تطوير المناهج: كي لا نسير للوراء

{clean_title}
الشريط الإخباري :   خلال الأسبوع الماضي، تسنت لي فرصة حضور جلسة تعريفية حول الكتب المدرسية الجديدة بدعوة من إدارة المركز الوطني لتطوير المناهج، وبحضور مجموعة من الكتاب الصحفيين، جرى خلالها إطلاعنا على أبرز ملامح عملية التغيير الجارية، والتي بدأت بالفعل بإنتاج كتب منهجية جديدة لمادتي الرياضيات والعلوم للصفين الأول والرابع، سيتم تدريسها للطلبة مع حلول العام الدراسي الجديد.
العملية من المفترض أن تتم على مراحل، خلال مدة قد تمتد إلى خمس سنوات، وفقا لما بينته مديرة المركز الأكاديمية والتربوية القديرة د. ربى البطاينة، التي قدمت عرضاً بشحنة كبيرة من الحماسة والتفاؤل والثقة حول المنتج الذي أنجزه المركز وطموحاته بخصوص مخرجات المرحلة التجريبية.
قبل الخوض في التفاصيل والمحددات، لا بد من القول إن التخلص أخيرا من فكرة "تعديل” المناهج والذهاب صوب "تغييرها” وتأليف مناهج جديدة يعني أننا اجتزنا المرحلة الأصعب وهي الاعتراف بأن مناهجنا الحالية بالمجمل لم تعد مناسبة لمتطلبات العصر ولم يعد بمقدورها تزويد الطلبة بالمهارات اللازمة للمنافسة والنجاح في القرن الواحد والعشرين.
يؤكد ذلك تفسير المركز لسبب اختيار مادتي الرياضيات والعلوم للبدء بعملية التغيير، بعد ما أظهرته الامتحانات الدولية من تدن كبير في تحصيل المواد العلمية لدى الطلبة في الأردن خلال السنوات الأخيرة الماضية.
التدرج في العملية أيضاً أمر إيجابي يراعي محدودية الإمكانيات المختلفة التي تعانيها المملكة، ومن المنطقي والمفهوم أن يتم البدء بمنهاج الصف الأول، لكن أمرا أساسيا لم أجد له تفسيرا مقنعا، وهو اختيار منهاج الصف الرابع ليكون ضمن المرحلة الأولى، فهذا القفز برأيي قد لا يخدم فكرة التدرج، وقد يسهم في مخرجات سلبية للتجربة نتيجة عدم وجود أي استعداد أو تمهيد لدى الطلبة الذين أنهوا دراسة الصف الثالث وفقاً للمنهاج القائم لاستقبال المحتوى الجديد في كتب الصف الرابع.
أما بخصوص المحتوى، فلم يتسنّ لي في حقيقة الأمر الاطلاع بشكل متأن على الكتب الجديدة التي مررت سريعاً على من حضر الاجتماع، وقامت بتأليفها دار نشر بريطانية بموجب عطاء عالمي طرحه المركز، وتم بالتعاون مع لجان وطنية مختصة تعريبها وتكييفها لتتناسب مع الثقافة الأردنية.
قدمت مديرة المركز شرحا موجزا حول الأسس والمعايير التي اعتمد عليها إنشاء المحتوى، وبقدر ما كان وصفها لذلك مبهرا، بقدر ما يثير القلق حول قدرة البيئة المدرسية الحالية بعناصرها المختلفة في مدارسنا بشكل عام، وفي الحكومية منها بشكل خاص، على استيعاب هذا التجديد في فلسفة العملية التعليمية.
ركزت مديرة المركز خلال حديثها على أن نجاح التجربة سيكون مرهوناً بـ "فزعة” المعلمين حسب وصفها، ولذلك قالت بأن الشركة المنتجة متعهدة بتدريب 250 شخصا من وزارة التربية ليقوموا بتدريب المعلمين في الميدان، إلا أنني أخشى أن تكون هذه الخطوة شكلية أكثر منها فعلية، خصوصاً أن ما يفصلنا عن العام الدراسي الجديد مجرد أيام.
ورغم أنني أوافق البطاينة الرأي حول الأهمية الكبرى لدور المعلمين في العملية وبكونهم العمود الرئيس لنجاحها، لكن الأمر برأيي يتطلب ما هو أبعد من ذلك، فالمعوقات كثيرة وتتعلق بعدة جوانب منها تأهيل المعلمين، ومنها تأهيل المرافق المدرسية، ومنها ما يتعلق بالتكاليف المادية، ومنها ما يتعلق بالمجتمع وقدرته على استيعاب التغيير وصبره على مرحلة التجريب، وغيرها.
تطوير العملية التعليمية وتغيير المناهج يتطلب إرادة سياسية جادة، تسير بالعملية بصلابة وبثقة مرتكزة على دراسة متأنية وتخطيط متروٍ وتنسيق فعلي بين جميع الجهات المعنية، بعيداً عن الخطوات المبعثرة التي تستنزفنا بينما نحن لا نتخطى مكاننا، بل وربما نسير خطوات للوراء.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences