أمي كانت تخشى الحصبة أن تفقدها أبناءها ..!!
الشريط الإخباري :
أمي كانت تخشى الحصبة أن تفقدها أبناءها ..!!
بقلم د. عبدالرحيم جاموس
كنا ثلاثة أطفال أنا وشقيقاي الأكبر مني أحمد والأصغر مني جميل قد داهمتنا الحصبة في شتاء العام 1957م...
لقد تكتمت الوالدة حينها على الخبر والزمتنا البقاء في داخل البيت طيلة فترة الحصبة ومنعتنا من الخروج إلى الزقاق .. والبستنا ما توفر لها من الملابس الصوفية واثقلت علينا الأغطية الصوفية أيضا، خوفا من البرد الشديد الذي وافق مربعنية ذلك العام، ولإعتقادها أن التدفئة هي أهم وسيلة لمكافحة الحصبة...
وعندما نفيق من النوم كان الشاي الفاتر مُراً يكون حاضرا لتمسح به عيوننا المغلقة بالقذا وتغسل به وجوهنا وايدينا تعقيما لنا وحماية من فايروسات الحصبة الفتاكة..
الوالدة رحمها الله معذورة في إجراءاتها الصارمة التي أخضعتنا لها طيلة ايام ظهور أعراض الحصبة علينا..
لأن الحصبة اللعينة كانت قد أفقدتها أربعة من أطفالها في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي علي عن عمر ثلاث سنوات وفاطمة عن عمر سنتين .. وفي نهاية الأربعينات مع سنوات النكبة الكبرى فقدت الطفل سليم عن عمر سنتين والطفل عبدالرحمن أيضا عن عمر سنتين وذلك في سنوات 1947و1948م على التوالى .. فكانت بالفعل تخشى الحصبة أن تذهب بنا ... مثل ماذهبت بأشقائنا الأربعة السابقين ...
ومما كان يؤلمها قول احدى جاراتها التي لم تنجب سوى ابنتين فقط (والله ماني عارفة لليش أم الكامل بتتغلب بتحمل وبتخلف وبعدين بتيجي الحصبة وبتوخذ منها أولادها)...
طبعا الغيرة النسوية واضحة في قول تلك الجارة...
ولكن هذه الخشية من جانب الوالدة على أطفالها، لها مايبررها حيث كنا ثلاثة أطفال يفصل بين الواحد والآخر منا سنتين فقط ..!
وهكذا فقد انجبت الوالدة إثني عشرة طفلا ذهبت الحصبة بأربعة منهم ثلاث ذكور وانثى، وبقي لها ثمانية صمدوا وتحدوا الحصبة ستة أبناء وبنتين ...
نعم الحصبة في النصف الأول من القرن العشرين كانت مخيفة وعدوا للطفولة .. في ظل غياب العناية الصحية اللازمة، وتدني الوعي بالتعامل مع مثل هذه الحالات فكان كثيرون من الأطفال يقضون جراء ذلك ...
ولذا كانت جميع الأمهات في ذلك الزمن يخشين أن تأخذ الحصبة أطفالهن منهنَ في سنٍ مبكرة ...!
لقد كان معدل الوفيات بين الأطفال يسجِل نسبا عالية في النصف الأول من القرن العشرين، أما اليوم بفضل الله أولا وتوفر الطعوم والرعاية والعناية الصحية ثانيا، تكاد تكون نسبة الوفيات بين الأطفال في مجتمعنا الفلسطيني والعربي تقترب من الصفر .. بفضل الله ..
فهل نقدر معاناة امهاتنا وآبائنا في تلك المرحلة وحجم العذابات التي واجهنها الأمهات في رعاية أطفالهن في ظل أوضاع صحية واقتصادية متدنية ..
رحم الله امي وجميع الأمهات المتوفيات وحفظ من هُنَ على قيد الحياة وجَزى الجميع منهنَ خير الجزاء من أمهات ذلك الجيل لما لقينه من عناء وما بذلنه من جهد في الرعاية والتربية في ظروف لا شك في صعوبتها ولا تقارن بظروفنا المعاصرة اليوم ..!
د. عبدالرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 17 /12 / 2019م
بقلم د. عبدالرحيم جاموس
كنا ثلاثة أطفال أنا وشقيقاي الأكبر مني أحمد والأصغر مني جميل قد داهمتنا الحصبة في شتاء العام 1957م...
لقد تكتمت الوالدة حينها على الخبر والزمتنا البقاء في داخل البيت طيلة فترة الحصبة ومنعتنا من الخروج إلى الزقاق .. والبستنا ما توفر لها من الملابس الصوفية واثقلت علينا الأغطية الصوفية أيضا، خوفا من البرد الشديد الذي وافق مربعنية ذلك العام، ولإعتقادها أن التدفئة هي أهم وسيلة لمكافحة الحصبة...
وعندما نفيق من النوم كان الشاي الفاتر مُراً يكون حاضرا لتمسح به عيوننا المغلقة بالقذا وتغسل به وجوهنا وايدينا تعقيما لنا وحماية من فايروسات الحصبة الفتاكة..
الوالدة رحمها الله معذورة في إجراءاتها الصارمة التي أخضعتنا لها طيلة ايام ظهور أعراض الحصبة علينا..
لأن الحصبة اللعينة كانت قد أفقدتها أربعة من أطفالها في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي علي عن عمر ثلاث سنوات وفاطمة عن عمر سنتين .. وفي نهاية الأربعينات مع سنوات النكبة الكبرى فقدت الطفل سليم عن عمر سنتين والطفل عبدالرحمن أيضا عن عمر سنتين وذلك في سنوات 1947و1948م على التوالى .. فكانت بالفعل تخشى الحصبة أن تذهب بنا ... مثل ماذهبت بأشقائنا الأربعة السابقين ...
ومما كان يؤلمها قول احدى جاراتها التي لم تنجب سوى ابنتين فقط (والله ماني عارفة لليش أم الكامل بتتغلب بتحمل وبتخلف وبعدين بتيجي الحصبة وبتوخذ منها أولادها)...
طبعا الغيرة النسوية واضحة في قول تلك الجارة...
ولكن هذه الخشية من جانب الوالدة على أطفالها، لها مايبررها حيث كنا ثلاثة أطفال يفصل بين الواحد والآخر منا سنتين فقط ..!
وهكذا فقد انجبت الوالدة إثني عشرة طفلا ذهبت الحصبة بأربعة منهم ثلاث ذكور وانثى، وبقي لها ثمانية صمدوا وتحدوا الحصبة ستة أبناء وبنتين ...
نعم الحصبة في النصف الأول من القرن العشرين كانت مخيفة وعدوا للطفولة .. في ظل غياب العناية الصحية اللازمة، وتدني الوعي بالتعامل مع مثل هذه الحالات فكان كثيرون من الأطفال يقضون جراء ذلك ...
ولذا كانت جميع الأمهات في ذلك الزمن يخشين أن تأخذ الحصبة أطفالهن منهنَ في سنٍ مبكرة ...!
لقد كان معدل الوفيات بين الأطفال يسجِل نسبا عالية في النصف الأول من القرن العشرين، أما اليوم بفضل الله أولا وتوفر الطعوم والرعاية والعناية الصحية ثانيا، تكاد تكون نسبة الوفيات بين الأطفال في مجتمعنا الفلسطيني والعربي تقترب من الصفر .. بفضل الله ..
فهل نقدر معاناة امهاتنا وآبائنا في تلك المرحلة وحجم العذابات التي واجهنها الأمهات في رعاية أطفالهن في ظل أوضاع صحية واقتصادية متدنية ..
رحم الله امي وجميع الأمهات المتوفيات وحفظ من هُنَ على قيد الحياة وجَزى الجميع منهنَ خير الجزاء من أمهات ذلك الجيل لما لقينه من عناء وما بذلنه من جهد في الرعاية والتربية في ظروف لا شك في صعوبتها ولا تقارن بظروفنا المعاصرة اليوم ..!
د. عبدالرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 17 /12 / 2019م