العقاب الجماعي لغزة:الوجه الحقيقي للعنصرية الإسرائيلية

بقلم : عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
في خطوة تعكس أقصى درجات الإجرام والانتهازية السياسية، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية طلب إعادة تزويد قطاع غزة بالكهرباء، مؤكدةً مرة أخرى أن القانون في إسرائيل ليس أكثر من أداة في يد الحكومة، تُستخدم لخدمة أجندتها الاحتلالية دون أي اعتبار للقيم الإنسانية أو القانون الدولي. هذا الحكم ليس مجرد قرار قضائي؛ إنه شهادة جديدة على الحقد العميق الذي تكنه إسرائيل لسكان غزة، واستمرارها في ممارسة سياسة العقاب الجماعي دون حسيب أو رقيب.
القانون بيد السلطة: ذراع للاحتلال لا للعدالة
حين يُصبح القضاء أداة لخدمة الاحتلال، تسقط كل الأقنعة التي تحاول إسرائيل من خلالها خداع العالم بأنها “دولة ديمقراطية”. المحكمة العليا الإسرائيلية، التي يُفترض أنها الضامن للحقوق، لم تستند في حكمها إلى مبادئ العدالة أو القوانين الدولية، بل إلى قرار سياسي مسبق من الحكومة الإسرائيلية، التي تستخدم خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه كسلاح ضد المدنيين. هل يمكن لعاقل أن يعتبر هذا القرار قانونيًا أو أخلاقيًا؟
إنه انعكاس صارخ لسلطوية النظام الإسرائيلي الذي يفرض حصاره الخانق على غزة، ويتحكم في أبسط مقومات حياة أكثر من مليوني إنسان، معظمهم من الأطفال والنساء. إنها عقلية المستعمر المتعجرف، الذي يرى في حياة الآخرين مجرد ورقة مساومة لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية.
العقاب الجماعي: إرهاب دولة بلا قيود
لم تكتفِ إسرائيل بالقتل والقصف والتشريد، بل تمارس عقابًا جماعيًا بحق سكان غزة بحرمانهم من الكهرباء والمياه، مما يعرض حياتهم للخطر في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية. إن ربط إمداد غزة بالكهرباء بإعادة الرهائن الإسرائيليين هو قمة الانتهازية والوحشية، وكأن الأطفال والمرضى وكبار السن في غزة مسؤولون عن قرارات سياسية وعسكرية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
هذا التصرف، وفق القانون الدولي، يعد جريمة حرب مكتملة الأركان. فقد نصت المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة بوضوح على تحريم العقاب الجماعي. ولكن متى التزمت إسرائيل بالقوانين الدولية؟ وهل هناك من يجرؤ على محاسبتها؟
تواطؤ دولي وصمت مخزٍ
ما يزيد من فظاعة هذا المشهد أن العالم يقف متفرجًا على هذه الجرائم دون أي تحرك جدي. أين الأمم المتحدة؟ أين الدول الكبرى التي تتغنى بحقوق الإنسان؟ إن استمرار هذا التواطؤ والصمت الدولي يمنح إسرائيل ضوءًا أخضر لارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين.
لقد دعت منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” إلى إنهاء هذه الجرائم فورًا، معتبرةً أن منع الكهرباء والماء عن غزة هو سلوك وحشي يخالف القانون الدولي. لكن هذه الإدانات تبقى مجرد كلمات جوفاء في ظل غياب إجراءات فعلية تردع إسرائيل وتضع حدًا لعنصريتها وإرهابها المنهجي.
إلى متى؟
إسرائيل، التي تدّعي أنها “واحة الديمقراطية” في الشرق الأوسط، تثبت يومًا بعد يوم أنها دولة قائمة على التمييز العنصري والبطش. قراراتها ليست سوى انعكاس لعقلية استيطانية استعمارية ترى في الفلسطينيين أعداءً حتى وهم بلا حول ولا قوة.
العقاب الجماعي لشعب بأكمله، والتحكم في حياته اليومية بقرارات انتقامية، لا يعبر إلا عن دولة مارقة تمارس الإرهاب الرسمي بلا خوف من المحاسبة. والسؤال الذي يبقى: إلى متى سيستمر هذا الصمت العالمي المخزي؟ وإلى متى سيبقى الفلسطينيون ضحايا لهذه العنصرية الفاشية دون ردٍّ حقيقي من المجتمع الدولي؟