احتجاجات غزة الشعبية
الشريط الإخباري :
حمادة فراعنة - على الطريقة اللبنانية، ولنفس الدوافع السياسية الاقتصادية، ولنفس السبب المباشر، دعا مجموعة من شباب قطاع غزة إلى حملة مقاطعة ضد شركات الاتصالات التي عملت على رفع أسعار البطاقات المدفوعة سلفاً، مع خفض دقائق المحادثات إلى النصف عما كان عليه الوضع قبل عام.
دعوة شباب غزة إلى إغلاق هواتفهم لمدة ساعتين من الثالثة إلى الخامسة مساء بدءاً من يوم الثلاثاء 17/12/2019، احتجاجاً على رفع أسعار الاتصالات، في محاولة لتحريك الشارع والمواطنين على إجراءات التفرد وسياسات النهب المتفق عليها من قبل الأطراف المتعددة: 1- شركات الاتصالات العاملة في قطاع غزة، 2- وضد الاتفاق والتفاهم غير المعلن كما يقولون بين طرفي النهب «سلطتي رام الله وغزة « فكل منهما يأخذ حقه من الضرائب المفروضة، بمعنى أن المواطن الفلسطيني في قطاع غزة يدفع ضريبتين واحدة لسلطة رام الله والثانية لسلطة غزة إضافة إلى أرباح شركات الاتصالات مما يزيد من كلفة الخدمة، ويدفعها المواطن المثقل بالهموم والحصار وضيق الحال.
منذ قرار الحسم العسكري الذي بادرت إليه حركة حماس في حزيران 2007، وأهل غزة «يعانوا الأمرين» كما تقول مفرداتهم، فقد تخلصوا من الاحتلال بفعل نضالهم مع سائر شعبهم، ولكنهم لم يتذوقوا طعم الحرية لا الشخصية ولا العامة، كان نضالهم ضد الاحتلال واضحاً شجاعاً سجلوا فيه المبادرات الكفاحية، ولكن أمام السلطة المحلية، سلطة حماس ينتابهم التردد وعدم الوضوح، فالذين يفرضون الأمن ويختزلون الحرية ويصادرون حقوق الناس في القول والاحتجاج كانوا رفاقهم في خنادق مواجهة الاحتلال، وفي زنازينه ومعتقلاته مما يجعل دوافع الاحتجاج وسلوكه مُقلصاً محدوداً، لدى عامة مواطني غزة التي انحسر عنها الاحتلال وباتت قواته خارج القطاع، وفرص الصدام معه غير واقعية كما هو الحال مع مسيرات العودة غير المتكافئة بالفعل والنتيجة.
مبادرة مقاطعة شركات الاتصالات لمدة ساعتين ظاهرة وإن كانت محدودة، ولكنها ثغرة متوفرة لاستعادة الفعل الجماهيري الواقعي إزاء حالة الضغط والفقر، وفي مواجهة التفرد والأحادية التي تُسيطر على قطاع غزة، وسيبقى الوضع كذلك وسيتفاقم طالما أن الوضع الاقتصادي الاجتماعي مأزوم، والوضع السياسي منفرداً، بدون شراكة وطنية من قبل القوى السياسية التي لديها الاستعداد والرغبة والحق في المشاركة في مؤسسات صنع القرار عبر الانتخابات في البلديات والنقابات ومجالس طلبة الجامعات وغيرها من مؤسسات العمل الجماهيري.
لقد سعى شباب غزة لمبادرة «بدنا نعيش» وتم قمعهم بقسوة في شهر أذار، وقبلها سعوا لمبادرة مسيرات العودة، كي تكون مدنية وسلمية حقاً، فتم خطفها من قبل سلطة غزة وتجييرها لصالحهم وتكتيكاتهم وغدت سلاحاً بيد حماس للسير في برنامج الانفصال عن الضفة الفلسطينية الذي تُغذيه حكومة المستعمرة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة ليكون مشروع الحل دولة فلسطينية في قطاع غزة.
التداخل الاقتصادي الاجتماعي مع السياسي حصيلة وعي وتطور وتقدم في فهم الناس لاستعادة حقوقهم المنهوبة كمواطنين يستحقون الحياة، وما حصل ويحصل في لبنان والعراق والجزائر والسودان إنما هو حصيلة هذا الوعي المتراكم من استمرارية الظلم والسرقة وفقدان حق المشاركة في مؤسسات صنع القرار، وإذا لم تدرك حماس أن لديها مهمتين أولهما حق الناس في العيش الكريم في قطاع غزة، بعد أن نجحوا في طرد الاحتلال، وثانيهما حق الناس في الحرية والاستقلال بالضفة الفلسطينية بعد زوال الاحتلال، وخلاف ذلك، وبدون فهم المهمتين واستحقاقاتهما لن يكون لها الدور الذي حصلت عليه بفعل النضال وبفعل الانتخابات.