صوامع الفكر .. وقدُّ غزة المذهلة
الشريط الإخباري :
د. بكر أبوبكر
يتساءل الكثيرون الغائبون عن وعيهم، المتلفعون بأردية الدم والإقصاء والنكوص، يتساءلون لم تنتصر غزة للفتح؟ فيتوهون بالتحليل، ولا يدركون أن انتصار غزة للفتح انتصارٌ للذات الرحبة.
وانتصار للرحمة والوعاء الجامع.
وانتصار للمساحات المفتوحة التي ترفض الانغلاق وتِجارة الأحجبة والتمائم والسدود.
غزة تنتفض لفلسطين.
لأنها ما أشارت يومًا نحو أي بلد آخر أو محور آخر غير محور فلسطين.
غزة المذهلة علِمت أن المحور الذي تدور حوله الدنيا هو محور فلسطين فهي الشمسُ، وكل الأقمار والكويكبات ما تدور الا حولها.
ومن تصَنّعَ شمسَهُ غيرها فسرعان ما تأفل!
الفتحُ صيرورة تاريخية، وسحابٌ ماطر، وما هي بدخان ولا سحابة صيف
غزة انتصرت للحرية.
غزة هي ذاك الجزء من فلسطين الذي احتفظ برِقّة أقدام الهاشميين وأنفاسهم الجليلة، ولقيت احتفالاتهم وشجونهم، وهي التي أنجبت العظماء من الإمام الشافعي وصولا لياسر عرفات واخوته، وما بينهما خلق كثير وقادة عظام.
غزة لم تخرج عن بكرة أبيها إلا لأنها جميلة، وذات قَدّ ميّاس يخلبُ الألباب.
غزة تعرف الخيار، وتعرفُ أن البوصلة المتجهة نحو فلسطين أبدا هي بوصلة حركة فتح.
غزة التي كان شيوخها قبل صبيانها وشبيبتها يتراكضون دومًا لاحتضان صور كافة الشهداء، والاحياء المجاهدين، صور أبوعمار وأبومازن وأبوجهاد وخالد الحسن وأبوإياد، وأبوعلي مصطفى، وأحمد ياسين، وفتحي الشقاقي، واسماعيل أبوشنب، وجورج حبش، وأبوالعباس.... هي غزة التي تعشق الشهادة، ولكنها لا تنثرُ دمها على الحوائط بلا ثمن، لأنها تحب الفرح وتحب الحياة ومعها يكون القرار ويكون النصر.
لأنها غزة فلسطين فهي تعرفُ ثمن الحرية، وثمن التحرير في بحر الوطنية الجامعة وفي بحر اليعربية الواسعة، وتعرف ثمن العودة فلا شعارات فارغة مهما ضُخّمت تنطلي على غزة.
الفكر في غزة لا يأكل من قمح أؤلئك الذين وضعوا الدين في صوامعهم فقط ومنعوه عن الناس! فحملوا المفاتيح وجالوا يعرضونها للبيع!
بل وطفقوا يقدمون الدين للناس مع صِواع (مكيال) الملك، وكأن الله سبحانه وتعالى قد نصّبهم على قوت الناس، وعلى دين الناس وعلى عقل الناس وعلى أفئدة الناس وما كل ذلك الا لله وحده.
غزة المنطلِقة المنبثِقة المنعتقة من نير الظلم، ظلم الاحتلال وظلم ذوي القربي تعرف الطريق جيدا فلا تقلقوا، ولأنها تعرف الطريق فهي تفهم السُبُل أي التعددية فلا ترفض أحدا.
غزة كما كل فلسطين تتقبّل وتتفهّم وتعترف وتؤمن، وتضم وتسامح حتى الإبن الضال، وحتى أولئك الذين أشبعوها شتما وضربا وكذبا، ومافازوا بالإبل! وكأنهم يحتكرون عقيدة غزة أو عقيدة فلسطين، أو جهادها ونضاليتها التي سبقت هؤلاء وأولئك.
دعم يتساءلون، واتركوهم يتعجبون، ودعوهم في غيّهم يعمهون.
غزة المُذهلة في حضن فتح الكثير، أو في مدرسة فتح رِتاج المستقبل، تثير في أعالى السماء فكر الذهول والانبهار، بل وتثير لدى البعض الصدمة والزلازل، ويتعقّد أمام ثورتها المصفّقون والمتعنتون والمصفّرون.
المنذهل من عاصفة الفتح في غزة ارتجت تحت قدميه عقيدته الفاسدة حتى سقط عنه رداؤه، بعد أن فغرَ فاهُ، وتكاثفت في صدره غيوم الغضب، شاهت الوجوه الكالحة.
غزة لا تقبل المضي مع العقليات الانسحابية، العقليات الماضوية، العقليات السلطانية، العقليات المتغنية بأمجاد مضت وكانهم يعيشونها وهم في مستنقع النتانة يغوصون.
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164]
قال الله عز وجل بالآية الكريمة في رسولنا الكريم أنه (منهم/منّا نحن المؤمنين) وقد (بعثه هو عليه السلام) (مِنّة أي هبة ونعمة لنا) وهو (معلمنا)، وليس لغيره إدعاء ما لم يكن للرسول أصلا من رقابة على عقل وقلوب وأرواح الناس، وكأنهم هم المِنّة أوالمبعوثين أومعلمي الحكمة! وكأن غيرهم من المؤمنين في ضلال مبين؟!
حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح التي انطلقت اليوم في فلسطين، ومن غزة، كانت تحمل على أكتافها عبء فلسطين كلها، فلسطين المحررة، فما كانت غزة الا قطعة أثيرة من الوطن فهي خاصرته التي تضم الكبد والكلى، ومن يعيش بلا كبده؟
غزة التي انشق أمام فيضانها سِتر الليل، وبان مع مضاء أبنائها نور أطفالها الذين كانوا بالأمس يلعبون ممنّين النفس بغدٍ أفضل فجاءوا ينتصرون للغد الأفضل.
غدهم مع الرحابة والاحتضان والسِّعة والديمومة في بستان فلسطين بستان الثورة بستان حركة فتح.
غزة تشبه فلسطين وفتح تشبه فلسطين، والشبه يزول بين الأبعاض وفتح أو بينهم وفلسطين حين يتقمص بعض قادتها دور المرشد، أودورالمعلم الأوحد، أو دورالنبي أو دورالسلطان، أو دورالأستاذ الذي يحمل بيمناه العصا وبيسراه كِسرة الخبز.
لم تخرج غزة الى نور فتح ألا للشبه الكبير الى حد التطابق بينها وبين فلسطين بينها وبين فتح.
غزة التي فهمت الرحابة حريّة ومحبة ورحمة وقرار وبدائل، وفهمت الرحابة رفضا لقمع العقول، ورفضا لوضع الحراس على قلوب الناس يفتشون فيها لعلّهم يجدون نبضات قلب لا تحتاج مدح المادحين فهي تنبضُ باسم فلسطين فقط أي باسم فتح، فتلفظ الظلاميين الذين يكتمون فيها الأنفاس وتسودّ وجوهم الى يوم الدين.
غزة لا تموت، لأنها بنت فلسطين وكبد فلسطين ، وهي قامت من بين الأموات، أموات العقل والروح من القلّة فيها، كما في كل مرة لتثبت أنها في مؤاخاة مع حيفا والنقب وبيسان ورام الله ونابلس وبيت لحم والخليل وبئر السبع والقدس.
غزة التي لم تخُض امتحانا الا وسجلت العلامة الكاملة فيه، وظهرت متفوقة.
هي غزة الأمل المسعود، وفيها اللواء المعقود، ومنها تنطلق كتائب الجنوب نحو القدس مكللّة بالغار، وصيحات النصر بإذن الله.
في فلسطين وفي القدس وفي غزة وكل الوطن ستندثر شعارات الظلاميين، والمرتكسين، وأدعياء الدين المغمس بدم الناس وأعاجيب الدروايش الخيالية كما خرافات التوراة.
غزة تدوم، فالفتح ديمومة، وفلسطين شمسٌ تدور حولها الكواكب، وهم الى بياض وجهها ورقة يديها وجمال قدّها سيظلّون حائرين!