فالج لا تعالج

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
فالج لا تعالج
(قراءة خاطفة في المشهد السياسي الفلسطيني)
كلنا يعرف مجريات الواقع السياسي و يدرك أن ثمة أسرارا خفية وملابسات تحيط بالقوى الفاعلة تستلزم حنكة سياسية وخبرة يستغلها المزايدون و يتخذونها تكئة للعبث بمصير شعبنا في فلسطين ضاربين صفحا عن المصلحة الوطنية، و هذا ما فعاته و تفعله بعض الفصائل على الساحة الفلسطينية.
أصبحت قضيتنا الوطنية و القومية والدينية ( قضية فلسطين) محورا للمزايدات في الساحة الفلسطينية ؛ الأمر الذي يفرض علينا و نحن الجيل الذي ظل طيلة حياته في أتون الصراعات يكتوي بنارها و يعاني من حر لظاها ؛ فقد اندلعت الثورة 1965 و وجد فيها الناس أملا يداعب أحلامهم حين كان الطهر و إنكار الذات و الإقبال على الموت أهم ما تحلّى به شباب الثورة في الكرامة والأغوار والأحراش وفي عمق الداخل يؤازرهم و يشد من عضدهم أبطال الجيش العربي الأردني، و لم يرق ذلك للكثيرين ابتداء من الأعداء الظاهرين و الباطنين في الداخل وانتهاء بالمتربصين الذين يرقبون المشهد من الخارج.
في الداخل والخارج فتحت مكاتب المقاولات للمتاجرة بدماء شبابنا وعملت على تقويض حركة المقاومة بافتعال الصدام فيما بينها أولا ، ثم بينها وبين من يعضدونها في الجيش العربي الأردني ثم تم تفجير الفتنة الكبرى عام 1970 و تقويض أركان المقاومة التي اشتدت و باتت تهدد الكيان المغتصب ، فعملوا على تدمير الوحدة الوطنية في الأردن و زرع الكراهية بين أبناء الشعب الواحد ، ونقلوا ساحة المعركة من الخارج إلى الداخل فأشعلوا حرائق لا تكاد تنطفئ حتى هذه اللحظة .
ولابد من إجراء دراسات معمّقة تتجاوز المعالجات السطحية والاجتهادات و الشعارات و المواقف المسبقة و المصالح الحزبية و الفردية و العنصريات المقيتة المتخلفة ، ولعل أهم الأسئلة التي ينبغي الإجابة عنها تتمثل في الآتي :
- ما االسبب وراء الطفرة في عدد المنظمات التي انضمت إلى المقاومة بعد اندلاعها على يد الحركة الأم (فتح)؟
- ما حقيقة هذه المنظمات و ارتباطاتها و مواقفها وتكاثرها بالانقسام كالأميبا ، ولوكانت صادقة لماذا لم تنخرط في حركة المقاومة الأم ، ولماذا تعددت مرجعياتها و مصادر تمويلها ؟
- ما الذي يفسر مواقف الجبهة الشعبية و الديمقراطية بوصفهما أكبر جبهتين بعد فتح في الحركة الوطنية ؟ وقد نجما عن صدع هائل في حركة القوميين العرب ، وشهدت و أنا طالب في ستينيات القرن الماضي ما حدث من تصفيات بين الجبهتين طالت الأرواح أحيانا ، وقد كانا عماد حركة اليسار القومي رديفا لحركة التحرير الوطني و نصيرا .
ماذا طرأ عليهما ؟ و ما التغيير البنيوي الذي أعاد هيكلة توجهاتهما؟ ؟ و نحن لا ننكر تاريخهما النضالي ولكن لنا أن نتساءل : هل كانت تصرفاتهما بريئة و عفوية منذ أن رفعوا شعارات مستفزّة تخرج عن النهج الوطني المستقل لتستفز الدول المضيفة و تؤلبها على حركة المقاومة من مثل شعار (كل السلطة للمقاومة) و (مطار الثورة ) الذي حرّض العالم كله على الثورة الفلسطينية وكان مدخلا لتصفيتها في الأردن ، إلى كشفها لظهر الثورة في كل معاركها خارج الوطن و آخرها ما حدث في روسيا حينما رفضا التوقيع على وثيقة تحمل إقرارا بشرعية تمثيل المنظمة و اصطفافها غير المعلن إلى جانب حركة حماس و الجهاد وحيادها السلبي إبان فتنة الانقسام وربما تجاوزوا ذلك إلى ملامسة سقف التواطؤ لصمتها وسلبيتها إبان الأحداث ، وكان يمكن أن تقوم بالحيلولة بين حماس و ما قامت به مما تسميه حسما عسكريا و تقلل من خسائره على الأقل ؛ و لكنها آثرت الصمت و اصطفت إلى جانب الانقسام على نحو غير معلن ، إن هذا الموقف من الجبهتين و من بعض المنظمات الأخرى موقف انتهازي سيحاسبهم عليه رب العالمين ويسجل عليهم التاريخ هذا الخذلان المبين ، و مازال هذا الموقف مستمرا يتمثّل في التخلى عن حضور المجالس الوطنية و المركزية و ممارسة المعارضة داخلها دون تشتيت للصف الوطني ، وةقد استروحنا شيئا من الأمل في موقفهم من الانتخابات ونأمل ألا ينكصوا على عقبيهم
إن اليسار الفلسطيني لم يتوافق مع الخط الوطني منذ أن حدثت الهزة التاريخية التي أسفرت عن اصطفاف بعض كوادر فتح إلى تبعية مشبوهة بعد خروج الثورة من بيروت نتيجة لتدخل خارجي حيث ذهب كل زعماء هذه الفتنة و بقيت فتح على الرغم من التجنح الذي قاده ثلة معروفة من أصحاب العلاقات الخارجية وكأنهم لم يتعظوا بما حل بالانفصاليين ابتداء من أبو نضال وليس انتهاء بالمارقين الجدد .
أما الجهاد فلها قصة أخرى ؛ فإذا كان الشباب المقاتل يتمتع بالنقاء (الجود بالنفس أقصى غاية الجود) وشبابنا المنضوون تحت لوائهم من الفدائيين الأنقياء فإنني أتساءل عن نشأة هذه الحركة و رايتها وارتباطاتها و تمويلها ومؤازرتها لفتنة الانقسام وضربت عرض الحائط بقول الله تعالى : (و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله (آية 8 من سورة الحجرات ) ثمة شواهد على انتهازيتها على الرغم من تاريخها الصراعي مع حركة حماس ومعارك الجنازير التي دارت بينهما في المجمع الإسلامي ما زالت شاهدة على ذلك .
هل هي حركة وطنية أم عميلة تشهد عليها رايتها السوداء و أفعالها الموجهة المرتبطة بخارج الحدود وتمويلها الذي يتدفق علانية من دولة معروفة بأجندتها في المنطقة وهي ليست أجندة وطنية ، لها برنامج مرتبط بخارج الحدود، على شاكلة حزب الله الذي يجاهر علانية بارتباطه العضوي بإيران تمويلا و تسليحا سياسيا و اقتصاديا وعقديا وتبعتها حماس في هذه الارتباطات البراجماتية و التزلف لمن يدفع . تنصر من يعادي الحركة الوطنية وتحرك مقاتليها وفق مصالح من يموّلها حتى و لو أدى ذلك إلى تبرير الحروب المدمرة على القطاع الحزين . آن الأوان لنرفع الغشاوة عن الخطابات المائعة التي تحشر من هب و دب ضمن الحركة الوطنية وتعلق على صدره وسام المقاومة.
أما حماس فلها قصة أخرى ، سمحت لها فتح بحرية الحركة حين كانت السلطة بيدها في غزة قويت شوكتها وبدت ذات ثقل عسكري و تنظيمي تستعرض الجيوش في ساحات غزة إبان وجود السلطة فعملت على إحلال نفسها محل فتح واستقطبت من استطاعت من كوادرها و نخرت كالسوس في مفاصلها و أعملت القتل في رقاب البعض الآخر ، وعملت على إشاعة الانفلات الأمني في القطاع يؤازرها من شكّل فرق الموت و خرج على الصف الوطني وبلغت به الانتهازية أن يترك القطاع ويكشف ظهر الحركة الوطنية من رفاق السلاح وقادة الحركة التي ينتسب إليها وقد أدانه التحقيق وفصل إثرها من الحركة ؛ فإذا به يتحول إلى حليف استراتيجي لحماس ويمدها بالمال ويؤازرها إعلاميا (استمعوا إلى اللقاء الأخير الذي أجراه معه الإعلامي المعروف عمرو أديب) و كأنه يطرح نفسه زعيما وهو الذي أدين وعري و كشفت أوراقه جميعا ، لقد عملت حماس على اختراق صفوف فتح وث الفرقة بين أبنائها بالدسائس و التآمر ، وهي التي أصاب بعض كوادرها الترهّل بعد أن انتقلت إلى الداخل و عششت في أذهان البعض أوهام الحكم فاخترقتها حماس بحس نفعي لا يحتكم إلى أي مبدأ، وكان طبيعيا أن تفوز في الانتخابات بعد أن نفّذت استراتيجيتها القائمة على الترويج لمبدأ( فساد السلطة و حركة فتح ) وها هو الزهار يعلن ذلك على الملأ : فزنا على فتح تحت شعار فساد السلطة وساعدها في ذلك بعض الطامعين و الطامحين من القليل من المحسوبين على قيادة فتح من الانتهازيين - وهذا يحدث عادة في كل الحركات الكبرى عبر التاريخ و هم علة العلل و أسّ الداء و البلاء عملوا على شرذمة الحركة مستغلين أوضاع الاحتلال ومطامع حماس .
والآن خرّبوا غزة و وقفوا على أطلالها و حين استشعروا ما حلّ بالبلد من دمار و تجويع و هجرة الشباب وتحويل جزء كبير منهم إلى معوّقين وأجبرتهم على ابتكار ألوان من التسول آخرها التسول الإلكتروني، ورأوا أن الانفجار قادم افتعلوا قصة مسيرات العودة الكبرى ، لقد قالها رئيس مكتبهم السياسي بالفم الملآن : كانوا ينتظرون أن تنفجر هذه المسيرات في وجهنا فانفجرت في وجه العدو ، أو ماهو بهذا المعنى .
ولكن الشعب لم تنطل عليه الخدعة فانتفض في وجههم (بدنا نعيش) و لكنهم بطشوا بهم و لم يرعوا فيهم إلّا و لا ذمة وقالوا بالفم الملآن سنكسر أيديهم و أرجلهم كما فعلوا في انقلابهم الأسود وحطموا أرجل المئات من شباب فتح (انظروا ما كتبته الدكتورة رهف حنيدق أستاذة العقيدة في الجامعة الإسلامية و وجهتها إلى أ.د صالح حسين الرقب و أ.د عطا الله أبو السبح و أ.د رياض قاسم ورابع تحفظت على اسمه وقال لها يجب أن نكسر يدي و قدمي كل من خرج في الحراك ) والآن يتبارى زعماؤهم في الهجوم على أوسلو وتجريم من عقدوا الاتفاقية ، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم أول من عملوا على إفشالها دون رؤية استراتيجية تطرح البدائل ؛ بل للأسف كانت رؤية تدميرية فحسب ، قاموا بعمليات انتحارية عشوائية انتهت بالجدار الفاصل و فشل التحركات ؛ بل إنهم أعاقوا تسليم باقي الضفة للسلطة فكلما كان هناك موعد للتسلم قاموا بعملية انتحارية فخلطوالأوراق إلى أن ضربو ضربتهم القاضية في شارع محنا يهودا في عمليات ثلاث انتهت بمحاصرة الزعيم الراحل أبو عمار واستشهاده ؛ و إذا بهم يهدؤون فيصمتون.
سيقول قائلهم حاصرتنا السلطة و نسوا أن العدو هو الذي حاصرهم بالفعل لعشوائيتهم و لعدم التزامهم مع السلطة و عملياتهم العشوائية و نشر الفوضى ، فقد كانت هناك اتفاقيات و التزامات مع العدو كان ينبغي أن تحترم حتى بالمقياس الإسلامي ؛ ولكنها الانتهازية السياسية و العقلية التي تفتقر إلى الخبرة و الذكاء .
لقد كان واضحا لكل ذي عينين أن هناك فريق من الصهاينة كان يرى في اتفاقية أوسلو بداية النهاية للكيان المسخ لأن أي حركة عسكرية تتراجع سوف تنتهي وقد أوضح لي هذه الرؤية صديقي الشهيد عثمان أبو غربية ، و لهذا اغتال اليهود رابين الذي ورطهم في هذه الاتفاقية التي لولا عشوائية حماس لانتهت إلى ما كنا نأمل ولكن عمليات حماس الانتحارية نحرت المشروع الوطني و أفشلته . ولكن كثيرا من المحللين يتغافلون عن هذه الحقيقة التاريخية و يتساوقون مع خطاب حماس التشهيري و التضليلي بوعي أو بدون وعي .
كانت الرؤية بالنسبة لأوسلو أنها ستنتهي إلى زرع كيان فلسطيني رسمي في داخل الوطن وأن إقرار العدو بوجود هذا الكيان بداية للتقهقر الاستراتيجي للحركة الصهيونية ؛ وأي حركة عسكرية تبدأ بالتراجع ستنتهي حتما كما سبق ؛ ولكن حماس بعملياتها العشوائية أفسدت هذه الرؤية وانتهت إلى قتل رابين وهذا شاهد على استشعار اليهود لحطر السلام مع الفلسطينيين و وجدوا مبررا قويا هذه الفعلة بما تقوم به حماس وعدم رغبة الفلسطينيين في السلام .لقد دمرت حركة حماس كل منجزات السلطة بعملياتها ىو عشوائيتها وانتهازيتها فأثرى زعماؤها وقادتها و خلب ألبابهم بريق السلطة و صدقوا أنفسهم أنهم أقاموا دولة و هم محاصرون يستعرضون قواتهم تحت سمع و بصر الزناّنان الإسرائيلية ، ودفع أهلنا في غزة آلاف الشهداء دون مبرر، فكانت الحروب الثلاثة التي أهلكت الحرث و النسل و تحولت إلى انتصارات إعلامية صنعتها الاحتفالات تنقلها فضائيات لها أجندتها المعروفة . ورأيناها منذ عهد قريب تقوم بأكبر عملية مسرحية في التاريخ عبر ضرب الصواريخ دون إحداث ضرر وترويج الدعاية عن الهلع الذي أصاب سكان مستعمرات غلاف غزة ومن ذلك ضرب الشاحنة الإسرائلية بعد أن أفرغت حمولتها من الجنود الإسرائليين و لما سئلوا لماذا لم تضربوا بجنودها عللوا ذلك بخوفهم من الانتقام الإسرائيلي فأين المقاومة إنهل لعبة أتقنها الطرفان ثم رأينا كيف تخات عن حليفاتها الجهاد في الحرب الأخيرة التي اغتالت فيها إسرائيل أحد زعماء الجهاد وفق تفاهمات مبرمة لم تخف عن كل ذي عينين.
انظرو إلى عنتريات فتحي حماد الذي تساوق معه السنوار أخيرا وزعمه بأنه سيتم تحرير القدس و أنهم يمتلكون صواريخ سيصدرونها لمن يطلبها من الدول العربية.
أبعد هذا نطلب من هؤلاء أن يخوضوا الانتخابات و أن يسلموا بنتائجها بعد أن عاثوا فسادا في البلاد و العباد وهجروا شبابنا و سببوا لهم الإعاقات وضربوا أبشع مثل في المراوغة و الكذب وهم الأدعياء الذين أرادوا أن يسرقوا الثورة وأساءوا إلى زعيمها القائد الشهيد حين منعوا الاحتفالات في ذكراه.
هبوا واستفيقوا أيها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب لن يسلموا بنتائج الانتخابات إن أجريت وهم يراهنون على إمكان عدم موافقة إسرائيل على إجرائها في القدس ليتهموا فتح بعدم الرغبة في إجرائها.
أقول لكم : فالج لا تعالج
أ. د. محمد الشنطي
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences