تركيا والعرب
الشريط الإخباري :
نص المادة 22 من اتفاقية لوزان:
(دون الإخلال بالأحكام العامة للمادة 27 ، تعترف تركيا بموجب هذه الاتفاقية بالإلغاء النهائي لجميع الحقوق والامتيازات مهما كانت تتمتع بها في ليبيا بموجب معاهدة لوزان بتاريخ 18 أكتوبر 1912).
هذا احد نصوص اتفاقية لوزان، الموقعه بين تركيا و بريطانيا، فرنسا ، إيطاليا ، اليابان ، اليونان ، رومانيا ومملكة صربيا، لاحقا اصبحت يوغسلافيا والان دول متناثرة في شرق اوربا. قد تم التوقيع على الاتفاقية في عام 1923 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1924.
فماذا تغير في الموقف التركي؟
اتفاقية لوزان كانت واضحة المعالم ولاتوجد مذكرة سرية كما يتوهم البعض وروج لها بأن هناك قيود ستنتهي بعد 100 سنة، اي في 2023.
فبعد البحث لم اجد مصدر رسمي يؤكد ذلك الادعاء غير بعض المواقع الصحفية والدعائية التي لا تستند الى وثائق رسمية.
اتفاقية لوزان كانت جزءًا من احتفاليات تركيا الحديثة، لبعض الوقت. ولديها عطلتها الخاصة (يوم لوزان) عندما كان الأطفال يرتدون أزياء تمثل المناطق المتنازع عليها في الأناضول ويتم عرضها في مسرحيات مدارس الاطفال.
رؤية 2023 التي تبناها حزب العدالة والتنمية والتي اعلن عنها اردوغان عام 2010 تحقق منها الكثير ولايزال. يهمنا منها في هذا المقال نقطتين:
1- السعي من أجل التكامل الإقليمي في شكل تعاون أمني واقتصادي.
2- لعب دور مؤثر في حل النزاعات الإقليمية.
هذا ما اعتقد انه المحرك الرئيس لتركيا.
تركيا الان ليست قوة صاعدة فحسب بل قوة قد صعدت واصبحت امرا واقعا ولاعباً رئيساً في منطقة الشرق الأوسط.
وبموجب ذلك اصبحت أنقرة عاصمة القرار في الشرق الاوسط مع طهران وتل ابيب مع الفوارق الاستراتيجية طبعاً. لكن في ميزان السياسة ثلاث عواصم الان تتحكم بالقرار (العربي) فقط.
مع التقدم الاخير للمحور التركي في المشهد الليبي يستوقفنا ماذا يدور خلف كواليس صناع القرار الدولي حول ليبيا والعالم العربي؟ خصوصا ان المحور الامارتي، الاسرائيلي، المصري تراجع في ليبيا والمشهد لايزال في حالة تغير لصالح تركيا، وخصوصا اذا استرجعنا بداية الثورة الليبية 2011 كانت تعيش حالة من التردد في دعم الثورة بسبب مصالح رجال الاعمال الاتراك التي بدأت في ليبيا وكانت تقدر بحوالي 10 مليارات دولار خلال عام 2010 فقط.
فما سر التبدل والحماسة التركية في المشاركة وحسم الملف الليبي؟
تركيا عضو رئيسي في حلف الناتو ولاعب اساس في عملياتهم العسكرية والسياسية في افغانستان والعراق وسوريا.
وتربطها ايضا علاقات استراتيجية عسكرية وتجارية مع اسرائيل.
لا يفهم من ذلك نظرية المؤامرة او غيره ولكن المشهد يحتاج الى الفهم وسط تقاطع المصالح في كل اتجاه!
وروسيا التي هي شريك/منسق مع تركيا في الملف السوري تنسل من المشهد الليبي، فماذا يحدث؟
فلو رجعنا الى المشهد السوري ستساورنا المخاوف على مستقبل وحدة التراب الليبي. فتركيا تتعامل مع الثورات العربية وفق مصالحها التي تخالف احيانا اهداف ثورة الشعوب العربية.
كان العرب في غفلة كبيرة عندما تم ابرام صفقة سايكس-بيكو التي أبرمها من كانوا يدعون انهم اصدقاء العرب. فهل نحن امام سايكس-بيكو جديد يتم فيه تقسيم المنطقة العربية وتوزيع مناطق النفوذ للقوى الصاعدة ومازال العرب يلدغون من ذات الجحر مئة عام.
السياسة علم ومصالح واستراتيجية ورؤى واهداف وامن واقتصاد وترجح فيها كفة المصالح على الانسانية والمثاليات وتطغى الواقعية في التعامل.
لا ننتقد الدور التركي في التدخل وحقن الدماء وحفظ الارواح والاعراض ولكن نبحث في ابعاد هذا التدخل لكي لا نستمر كجمهور درجة ثالثة،وهو الواضح الان!
البعض ممكن يقفز بالمقارنات بين تركيا ومصر والامارات وحفتر وتدفعه العاطفة للاندفاع بدون عقل او تروي ليكون تابعا لهذا وذاك.
ومن وجهة نظري لا تجوز المقارنة بين دولة تملك دور قيادي مميز بين القوى الدولية والاقليمية وبين "حنطور" و "كوبري".
ليس بمستغرب على اعضاء حلف الناتو تغذيتهم للصراع فمثلا فرنسا وايطاليا وامريكا وروسيا من خارج الناتو لهم دور مزدوج بدعم اطراف النزاع وبنفس الوقت يطالبون بالتهدئة ووقف اطلاق النار في ليبيا.
يمكن ان يفهم من حالة الفوضى في المشهد الشرق الأوسطي بأن الغرب يراهن بدون استفزاز اي طرف وخسارة اي حليف على من بيده حسم المشهد والسيطرة وملئ الفراغ وفق المسطرة الغربية. وقد قامت تركيا بالمهمة وخصوصا هي الاقرب كحليف استراتيجي ومسلم سني لان الدين والمذهب عامل رئيس لغالبية العرب.
الغرب وقد ذكرنا مسبقًا وفق معايير السياسة الدولية الحديثة يعتمد على الحليف الذي يستطيع ان "ينفذ".
وتركيا حليف ناجح وذو شعبية طاغية في الشارع العربي.
ولكن هل الحظور التركي دائم ام مرتبط فقط بحضور حزب العدالة والتنمية في المشهد التركي؟
والعرب مع من غلب!
الصبغة الايدلوجية مهمة في تحديد المسار الاستراتيجي للدول. والدولة التركية الحديثة ذات صبغة علمانية أتاتوركية يحكمها حزب ذو ميول إسلامية وصلها عبر الانتخاب. وهنا السؤال هل التحرك التركي الاخير في المنطقة العربية ينطلق من قاعدة الدولة القومية العلمانية ام من قاعدة الانتماء الاسلامي؟
والسؤال الاهم ما موقفنا نحن العرب فيما لو خسر حزب العدالة الانتخابات القادمة واتى مكانه حزب علماني اتاتوركي عبر صناديق الاقتراع؟
يبدو ان ثمة صراع هيمنة ايدلوجية لابد من حسمه في تركيا فالعلمانية والاسلام لا يمكن ان يتعايشا سياسياً.
هذه ليست دعوة لتشكيك بقدر ما هي دعوة لتفكير.
محمد المطر
كاتب كويتي