كوابيس محمد شحرور
الشريط الإخباري :
فارس الحباشنة - قبل قرابة اسبوع رحل المفكر السوري المثير للجدل محمد شحرور. وترك ارثا فكريا ونقديا غزيرا في تفسير القرآن والظاهرة القرآنية وتجديد اصول الفقه الاسلامي، واستأنف في مشروعه الفكري-النقدي اجتهادات سابقة لمفكرين مثل محمد اركون ومحمد عبد الجابري ونصر حامد ابوزيد.
مشروعه وافكاره حملت جدلا واسعا، وانفتح مزيد من الجدل بعد اعلان وفاته، وتباين الاراء، فهناك من ذهب الى تكفير شحرور، واعتبروه خارجا عن رأي الجماعة ، والصواب الديني، وان افكاره كافرة، ولا تمت بأي صلة بالسنة والنص الديني المقدس.
ولربما أن حملة التشويه والاساءة التي انفتحت على الراحل بعد اعلان وفاته ما دفعتني الى التوقف هنا للكتابة عن شحرور. المثقف والمفكر والمجتهد في العالم العربي يقتل مرات كثيرة، محاولات القتل المعنوي لا تنقطع حتى بعد موته.
شحرور رفض تجميد النصوص، ودعا الى فتح مساحة ضرورية بين العقل والاجتهاد وتأويل النصوص الدينية. في كتابه «القرآن والكتاب» قدم اطروحه متقدمة في تفكيك النص القراني، ونعت بانه مارتن لوثر الاسلام، وابن رشد القرن العشرين، لمحاولته استخدام ادوات ومعاول عقلانية ومنطقية في قراءة النص الديني بعيدا عن سلطة النقل المأثور .
شحرور لم يدرس العلوم الدينية في الازهر والزيتونة وام القرى، خريج هندسة من جامعة دبلن الروسية. في الحقل الديني سياسيا واجتماعيا، فان ثمة جماعات من حملة توكيل الفتاوي يرفضون استعمال العقل والاجتهاد الا لتثبيت سلطتهم.
وهذا ما نسمعه من سيل فتاوى تكفر فلان وعلان، وتصدر احكاما مسبقة اتهامية خروج عن الشرع والتكفير والحلال والحرام، والزندقة والالحاد، لمجرد ان حامل رأي اجتهد في فكرة واعادة قراءة نص ما.
الناس تخاف، وتشعر بالرعب اذا ما ارتبط الامر بالدين. وهناك مستغلون للدين، ويحاولون أرهاب عقول وقلوب الناس، ويوظفون الدين لمصالحهم، والسكوت عن سياسات الظلم والفقر والجهل، وغياب للعدالة.
خطاب الاصلاح الديني ولد عشية هزيمة 67، وذهب مفكرون كان من أولهم محمد عابد الجابري الى تأسيس مشروع فكري يحفر في الثابت الثراتي الاسلامي من جذوره. واستعمال ادوات جديدة للتفكير في التراث، ونفض الغبار المتكدس على اوراق ومراجع التراث الاسلامي. وطرح اسئلة عمقية في علاقة الدين والمجتمع.
مشروع تنويري، ولربما أن الفكرة في اصلها اعادة قراءة المسكوت عنه في تفاسير النصوص الدينية. والفتاوى والحجج المستقرة والتي اكتسبت سلطة ومشروعية، وفتح باب الاجتهاد يقدم اجابات عن كثير من التحديات التاريخية التي تواجه الاسلام اليوم.
وفي كتابه «تجفيف منابع الارهاب» قدم شحرور تصورات تنويرية عن الجهادية في الاسلام، والحرب والقتال والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء. وفي جوهرها اجابات عن اسئلة حول ارتباط الاسلام بالارهاب، وهل ان الفقه الاسلامي الماضوي يلائم الانظمة السياسية؟ وهل القضاء على الجماعات الارهابية كاف بمكافحة الارهاب؟ ام ان جذور الارهاب في امهات كتب التراث.
حقيقة اصدم كثيرا عندما يتم تكفير مفكر ومثقف عربي. وأصدم اكثر عندما يهاجم مفكر دون قراءة كتبه. شحرور حامل لمشروع وقراءة نقدية للظاهرة الدينية، شخصيا أنا من اكثر المهتمين في الحقل الديني، وارى ان ثمة ضرورة تاريخية ملحة لاعادة تجديد الخطاب الديني واصلاحه.
سجالات المسألة الدينية تتحول من بحث عن افكار تنويرية واصلاحية الى معارك رموزها تكفير التفكير، وحرب بين الحرية وعقلية الفتيش. وما اردت هنا مشاركتكم بافكاري، ولا انهي كلامي مؤكدا بانه لا احد يملك سلطة لتكفير الاخر، ولو ان سجالاتنا الثقافية والفكرية والسياسية تخلومن الاتهامية والتكفيرية والافكار المعلبة والجاهزة.
نفكر لاننا نحب الحياة، ونفكر لاننا نحب الحرية، والحرية مطلب فردي وجماعي.