جبهة العمل الإسلامي ودورها في المشهد الوطني: شريك عقلاني وقوة لا يمكن تجاوزها

بقلم: عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
في خضم الحراك الشعبي والتفاعل الأردني العارم مع قضية غزة، برزت جبهة العمل الإسلامي كأقوى الأحزاب تنظيمًا وأكثرها عقلانية في الساحة الوطنية. وهذا ليس موقفًا عاطفيًا، بل حقيقة تؤكدها المعطيات والوقائع، وفي مقدمتها نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أظهرت أن الجبهة تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة، وتفوقًا واضحًا بفارق كبير عن معظم الأحزاب الأخرى التي حصدت مقاعد برلمانية.
إن قدرة جبهة العمل الإسلامي على الحشد والانضباط، والتحكم في جماهيرها ضمن الأطر القانونية والسلمية، تمثل نقطة قوة وطنية يجب أن تُقرأ بعين الحكمة، لا بعين التوجس. فالحزب لم يخرج يومًا عن خط الدولة، بل ظل منضبطًا وملتزمًا بأمن الوطن واستقراره، وكان ولا يزال عنصرًا مساعدًا في ضبط الشارع، لا في تأجيجه.
الدولة الأردنية، بكل ما تمتلكه من مؤسسات وأجهزة، قادرة على إدارة الداخل بحكمة واقتدار. وأجهزتنا الأمنية التي نعتز بها – بكل مكوناتها، فهي منّا ونحن منها، وهم أبناؤنا وإخواننا – تمثل ركيزة الاستقرار. لكن لا بد، إلى جانب ذلك، من فتح مسارات للحوار الوطني مع القوى السياسية المؤثرة، وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي، التي تشكل امتدادًا لنبض الشارع وقادرة على امتصاص الغضب الشعبي والتعامل معه بعقلانية ومسؤولية.
نصرة غزة ليست شأنًا حزبيًا، بل قضية وطنية وقومية، تلامس وجدان الأردنيين جميعًا، وتتقاطع معها مواقف العديد من القوى السياسية والشعبية. والمسيرات الشعبية التي تقودها الجبهة تعبّر عن رأي الشارع الأردني، وتتماهى مع الموقف الرسمي الذي اتسم بأعلى درجات المسؤولية، وعبّر بصدق عن ضمير الوطن.
لا أحد يقبل أن تخرج المسيرات عن إطار السيطرة، وهذا ما تلتزم به الجبهة نفسها، لكن في المقابل، يجب أن ترى الدولة في هذه الحراكات طاقة إيجابية، وعنصر دعم للموقف الرسمي، لا خطرًا يجب كبحه أو التخوّف منه. بل إن الحوار البناء مع هذه القوى، والاتفاق على آليات سليمة ترضي الجميع، هو الطريق الأنسب لحماية الداخل وتعزيز الوحدة الوطنية في وجه التحديات.
من مصلحة الدولة أن يبقى حزب جبهة العمل الإسلامي قويًا ومنضبطًا، لا يُزايد على الوطن ولا يهدد استقراره، بل يكون شريكًا حقيقيًا في تحصين الجبهة الداخلية، لا خصمًا سياسيًا. فالوطن بحاجة إلى كل يد تبني، وكل صوت عاقل، وكل طاقة تحفظ أمنه واستقراره.
أما من يحاول التطاول على أجهزة الدولة أو أفرادها، فهو لا يمثل الشعب الأردني، ولا جبهة العمل الإسلامي، بل قد يكون من المندسين والمارقين عن القانون، ممن يسعون إلى زرع الفتنة، وهؤلاء لا بد أن يُحاسَبوا بما يفرضه القانون.
غزة قضية عربية وإسلامية، ونصرتها واجب وحق.
والأردن سيبقى وطنًا يُفاخر بعقلائه، ويقود المرحلة بحكمة ووعي.