء أصبحوا الآن محبين. أخيراً، حصلوا على رئيس أركان هجومي كما كانوا يأملون، وزير يبث لهم بأنهم إذا سمحوا له بتنفيذ خطته العسكرية فستهزم حماس هذه المرة.

صحيح أن كان هناك تماس خفيف في وسائل الإعلام بين زمير من جهة، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي حاول ممارسة المناورة على رئيس الأركان التي نجحت عدة مرات مع سلفه – توبيخ علني ومطالبة بتوضيح فوري في وسائل الإعلام حول القضية التي أثارت غضب نشطاء اليمين ومغرديه: قضية التحقيق مع العميد احتياط أورن سولومون، رجل حركة “الأمنيون” الذي اشتبه فيه بإخراج وثائق سرية من فرقة غزة بدون مصادقة. لم يتراجع زمير، وأعلن بأنه لن يتلقى تعليمات من وسائل الإعلام. أطلق كاتس توبيخاً علنياً آخر، حيث استدعى رئيس الأركان للقاء مصالحة سريع، الذي نشر بعده بأنهما سيواصلان العمل معاً.

نأمل بأن القضية عززت لدى زمير إدراكاً، وهو أنه بعودته إلى ارتداء الزي العسكري، ولأنه لم يكن جزءاً من متخذي القرارات عشية 7 أكتوبر، فإن علاقات القوة بينه وبين الوزراء مختلفة عن العلاقات مع سلفه. لا يمكن لكاتس أن يوبخ كما فعل مع هليفي. رئيس الأركان السابق شعر بالإهانة بين حين وآخر بسبب الهجمات المشينة لبعض الوزراء، وبعد ذلك فتح معهم حوارات طويلة في جلسات الكابنت والحكومة. عندما يحدث ذلك لزمير فهو ببساطة يصرخ عليهم فيهدأون. هذه الطريقة تفيده الآن. والوزراء إلى جانبه؛ لأنهم يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي سيوفر لهم البضاعة. ولكن قد تكون هذه سيفاً ذا حدين، كما تبين مع هذه المجموعة.

ما يبثه زمير هو استعداد جديد للجيش الإسرائيلي لعملية برية واسعة قد تشمل احتلال القطاع كله. في الحقيقة يقول للوزراء متى تريدون، وإلى أي درجة من العمق تريدون دخول الجيش الإسرائيلي. “تقريباً سنفعل ونمتثل”. رئيس الأركان أوضح للوزراء بأنه أرسل إلى قطاع غزة لواء غولاني وعين قائد للمنطقة الجنوبية ينيف عاشور، وهو ضابط هجومي آخر. الجيش الإسرائيلي، قال زمير في إحدى الجلسات، وسع المنطقة العازلة على طول حدود القطاع و”طرد السكان”. أحد المشاركين صححه: لم تطردوا، بل أبعدتم السكان لغرض حمايتهم.

النشاطات البرية في المنطقة تتوسع، لكن بقضم صغير. الجيش الإسرائيلي يعمل في بيت لاهيا في شمال القطاع، وفي القسم الغربي لممر نتساريم في وسط القطاع، وفي الجنوب في حي الشابورا وتل السلطات في مدينة رفح المدمرة. تجرأ الوزراء في إحدى الجلسات وسألوا: ما هدف الحرب التي استأنفتها إسرائيل في القطاع في 18 آذار؟ ما النهاية المرغوب فيها؟ تمتم نتنياهو بشيء حول تجمع دول عربية لإدارة القطاع عند الانتصار على حماس. الوزيرة أوريت ستروك (الصهيونية الدينية) صرخت: “لكن غزة لنا، جزء من أرض إسرائيل. هل ستعطيها للعرب؟”. أجاب نتنياهو: “عندها ربما سيكون هناك حكم عسكري. كل الخيارات مفتوحة”.

هذا خيال اليمين المتطرف، وخطة الجيش الإسرائيلي في القطاع غير بعيدة عنه. تجنيد كثيف لفرق احتياط، واستكمال احتلال القطاع، وتقليص المنطقة الإنسانية في المواصي الصغيرة أصلاً. هناك حتى أفكار لوضع سفن أمام شواطئ غزة لتشجيع السكان على المغادرة برعاية القصف العسكري الإسرائيلي. تشكل وزارة الدفاع إدارة لـ “تشجيع الهجرة” وكأن الأمر يتعلق بفكرة أخرى طبيعية. بعض النقاشات تجري بدون ممثلين عن النيابة العسكرية، لئلا يتجولوا بين الأرجل ويحذروا من مخالفات للقانون الدولي أكثر من اللزوم. في إحدى الجلسات، سمع ضابط كبير يقول إنه “لن يمر أي كيس طحين” إلى القطاع إذا لم يسيطر الجيش الإسرائيلي على المساعدات الإنسانية.

أوامر الضمير

أمام خطط طموحة للحكومة ورئيس الأركان عائق مهم في الداخل، وهو المرحلة الأولى في المرحلة الحالية التي لا تحصل على إجماع في أوساط الجمهور الواسع. تجري هيئة الأركان نقاشات محمومة حول مسألة كيفية مواجهة الظاهرة التي بدأت تتسع – عدم امتثال رجال الاحتياط إزاء التحفظ السياسي من إدارة الحرب. ويضاف إليها “رفض رمادي” غير المرفق بإعلان سياسي واضح، لكنه يكمن عميقاً في العبء غير المحتمل وفي نظرة الحكومة المستنكرة.

هناك وحدات احتياط فيها نسبة الامتثال للخدمة تبلغ النصف تقريباً – كما شرحنا هنا، فإن الكتائب والألوية تحسن ولو قليلاً البيانات بواسطة تنازل مسبق عن استدعاء المترددين، إضافة إلى التوجه للمتطوعين الذين ينضمون إلى الوحدات. وبعض الوحدات المختارة تخشى من عدم امتثال طاقم احتياط كامل. “الدافع البارز أكثر للتحفظ المتزايد في أوساط رجال الاحتياط يتعلق بخوف من أن يعرض استئناف الحرب حياة المخطوفين الباقين للخطر. ويضاف إلى ذلك الغضب بسبب استئناف الانقلاب النظامي، وتشجيع تهرب الحريديم، والمصادقة على ميزانية كلها سرقة لصالح أشخاص انتهازيين.

طرح الجيش الإسرائيلي في هذا الأسبوع بيانات عن إصدار أوامر تجنيد للحريديم. ولم يمتثل من بين الـ 10 آلاف أمر الصادرة في بداية السنة سوى 876 حريدياً، لم يتجند من بينهم سوى 2.010. وهناك 14 ألف أمر سترسل بين آذار وأيار. حتى الآن، نسبة التجنيد ضئيلة جداً. وتفاخر وزير الإسكان إسحق غولدكنوفف (يهدوت هتوراة) هذا الأسبوع بالسيطرة على موارد عامة لصالح مصوتيه الحريديم، ورقص في حفل زفاف على أنغام أغنية ضد التجنيد، والاعتذار والاستقالة من منصب رمزي: وزير في مكتب رئيس الحكومة. عندما سئل سياسيون حريديم عن الغضب تجاههم، بما في ذلك في أوساط شركائهم في الحكومة من “الصهيونية الدينية”، تظاهروا بأنهم لا يعرفون. في غضون ذلك، في مجموعات واتساب عائلية، يرسل رجال احتياط صور الأوامر الجديدة التي حصلوا عليها، لشهرين وحتى لثلاثة أشهر خلال السنة، وكل ذلك حتى قبل استدعائهم بالأمر 8 إلى القطاع.

كتب رجل احتياط يخدم في القطاع في هذا الأسبوع: “جيش الاحتياط تآكل أكثر. هذا ليس صدفياً. الحكومة لا تبين للجمهور هدف الحرب. ومن غير الغريب أن نسبة معتمري القبعات أصبحت أعلى على خلفية نسبة التجنيد المنخفضة. هذه بصراحة هي حربهم”.

سلوك نتنياهو أيضاً في إقالة رئيس “الشاباك” رونين بار، لم يساعد على زيادة ثقة الجمهور بالحكومة، لكن

يبدو أن ذلك لم يعد يهم رئيس الحكومة. نتنياهو غارق في ضمان الإخلاص الشخصي له من قبل من يخدمون الجمهور، كما علمنا المخلّص ترامب. في جلسة الحكومة التي عقدت الأسبوع الماضي حول إقالة بار وفي ظل غيابه، قرأ سكرتير الحكومة، يوسي فوكس، فقرات في قانون “الشاباك”. وعندما ذكر فوكس بأن منع التخريب هو إحدى مهمات الجهاز، لمعت عيون نتنياهو. وهذا بالضبط ما تحدث عنه. قد يخطر في البال أن جهاز “الشاباك” الجديد سيتعامل مع ما هو مهم حقاً – مكافحة الإرهاب الخارجي والتخريب الداخلي. وأخيراً، سنجد من يعرف كيف يتعامل مع الأعداء الحقيقيين: إيهود باراك وأهارون براك ويئير غولان ويئير لبيد ومكتب النائب العام والإعلام.

أصدرت المحكمة العليا أمراً مؤقتاً ضد استكمال إقالة بار، لكنها سمحت لنتنياهو بالالتقاء مع مرشحين يستبدلونه. سارع رئيس الحكومة إلى السيطرة على الرواية ونشر قائمة المرشحين: النائب السابق لبار الذي أعلن عن استقالته من الجهاز قبل بضعة أشهر، وإلى جانبه ثلاثة أشخاص ذوي أقدمية وأنهوا عملهم في “الشاباك” قبل بضع سنوات: يئير (رولي ساغي، الذي تنافس أمام بار في 2021 وهزم)، أيال تسير كوهين وشالوم بن حنان. من التسريبات الأخيرة، لا يصعب رسم صورة رئيس الجهاز القادم كما يراها نتنياهو: مخلص ومطيع قبل أي شيء. في الإجابة عن الالتماس للمحكمة العليا، كشف نتنياهو عن نية أخرى خفية: هو يريد نقل التحقيق في قضية قطر، التي يتهم فيها ثلاثة من مستشاريه الإعلاميين، من “الشاباك” إلى الشركة. والسبب مفهوم. يصمم رونين بار على إظهار الاستقلالية في التحقيق. المفتش العام للشرطة داني ليفي، لا تفاخر له كهذا.

مرة أخرى على بعد خطوة من النصر

بعد المصادقة على الميزانية الثلاثاء الماضي، احتفل نتنياهو في فيلم مشترك مع وزير المالية سموتريتش. وقف وراء الكاميرا المستشار الأخير، غير المشتبه فيه في قضية قطر. نتنياهو الذي ابتسم ابتسامة عريضة، تفاخر “بالأهمية الكبيرة” لتمرير الميزانية من أجل استقرار الائتلاف. الأعداء في إيران وغزة خاب أملهم، كما قال، لأنهم أملوا إسقاط الحكومة، لكن الحكومة باقية حتى الآن، ويمكنها استكمال النصر المطلق الذي وعدت به. يتبين من هذه الأقوال أننا مرة أخرى على بعد خطوة منه، على الأقل هذه رواية نتنياهو. ضابط رفيع في الجيش، الذي سئل عن ذلك بعد بضع ساعات، اضطر للاعتراف بأنه لا يرى نصراً قريباً في الأفق. حماس تنهض وتتعزز قوتها، وسنكون بحاجة إلى جهود كبيرة لضمان هزيمتها.

البيانات التي تطرحها الاستخبارات الإسرائيلية غير مشجعة، فبعد قتل حوالي 50 ألف غزي، بينهم حسب تقدير إسرائيل 20 ألف مخرب، فإن منظومة قوات حماس تبلغ نحو 20 ألف شخص يحملون السلاح مرة أخرى، وإلى جانبهم 10 آلاف مخرب من “الجهاد الإسلامي”. عدد كبير من المخربين من الشباب الأقل تجربة من أسلافهم. وسلسلة القيادة في حماس تضررت مرة أخرى، لكن لا ينقصها السلاح الشخصي والعبوات الناسفة.

التأثير الرئيسي لنشاطات الجيش الإسرائيلي تم تسجيله حتى الآن في اليوم الأول لاستئناف القتال، بهجوم جوي كثيف قتل فيه حوالي 400 فلسطيني (بينهم -حسب وسائل الإعلام في القطاع- 100 طفل)، في هذا الهجوم وفي سلسلة اغتيالات منذ ذلك الحين، قتل عدد من كبار قادة الذراع السياسي في حماس، بينهم رئيس الحكومة المدنية والشخص الذي عينه كبديل له. ولكنها ليست خطوة تؤدي إلى هزيمة حماس. والمظاهرات المدنية في القطاع في الفترة الأخيرة التي سمعت فيها نداءات ضد سلطة حماس، لا تبشر حتى الآن بتغيير دراماتيكي. الشعور الذي ينبع منها حقيقي، لكن يجب الانتباه إلى من يعبر عنه: عشائر متماهية مع حركة فتح، وبتشجيع كبير من كثيرين في أجهزة المخابرات في المنطقة.

ما زال على الأجندة حتى الآن اقتراح مصر العودة إلى وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، الذي يشمل إعادة خمسة مخطوفين أحياء وخمسة جثامين. حتى الآن، يبدو أن المفاوضات عالقة، لأن اهتمام نتنياهو كان منصباً على تمرير الميزانية. إدارة ترامب، في بياناتها، تدعم موقف إسرائيل وتتحفظ من اقتراحات الوسطاء مصر وقطر، بما في ذلك المبادرة العربية لخطة إعادة الإعمار.

رغم أن نتنياهو يبث وعوداً بنصر سريع على حماس لقاعدته السياسية، فإن الساحة الأهم تاريخياً بالنسبة له هي إيران. لعبة ترامب في الساحتين متشابهة؛ فهو لا يستبعد حلاً بالطرق السلمية (في حالة إيران، هو يفضل ذلك أيضاً)، لكنه يستخدم إمكانية الهجوم الإسرائيلي كأداة ضغط على الطرف الثاني لإقناعه بتليين مواقفه والتنازل. في هذا الأسبوع، بعد تمرير الميزانية، بث نتنياهو مرة أخرى ثقة واضحة بخطواته، وأنه الشخص الذي يعرف كل شيء. هذا مزاج خطير، خصوصاً عندما يدور الحديث عن قرارات مصيرية جداً. المقرب منه وبوقه، يعقوب بردوغو، تنبأ أول أمس في القناة 14 بأن “إسرائيل في طريقها لمهاجمة إيران في المدى القصير جداً”.

لم يسجل بعد أي تغيير في التقدير السنوي لأجهزة المخابرات الأمريكية الذي نشر هذا الأسبوع. الوكالات الأمريكية تتمسك بروايتها منذ عشرين سنة. الإيرانيون لم يعودوا لتطوير البعد العسكري للمشروع النووي الذي تجمد في 2003. ولا يعملون على إنتاج رأس نووي متفجر لصاروخ أرض – أرض. مع ذلك، يشير كاتبو التقرير إلى أنه من المؤكد أن يزداد الضغط على المرشد علي خامنئي كي يطلق المشروع النووي العسكري من جديد. في السنة الأخيرة، تآكل الطابو طويل المدى بشأن النقاش الإيراني العلني حول تطوير السلاح النووي. ولكن القرار النهائي، كما يكتبون، بقي في يد خامنئي.

هآرتس 28/3/2025

 


 

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences