الرسائل الأمريكية ـ الإسرائيلية إلى المنطقة والعالم!

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

تقاطعت زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى باريس، أمس الجمعة، مع تصعيد إسرائيلي نوعيّ يمثّل خرقا كبيرا لاتفاق وقف إطلاق النار وذلك باستهداف جيش الاحتلال للضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت في سابقة هي الأولى منذ دخول الاتفاق حيّز التنفيذ قبل أربعة أشهر (27 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي).
شهد لقاء عون بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعما واضحا للبنان تمثّل بتنديد الأخير بالغارات الإسرائيلية باعتبارها «انتهاكا لوقف إطلاق النار» على نحو «أحادي» وهي من ثم «غير مقبولة» و«تنكث وعدا مقطوعا» و«تصب في مصلحة حزب الله». إضافة إلى ذلك أكد ماكرون أن ما من معلومات «في هذه المرحلة» عن «ضربات لحزب الله»، في موقف داعم للرئيس اللبناني الذي قال إن تحقيقات الجيش اللبناني تشير إلى أن «حزب الله ليس مسؤولا» عن إطلاق الصواريخ.
أشار ماكرون إلى أنه سيتّصل بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يتوقع منه «ضغطا خاصا» لأن الأمريكيين يملكون «وسائل ضغط أكبر من أي كان على إسرائيل»، في اعتراف أن ضغوط فرنسا غير قادرة على كبح جماح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (الذي قال إنه سيتصل به أيضا).
أعاد ماكرون، بأكثر من طريقة، التأكيد على الرعاية التي توليها باريس للجمهورية اللبنانية، وإظهار ذلك بالدفاع عن مصالح بيروت، وتضمن ذلك لقاء فيديو ضم، إضافة إلى عون، الرئيس السوري أحمد الشرع، وتركّز على شروط طرحها لتأمين زيارة للشرع إلى باريس (وهو ما يعني اعترافا فرنسيا رسميا به) وعلى رأسها اتخاذ خطوات لحل قضية اللاجئين السوريين في لبنان، وبحث «قضية الأمن على الحدود السورية اللبنانية».
انتهز ماكرون، أيضا، زيارة عون لعقد اجتماع فيديو خماسي ضم رؤساء فرنسا ولبنان وسوريا وقبرص واليونان وذلك، لمناقشة «التحديات المرتبطة بالأمن البحري»، و«التأثير البيئي الإقليمي على الأمن»، على حد تعبير قصر الإليزيه، وكذلك، طبعا، على مسألة «عودة النازحين السوريين».
تزامنت التطوّرات الأمنية ـ السياسية الأخيرة مع إعلان في اليوم نفسه لـ«اتفاق جدة» لترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، الذي رعته السعودية، وهو اتفاق يتضمن أيضا اتفاقا للتنسيق بين البلدين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية.
على ذمة صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن ترامب طلب من نتنياهو عدم استهداف العاصمة اللبنانية أو المرافق الحيوية فيها مثل المطار والمرفأ وشركة الكهرباء، لكن ذلك ترافق مع تصريحات لمورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، كرّرت فيها الدفاع عن إسرائيل وركزت في مجموعها على لوم لبنان على إطلاق الصواريخ، وزعمت أن إسرائيل لا تنتهك اتفاق وقف النار مع لبنان، وأن إيران و«حزب الله» هما «من جرّا لبنان إلى الحرب».
تكشف التداعيات الإقليمية والدولية الآنفة عن وجود أربعة محاور جيوبوليتيكية، يمثّل الطرف الأمريكي ـ الإسرائيلي العنصر الصاعد في هذه النزاعات، والذي يفسّر الطبيعة الاستحواذية والعدوانية لتحركاته، وسعيه لإعادة تشكيل المنطقة بناء على أولوياته، من دون تباينات شديدة بين أمريكا وإسرائيل.
يتمثّل الطرف الثاني بالحراك الأوروبي الذي تحاول فرنسا، كما نلاحظ، لعب دور بارز فيه، وهو محور يحاول بدوره وضع أولويات تتمثّل بتعزيز التحالفات الغربية المتوسطية، والرعاية الفرنسية «الخاصة» للبنان، مع محاولة مدّ ذلك إلى سوريا، بالتوافق، أو التنافس مع النفوذ التركيّ المتزايد، والجهد الإسرائيلي لمواجهته (مع استراتيجيات خبيثة لتفكيك سوريا).
المحور الثالث، هو المنظومة العربية، التي تسعى بعض الدول العربية، كالسعودية وقطر ومصر، لتعزيز مظلتها للاستقرار في سوريا ولبنان، وهو ما تظهره رعاية «اتفاق جدة» الأخير، والعمل الكبير الذي تقوم به قطر لتأمين التمويل والطاقة في سوريا، وجهودها للاستقرار في لبنان.
المحور الأخير، في «لعبة الأمم» الكبرى هذه، هي إيران، التي حاولت بعض الأطراف السياسية اللبنانية نسبة إطلاق الصواريخ الأخيرة إليه، وقد نسبت إليه أيضا المسؤولية عن الهجمات التي وقعت في الساحل السوري والتي أدت إلى تداعيات خطيرة على النظام الجديد في دمشق (مما يفسّر الجهود الحثيثة للرياض وباريس في هذا الخصوص).
تمثّل الغارات الأمريكية العنيفة والمستمرة على حركة «أنصار الله»، ورسالة ترامب المهددة لطهران، ضمن السياقات الآنفة، تهديدا يتجاوز إيران إلى المحاور الأخرى، بحيث تفرض نتائج حركة الصراع هذه طابعها على المنطقة والعالم.

القدس العربي

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences