قراءة في كتاب فلسطيني : الوطن الممنوع في ذاكرة فاروق القدومي

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
عثمان محمد الأخرس 
كتاب فلسطيني من منشورات دار هبة ناشرون وموزعون , والكتاب معنون باسم - ( الوطن الممنوع في ذاكرة فاروق القدومي ) … للكاتب الصحفي سليم النجار , عدد صفحات الكتاب 242 صفحة , يتناول المؤلف في كتابه سيرة ذاتية لقائد من قيادات الثورة الفلسطينية ,هو فاروق رفيق أسعد أحمد عودة ذياب القدومي المعروف باسم ( أبو اللطف ) , والمولود سنة 1930 في قرية جينصافوط كما ورد في سيرته الذاتيه في الكتاب , وقد تسلم منصب رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية , ورئيس اللجنة المركزية لحركة فتح . وبقي فاروق القدومي موجوداً بحضوره الثقافي والسياسي , إلى أن ابتعد فجأة بعد اتفاقية أوسلو التي تم توقيعها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13 سبتمبر من سنة 1993م , حيث عارض فاروق القدومي هذه الاتفاقية , ورفض العودة مع ابو عمار إلى فلسطين مفضلاً البقاء في تونس . 
وفي تونس سجل الكاتب الصحفي سليم النجار حواره مع فاروق القدومي , ولكن ظهر الكتاب في صورة سيرة ذاتية مفصلة يروي فيها القدومي تجربته الحياتية , وقد أظهر صاحب السيرة كل ما تختزن به ذاكرته من معلومات ذات قيمة في تاريخ أعظم ثورة في التاريخ المعاصر وهي الثورة الفلسطينية . 
وعندما أمسكتُ بالكتاب وبدأتُ أتصفح به , وجدت فيه الكثير من الأحداث والذكريات والمذكرات أيضاً , ومن الصعب أن نجادل في سرد أحداث غير مرتبه في تسلسلها الزمني , ولكن تحت تأثير الموضوعات الكثيرة التي وردت في الكتاب , وجدت لزاما علي أن اقرأ بعضاً منها وفقاً للتاريخ الزمني لكل حدث وبالترتيب . وقد وقع نظري منذ البداية على مقولة كتبها الكاتب سليم النجار في مقدمة الكتاب .. 
ـ وترى من نافذة ذاكرة القدومي طيوراً تتراءى تحت ضوء القمر في فلسطين , لها أصوات ترانيم وتسابيح وتهاليل .. لأنك سترى خلالها صورة عميقة الملامح للشخصية الفلسطينية الأصيلة.
وأنا اعتبرت من خلال قراءتي لهذا الكتاب أن فاروق القدومي صاحب السيرة الذاتية في هذا الكتاب . هو شخصية فلسطينية معروفة , وأصيلة في انتمائها إلى فلسطين , لأن صورته ارتبطت في أذهان كل فلسطيني من خلال رحلته الطويلة التي امتدت لأكثر من سبعة عقود مع فلسطين , حيث كانت فلسطين بالنسبة له هي الإرث الثقيل . وهذا ما قاله في أولى كلماته … 
- بأن فلسطين الحبيبة هي إرثي الثقيل , وفقداني العظيم . 
عرض صاحب السيرة ملامح من طفولته , وأشار فيها إلى جينصافوط , وإلى يافا الجميلة التي مثلت بالنسبة له الحلم والذكريات والهواجس المرتبطة بعذاب اللجوء ومرارة فقدان فلسطين , وبالرغم من كل السنين التي مرت في حياته , إلا ان ذاكرته ما زالت قوية , وعندما تقرأ سيرته ترى وكأن كل شيء في وظائف جسمه ممكن أن يتغير إلا النسيان , فالذاكرة عند القدومي ما زالت بخير , وستظل باقية إلى أن يعود إلى فلسطين .
وقد حاول فاروق القدومي .. أن يبسط الذكريات ويعرضها على قلب مملوء بالغصة والحسرة والحزن على ما فاته من احلام الطفولة الجميلة كما قال . فالعود إلى ذكريات الطفولة , والحديث عن قرية جينصافوط ومدينة يافا , كانت في ذاكراته كلها ممزوجة بالإنسانية والحزن , وهذا يعتبر استنكاراً للظلم الذي وقع عليه وعلى أبناء جيله من الأطفال في ذلك الوقت . وقدم نفسه بقوله : أنه آن الأوان لأن أعيد ذكر تاريخ طفولتي لأنها شرعيتي الإنسانية في وطني فلسطين . 
كان فاروق القدومي قد عرف على نفسه كما ورد في سيرته , بأنه من كفر قدوم , وهو من حمولة جمعة , وله من الأخوة اثنان , الكبير شوكت , والصغير غالب , بالإضافة لشقيقته خولة , أما عن والدته فهي غصون بنت علي الحسن من حمولة شريم في قلقيلية , وأضاف أن رئاسة البلدية كانت من نصيبهم .أما دراسته الابتدائية فقد كانت في قرية جينصافوط , وهي قرية من قرى الضفة الغربية تابعة إلى محافظة قلقيلية ، وتعبر من القرى التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1967. ومن ثم انتقل إلى يافا وعمره 12 عاماً . 

ولأن صاحب السيرة استرجع مسيرته الطفولية منذ الصغر , إلا انه لم ينس الحديث عن أولى خطواته في التفكير بالمستقبل والعمل , فالمستقبل بالنسبة له في علم الغيب , ومع ذلك امتد بصره خارج حدود الوطن , فوجد ضالته وفرصته في السعودية التي كانت أولى اختياراته , فكانت الدمام هي البداية , حيث غسل فيها تعب السنين وهموم الماضي , وجلس يعمل بين الملفات , يترجم , ويحفظ الرسائل . وقد تشابهت ظروف القدومي مع زملائه من الفلسطينيين الآخرين المتواجدين معه في العمل , وهذا ما عزز العلاقة فيما بينهم . لأن ما جمعهم ووحدهم في هذه الظروف هو الحنين للوطن المغتصب فلسطين . 
والحنين لفلسطين هو أيضاً الذي وضع القدومي أمام اختياراته السياسية المتعددة والمختلفة , فقد تعرف وهو بالسعودية على الحزب القومي السوري الذي شاعت أفكاره بين فلسطيني لبنان , بالإضافة إلى حركة القوميين العرب , وحزب البعث . ولأن فاروق القدومي كانت ميوله الفكرية تتجه نحو الأمل في تحقيق وحدة الأمة العربية , انتسب لحزب البعث وهو في الدمام في العام 1950 , حيث بدا نشاطه الحزبي مع بداية عمله في السعودية حتى نهاية عام 1955 . 
وإذا كانت الذات , وتجربة العمل , والحزب , والهموم القومية تحظى بنصيب كبير عند القدومي , إلا أن هناك إبداع ونشاط آخر كان ينتظره في القاهرة , وهو التحاقه في الجامعة الأمريكية , وانتسابه إلى رابطة طلاب فلسطين , وقد تحدث عن نشاطه الفكري والأدبي في الجامعة الأمريكية من خلال الجمعية العربية التي ترأسها في سنة 1955. الى أن تخرج من الجامعة في العام 1958 وأضاف القدومي انه كان مسؤولاً عن لجنة الطالبات المنتسبات لحزب البعث في الجامعة الأمريكية وباقي الجامعات المصرية , وتحدث عن رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة , وعن أول لقاء جمعه بشباب الرابطة الذين كانوا متواجدين في ذلك الوقت , ومنهم اعضاء الهيئة الادارية للرابطة , وكان بينهم صلاح خلف ( ابو إياد ) , وياسر عرفات ( ابو عمار ) . 
ان نظرة الفلسطيني للحياة تخضع للتجارب التي يمر بها , إلا انه كان دائماً يتوقف عند لقمة العيش , فهو يبحث عنها بعيداً عن وطنه , فالوطن بالنسبة له مغتصب , ولقمة العيش دائماً ينحني إليها كل فلسطيني يبحث عن عمل خارج حدود الوطن.
وفاروق القدومي حاله حال كل فلسطيني يعيش في الشتات , فبحث عن لقمة العيش مرة أخرى , فوجدها بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية في العام 1958 في ليبيا , وعمل في مجلس الإعمار الليبي , ولكنه لم يمكث بها طويلاً , فعاد الى السعودية التي كان بها سابقاً , حيث عمل في شركة أرامكو . ومن ثم انتقل للعمل في وزارة الصحة في الكويت في العام 1962 . 
تحدث القدومي عن زيارة ابو عمار له في مكان اقامته بالكويت , وقد وصف القدومي ابو عمار بأنه كان وفياً لأصدقائه . وكان قد أشار في ص 65 إلى صفات أخرى اتسم بها ابو عمار وهو يترأس رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة .
ـ بأنه كان رجلاً متديناً , لا يقطع فرضا ، إلا انه لم يكن متعصبا أو متشددا في رأيه , أو متصلبا في مواقفه السياسية , بل كان متعاونا مع الاتجاهات السياسية في الرابطة .
وفي ص 192 - وصف عرفات بأنه كان رجلا ديناميكيا, إذا اقتنع بشيء لا يتردد في تنفيذه , لكن في نفس الوقت بحاجة إلى مستشارين لديهم خبرة في الشؤون السياسية .
لقد وجد القدومي في عمله في الخليج أحد جوانب ذاته , ولكنه عجز عن نسيان الحسرة التي ألمت به جراء نكبة عام 1948 , ففقدان فلسطين بالنسبة له كان وجعا , والوجع الأكبر هو العتب على الصديق العربي الذي يمتلك من الثروات الكثير التي وهبها الله لهم , وقد عبر القدومي في ص 49 عن عجز هؤلاء العرب الذين يمتلكون الدولار عن ايجاد حلول لفلسطين تحفظ قيمتهم وترفع من مكانتهم أمام العالم … وتساءل : 
ماذا لو قدم العربان للراغبين في استرجاع فلسطين ربع ما قدموه للقتلة والتكفيريين في عالمنا العربي ووقفوا بعناد في المحافل الدولية ؟؟
ماذا لو التزم العربان بالمعاهدات التي وقعوها فيما بينهم , كالتزامهم بكل كلمة وكل حرف وكل همسة وغمزة مع الآخرين , خاصة مع العدو الاسرائيلي ؟؟ 


ومن حياة الطفولة والدراسة والعمل التي اعتمدت في الاساس على قوة القدر المكتوب . تلك القوة التي تصطدم بها دائماً ارادة الانسان المحدودة التي لا يعرفها إلا الله سبحانه وتعالى , حيث انتقلت قدرة الله لتلعب دوراً مهماً في حياة القدومي السياسية , وحياة الكثيرون من قادة الثورة الفلسطينية . 
وعلى أرض الكويت الصغيرة في جغرافيتها , والعظيمة بمواقفها مع فلسطين , التقى هؤلاء الثوار الذين يفخرون دائماً بأنهم من نسل فلسطين المباركة والمقدسة . وقد تحدث صاحب السيرة فاروق القدومي في الكتاب عن تجربته السياسية والنضالية منذ أن التحق وانضم إلى صفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح , التي بدأت بتشكيل النواة الأولى لها في الكويت في أواخر خمسينات القرن الماضي وقبل اعلان انطلاقتها العسكرية في عام 1965 , ويعتبر القدومي من المؤسسين لهذه الحركة هو ومجموعة من القادة الفلسطينيين وعلى رأسهم القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات . وقد تعاملوا مع الفكرة على انها وعد وقسم , على أن يكونوا جميعا مخلصين للحركة وفلسطين مهما كانت المصاعب .
ويقول القدومي في ص 206 : ان ابو جهاد هو صاحب فكرة انشاء حركة فتح في الكويت في العام 1958 , حيث أسس أول خلية تنظيمية لفتح مع اخوته الدكتور عبد الله الدنان , وعادل عبد الكريم , وبعد ذلك انضم إليهم ياسرعرفات ( ابو عمار ) , ثم التحق صلاح خلف بعد انضمامي لحركة فتح .
ومن بوابة الفتح إلى بوابة منظمة التحرير الفلسطينية , حيث تحدث القدومي عن نشأت منظمة التحرير الفلسطينية على إثر اجتماع القمة العربية في القاهرة سنة 1963 , وتحدث عن أحمد الشقيري , أول رئيس للمنظمة وكيف استطاع ان يعقد أول اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في القدس عام 1964. 
ولم يمض وقت طويل على قيام الثورة الفلسطينية التي أُنشئت أصلاً لتحرير الأرض التي احتلت عام 1948 . إلا وفقد الفلسطينيون بقية الأرض في حرب حزيران من العام 1967 , ولا أعرف لماذا ابتعد القدومي في هذه السيرة عن الخوض في الحديث عن هذا الموضوع . ومن الممكن أن يكون قد افتعل نسيان موضوع الهزيمة حتى لا يسيء في كتابه إلى الدول العربية التي احتنضت هذه الثورة منذ انطلاقتها الأولى سواء كانت مصر أو سوريا أو الأردن التي فقدت اراضيها بعد ذلك في 6 أيام . 
وقد اعتبر البعض منهم ان فقدان الأرض كان اهمالاً وتقصيرا , حيث صارت الهزيمة بالنسبة لهم نكسة وليست هزيمة كما يزعمون . ولأن القدومي أغمض عينية عن الهزيمة , إلا انه تحدث كثيراً عن فرح الانتصار وأزمة الموقف ما بعد الهزيمة . 
كان صاحب السيرة قد تحدث في الكتاب عن معركة الكرامة في الأردن التي وقعت في العام 1968, وما صاحبها من صبر وتفاؤل وثقة بالنفس وانتصار عظيم حققه الجيش العربي والفدائيين الفلسطينيين في معركة الكرامة , التي أعادت الى هذه الأمة كرامتها وعزتها , وعن قرار المواجهة والتصدي للغطرسة الإسرائيلية , قدم القدومي في الكتاب العديد من المشاهد البطولية التي خاضها الطرفين الأردني والفلسطيني في هذه المعركة . وعبر عن سعادته عن تلك المرحلة بقوله : 
ـ هذا الشعور الذي كان يتملكني بعد معركة الكرامة , خاصة أننا فوجئنا بموجات كبيرة جدا من الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية تحاول الالتحاق بحركة فتح , وجراء هذا الشعور العارم من قبل الجماهير تجاه فتح , قال الملك الحسين في خطاب جماهيري كبير ( أنا الفدائي الأول ) , استجابة لهذا الانتصار الكبير الذي حققه الفدائيون في الكرامة . 
وقد اعتبر القدومي ان الانتصار العظيم الذي تحقق في معركة الكرامة هو الذي قاد حركة فتح إلى استلام قيادة المنظمة في عام 1969 , وان ثمانية فصائل استلمت دفة المنظمة برئاسة فتح . مع العلم ان الكتاب لم يذكر إلا خمسة فصائل فقط . وقد تم ذلك بعد اقتناع الرئيس عبد الناصر بنقل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى فصائل المقاومة بعد معركة الكرامة مباشرة .
وعن تواجد المقاومة في الأردن يقول القدومي : لم يكن تواجدنا في الأردن مستغربا أو مثيرا للريبة خاصة بعد التلاحم القوي الذي تجلت مظاهره في معركة الكرامة , عندما التحم الجيش العربي الأردني والفدائيين في تلقين دولة الاحتلال درسا لن تنساه إلى الآن … ويتساءل القدومي عن تعكير صفوة العلاقة بين الطرفين , ما الذي حصل ؟؟


وعن حوادث ايلول 1970 في الأردن , ذكر القدومي في الكتاب عن التجاوزات التي حصلت , وقد اعتبرها فتنه بين الشعب الواحد , وأرجع السبب إلى الفلتان الذي ظهر في المدن الأردنية من قبل المجموعات الفدائية , وحمل مسؤولية تفاقم الأزمة بين الطرفين الأردني والفلسطيني إلى ممارسات بعض الفصائل الفلسطينية التي لا تليق بالثائر والفدائي , واستشهد القدومي في هذا السياق على نقطتين : الأولى هو قصر نظر سياسي لدى تلك الفصائل التي لم تكن تمتلك القدرة على ردع عناصرها . أما النقطة الثانية فكانت غياب التنسيق بين فصائل المقاومة الفلسطينية. 
ولم يخف القدومي اعجابه بالرئيس المصري عبد الناصر , ولأن الأخير كان يمتلك رؤية قومية وصاحب مشروع وحدوي , اتفق معه الجميع وأصبح رمزاً في وجدان الإنسان العربي بما فيهم صاحب السيرة فاروق القدومي الذي كان ينتمي بفكرة إلى حزب البعث , مما جعله يروي الكثير من الاحداث عن عبد الناصر , وأشاد بمواقفه الإيجابية تجاه الثورة وفلسطين , وتحدث عن أول لقاء جمعهم بعبد الناصر. وذكر ان ابو اياد هو من بادر بالحديث عن حركة فتح أمام الزعيم المصري . وفي نهاية اللقاء قال عبد الناصر : سنقتسم الرغيف بيننا وبينكم . ويقول انه خصص عشرة آلاف جنيه مصري لنا دعما لحركة فتح وغادرنا. ويضيف ان هذا المبلغ وقتها كان كبيرا جدا . 
كان لنجاح هذا اللقاء أن دخلت الثورة التي تقودها حركة فتح في مرحله جديدة , لأن هذا للقاء كما يصفه القدومي … كان لقاءاً تاريخياً , وبداية علاقة بين ثورتين , ثورة حققت إنجازها السياسي , وتتجه لبناء اقتصادها , وثورة في طريق التحرير والنصر . 
وفي ص 182 وصف القدومي الرئيس عبد الناصر بأنه شخصية ساحرة في مظهره وحديثه , ومتواضع , وأضاف ان عبد الناصر في إحدى زيارته لموسكو اصطحب معه ابو عمار ليقدمه للسوفيت قائلا : هذا ابو عمار وهو من يمثل فلسطين , ولست أنا , ومنذ ذلك اليوم فتحت أبواب موسكو لنا . 
وفي محاولات استدعاء الذاكرة عند القدومي , قدم لنا في ص 166 عن تلك اللحظات المهمة التي سبقت القمة العربية التي عقدت في الرباط في المغرب وهي القمة العربية التي اعترفت بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني .
ثم تبعها توصيات رفعتها القمة إلى الأمم المتحدة من أجل الاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني , وقد وصف القدومي رحلتهم إلى نيويورك , وتحدث بالتفصيل عن اللحظات الأولى التي سبقت القاء خطاب ابو عمار الشهير أمام الهيئة العمومية للأمم المتحدة في عام 1974 … 
ويقول القدومي : ان أول فكرة طرأت على ذهني بعد الاعتراف بنا دوليا , إقامة سفارات لنا في تلك الدول الصديقة التي اعترفت بنا . 
وقد كان له ذلك حيث بدأت منظمة التحرير تطرق أبواب العالم من أجل فتح مكاتب تمثيلية لها في العالم العربي , وكان أول مكتب أقيم للمنظمة في الجزائر , ومن ثم فتح لهم مكتب في مصر , وبعد ذلك الدول الاشتراكية , وبعدها الاتحاد السوفيتي , وقد تحدث القدومي عن المعايير التي يتم فيها اختيار مدراء المكاتب .
وهنا أقول كقارئ . ان هذا الحال الجميل الذي وصلت اليه الثورة الفلسطينية لم يتحقق كما يجب , لأن الرياح كانت تجري بعكس ما تشتهي السفن , فكان كل انتصار تحققه الثورة , يقابله عدم رضى من العدو الإسرائيلي الذي كان يتربص دائماً بالثورة , وقد اهتزت عروش الاستبداد في اسرائيل وتخبط الطغاة من الموساد أو جماعة ابو نضال في اغتيال العديد من القادة , وقد تحدث القدومي في كتابه عن هؤلاء الشهداء - سعيد حمامي في لندن , علي ياسين في الكويت , محمود الهمشري في مدينة كان الفرنسية , نعيم خضر في بلجيكا , عاطف بسيسو في باريس ، عصام السرطاوي في البرتغال , وائل الزعيتر في ايطاليا , ورسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي الذي تم اغتياله في لندن … 
وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب تحدث القدومي عن رفاق دربه من الشهداء وكيف تعرف عليهم , والطريقة التي تمت تصفيتهم بها ومنهم : ابو جهاد , وابو إياد , وابو الهول , وفخري العمري .
استأثرت القضية الفلسطينية باهتمامات البعض من الزعماء العرب , ولم يتجاهل القدومي دور هؤلاء الزعماء , ولكنه تحدث عنهم بتحفظ . وعبر عن ذلك بقوله : يلتقي الانسان بمئات من الأشخاص , فمنهم من يمضي عابراً بلا أثر يذكر , والآخر يبقى بصمة في وجه تقلبات الحياة , سواء كانت الغلبة لها أم لنا .
ولذلك آشار القدومي في عدة صفحات من الكتاب إلى تجربته مع زعماء تم التعامل معهم عن قرب : الملك فيصل , عبد الناصر , هواري بو مدين , السادات , حافظ الأسد , صدام حسين , محمد حسني مبارك .
هناك زخم من الأحداث التي تم طرحها في الكتاب , وأنا كقارئ سأكتفي بهذا القدر من القراءة , وسأقف عند هذا الحد من المعلومات حتى يتسنى لأي باحث عن الحقيقة أن يقرأ ما بين السطور العديد من المسارات المهمة التي وضعها صاحب السيرة فاروق القدومي أمام القارئ , وهي مرحلة ما بعد وفاة عبد الناصر , الخروج من الأردن , مرحلة السادات وانتصارات أكتوبر , مفاوضات كامب ديفيد , الخروج من بيروت إلى تونس . بالإضافة إلى مؤتمر مدريد , أوسلو , عودة ابو عمار إلى فلسطين , حصار المقاطعة في رام الله , ومن ثم رحيل عرفات , كلها مراحل مرت بها الثورة الفلسطينية , وتم تقديمها في هذا الكتاب الرائع . 
أما بداية المسار الفلسطيني المخفي والمعلن نحو التسوية السياسية , فقد تحدث القدومي عن هذه المسارات وبالتفصيل , وبين موقفه منها على اعتبار ان الفلسطينيين هم أكثر الشعوب التي كان لها باع طويل في عقد المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي , إلا أن فاروق القدومي لم يخف وجعه ووجهة نظره في المفاوضات التي اعتبرها سبباً في تأخير طريق العودة , وكما قال لن تعيده إلى فلسطين , واعتبرها لعبة أرادت حرمانه من العودة , ولكنها تبقى كما قال عنها : 
ـ احتمالاً معلقا في سماء الامنيات المؤجلة , أو في رحم الغيب حتى تفرض نفسها بعد وصول اللعبة إلى ذروتها في اللحظه التي يقلب المفاوض الفلسطيني كفيه على ما أنفق من وقت , وهو ينفخ في سيجارته نفخته الأخيرة التي أعلنت وصولها إلى مرحلة جديدة يسمونها في قواعد اللعب مرحلة إعادة ترتيب المتناقضات . 
كتاب رائع يستحق منا القراءة . اتمنى من الكاتب سليم النجار أن تكون له جولات وحوارات أخرى مع قادة آخرين , ليكون هناك إرث موجود في القاموس السياسي الفلسطيني متمثل في جميع القادة والمناضلين الذين عاصروا هذه الثورة . شكراً لصانع الكتاب سليم النجار … شكراً لصاحب السيرة فاروق القدومي الذي اتحفنا بهذه المعلومات القيمة .
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences