متطلبات الموارد البشرية في شركات المقاولات: موازنة التوسع والانكماش لضمان الأداء المستدام

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

 

بقلم المهندس نبيل إبراهيم حداد

مستشار الهندسة والصناعة وإدارة المشاريع

تلعب إدارة الموارد البشرية (HR) في شركات المقاولات دورًا محوريًا في ضمان توافق القوى العاملة مع احتياجات المشاريع. وعلى عكس الصناعات الثابتة ذات الأحمال المستقرة، تعمل شركات المقاولات ضمن دورات متغيرة من مشاريع كبرى تتطلب توسعًا سريعًا، يعقبها فترات انخفاض في حجم العمل تتطلب تقليصًا مدروسًا. إن إدارة هذا التذبذب بشكل استراتيجي ضرورة لتحقيق الكفاءة والتنافسية والاستقرار طويل المدى.

1.  الطبيعة الديناميكية للعمل في قطاع المقاولات

تعمل شركات المقاولات في بيئة قائمة على المشاريع. كل مشروع له خصوصيته من حيث الجدول الزمني، وحجم العمالة المطلوبة، والمهارات التخصصية، والاعتبارات اللوجستية. وعلى قسم الموارد البشرية أن يتكيف بسرعة وكفاءة لضمان توفر العدد المناسب من الموظفين ذوي الكفاءات المناسبة وفي الوقت المناسب.

إن الأساليب التقليدية الثابتة لإدارة الموارد البشرية لا تصلح في هذا القطاع. فالمرونة ليست خيارًا، بل مطلب تشغيل أساسي.

2.  توسيع القوى العاملة عند استلام المشاريع الكبرى

عند ترسية مشروع كبير، يجب على الشركة أن توسع قواها العاملة بسرعة. ويتطلب ذلك:

أ. التخطيط للقوى العاملة

على الموارد البشرية تقدير احتياجات المشروع من العمالة وفقًا لنطاق العمل، البرنامج الزمني، والميزانية، بما يشمل: المهندسين، المشرفين، العمالة الفنية، موظفي الجودة، موظفي السلامة، والإداريين.

ب. التوظيف السريع والموجه

على الشركة تفعيل قنوات التوظيف العاجل مثل:

قواعد بيانات السير الذاتية المؤهلة

وكالات التوظيف

موردي العمالة الخارجية المتخصصين

المقاولين الفرعيين المعتمدين

فالوقت عنصر حاسم، وأي تأخير في التوظيف يؤدي إلى تأخير بدء التنفيذ.

ج. التدريب والتجهيز للتعبئة

يجب أن يحصل الموظفون الجدد على:

تعريف خاص بالمشروع

تدريب السلامة والجودة

تقييم المهارات

خطط التعبئة (التأشيرات، التصاريح، السكن)

الموظف الجاهز يساهم من اليوم الأول دون خسارة الوقت في التأقلم.

د. تعزيز الإدارات المساندة

تحتاج المشاريع الكبرى إلى رفع قدرات:

قسم التخطيط وإدارة المشاريع

المالية والمشتريات

اللوجستيات

الجودة

الصحة والسلامة المهنية

هذه الإدارات يجب أن تتوسع بالتوازي مع توسع المشروع.

3.  تقليص القوى العاملة عند انخفاض حجم العمل

كما أن التوسع ضروري للمشاريع الكبرى، فإن الانكماش المنظم ضروري خلال فترات انخفاض الأعمال.

أ. التمييز بين الموظفين الأساسيين والمؤقتين

على الموارد البشرية التفرقة بين:

الموظفين الأساسيين الضروريين لاستمرارية الشركة

الموظفين المرتبطين بمشاريع محددة

التركيز في التقليص يكون على الوظائف المؤقتة أولًا.

ب. نموذج مرن لإدارة العمالة

يعتمد التوازن على:

موظفين دائمين للوظائف الجوهرية

موظفين بعقود محددة المدة

عمالة خارجية

شراكات مع مقاولين فرعيين

هذا النموذج يضمن مرونة الشركة دون تحمل أعباء إضافية.

ج. الحفاظ على خط إمداد المواهب

حتى في فترات الانكماش يجب الحفاظ على:

قاعدة بيانات للموظفين السابقين

علاقات جيدة مع المقاولين الفرعيين

قنوات مفتوحة مع موردي العمالة

ذلك يمكّن الشركة من التوسع سريعًا عند الحصول على مشاريع جديدة.

د. ضبط التكلفة دون التأثير على الجودة

يجب إدارة التقليص وفق:

قوانين العمل

احترام حقوق الموظفين

عدم التأثير على الجودة أو الالتزامات الجارية

إدارة غير سليمة للتقليص تؤدي إلى خسارة الكفاءات وخفض المعنويات وتأخير التنفيذ.

4.  بناء نظام موارد بشرية قادر على التكيف

يجب أن يتمتع نظام الموارد البشرية في شركات المقاولات بخصائص أساسية:

أ. القدرة على التنبؤ

باستخدام تحليل المشاريع المستقبلية والبيانات التاريخية.

ب. المرونة

للسماح بالتعبئة والتسريح بسرعة ودون تعقيدات.

ج. الهيكلة الواضحة

من خلال إجراءات محددة للتوظيف، والانضمام، والتقييم، والتسريح.

د. التكامل الوظيفي

يجب أن يعمل HR بتنسيق مباشر مع:

إدارة المشاريع

التخطيط

المالية

المشتريات

الشؤون القانونية

لضمان توافق القرارات مع العقود والميزانيات والجداول الزمنية.

5.  الهدف الاستراتيجي: الاستقرار في سوق متقلب

الهدف النهائي هو الحفاظ على استقرار الشركة رغم تذبذب حجم العمل. فالإدارة الفعالة للموارد البشرية تمنع:

زيادة العمالة وما يترتب عليها من ارتفاع التكاليف وانخفاض القدرة التنافسية.

نقص العمالة وما يسببه من تأخير وأخطاء ومشاكل جودة.

النموذج الصحيح يضمن الأداء، ويحمي الربحية، ويحافظ على جاهزية الشركة للفرص المستقبلية.

6.  إعداد الطلبة قبل التخرج ليتوافقوا مع احتياجات قسم المشاريع

حتى تتمكن إدارة الموارد البشرية من دعم قسم المشاريع بكفاءة، يجب أن يكون الخريجون الجدد على دراية حقيقية بطبيعة العمل في قطاع المقاولات قبل انضمامهم لسوق العمل. فغالبية الطلبة يتخرجون بمعرفة أكاديمية قوية، ولكن بوعي محدود تجاه عمليات الموقع، والتخطيط، واللوجستيات، وإدارة الموارد، والجودة والسلامة.

إعداد الطلبة قبل التخرج يجعلهم جاهزين للاندماج مباشرة في قسم المشاريع دون منحنى تعلم طويل.

أ. تعريف الطلبة بتسلسل العمل الهندسي والموقع

يجب على الجامعات تعريف الطلبة بـ:

كيفية إعداد الجداول الزمنية وإدارة المشاريع

العلاقة بين المخططات، وجداول الكميات، والمشتريات، والتنفيذ

تحديات الموقع اليومية مثل توزيع العمالة والمعدات

أهمية الجودة والوثائق والسلامة

هذا الوعي المبكر يختصر سنوات من التعلم بعد التخرج.

ب. الزيارات الميدانية للمشاريع

على الطلبة زيارة مواقع فعلية للتعرف على:

الخدمات اللوجستية للموقع

كيفية تنسيق المهندسين مع المشرفين والمقاولين الفرعيين

إدارة السلامة والجودة في الواقع

كيفية تشغيل الموارد البشرية والمعدات

الرؤية المباشرة أفضل وسيلة لغرس فهم واقعي للمهنة.

ج. برامج التدريب التعاوني (Co-op)

التدريب العملي لمدة 3–6 أشهر داخل شركات المقاولات يتيح للطلبة التعرف على:

إعداد التقارير اليومية

المتابعة الزمنية والتخطيط

إجراءات الجودة والتفتيش

خطابات واعتمادات المواد

اجتماعات التنسيق اليومي

الخريج الذي مرّ بتدريب واقعي يندمج أسرع بكثير في قسم المشاريع.

د. دورات قصيرة في أساسيات قطاع المقاولات

بالتعاون بين الجامعات والقطاع يمكن تقديم دورات في:

Primavera / MS Project

أساسيات الجودة والسلامة

قراءة المخططات (IFC & Shop Drawings) 

دورة المشتريات والموافقات

الأدوات الرقمية   (BIM – CDE – Digital Twins) 

هذه المهارات أصبحت أساسية للمهندس الحديث.

هـ. ورش عمل يقودها مديرو المشاريع والموارد البشرية

تساعد ورش العمل الطلبة على فهم:

ما الذي تتوقعه شركات المقاولات من الخريج الجديد

ما المهارات المطلوبة عند التوظيف

الأخطاء الشائعة لدى الخريجين الجدد

كيفية العمل داخل فرق المشاريع

هذا الحوار يبني جسراً مباشراً بين الجامعة والصناعة.

و. مشاريع تخرج مرتبطة بتحديات حقيقية

يمكن للجامعات توجيه طلبتها لمشاريع تخرج تتناول:

تحسين التنسيق في الموقع

تعزيز السلامة أو الجودة

تطوير أدوات متابعة الإنتاجية

رقمنة عمليات التقرير والتوثيق

بهذا يفكر الطالب كمهندس مشروع وليس كطالب فقط.

ز. قائمة جاهزية الخريج لسوق المقاولات

ينبغي أن يتخرج الطالب وهو متمكن من:

قراءة وفهم المخططات

استيعاب تسلسل الأعمال

أساسيات السلامة

مهارات التخطيط والتقرير

إجراءات الموافقات والتفتيش

مهارات التواصل والعمل ضمن الفريق

هذه المتطلبات تضمن قدرتهم على دعم قسم المشاريع منذ اليوم الأول.

إخلاء المسؤولية

يمثل هذا المقال الآراء والتفسيرات والانطباعات المهنية للمهندس نبيل إبراهيم حداد. وهو مخصص للأغراض التعليمية والمعلوماتية فقط، ولا يُعد بأي شكل من الأشكال استشارة مهنية أو قانونية أو تعاقدية. لقد بذل المؤلف كل جهد ممكن لضمان دقة المعلومات، إلا أنه لا يتحمل أي مسؤولية عن أي أخطاء أو سهو أو عن أي استخدام أو اعتماد على محتواه. وينصح القراء والمؤسسات باستخدام حكمهم المهني وتكييف المفاهيم الواردة بما يناسب ظروفهم الخاصة.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences