الشريط الإخباري :
أيا كان مصير التحقيقات التي تجريها لجنة الخبراء لكشف النقاب عن محاولة إرشاء المصوتين في «المنتدى السياسي الليبي» يعتقد كثير من الليبيين أنه لم يعد لديهم الوقت الكافي لمعاودة الانتخابات، ما سيُهدر فرصة إيجاد هيئات سياسية تنفيذية، تُعد للانتخابات المقررة للرابع والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل. ويزداد الجدل توسُعا حول ظاهرة الرشى، مثل كرة الثلج، فبعد اتهام مؤيدين لرئيس الحكومة المكلف عبد الحميد دبيبة، باللجوء إلى هذا الأسلوب، زعم آخرون ومنهم العضو السابق بالمؤتمر الوطني العام، توفيق الشهيبي أن مقربا من عقيلة صالح وفتحي باشاغا عرض أموالا على أعضاء في الحوار السياسي، لقاء التصويت لصالح تلك القائمة، التي أتت في الرتبة الثانية عند الاقتراع. ونسب الشهيبي ذلك إلى تسريبات من تقرير لجنة الخبراء بالأمم المتحدة.
من هم المعرقلون؟
ومع أن الليبيين ينتظرون بفارغ الصبر نتائج التقرير الأممي، المُتوقع نشره في غضون أسبوع، فإنهم بلغوا درجة من السأم والإحباط جعلتهم يستعجلون أي حل سياسي يُخرجهم من الفوضى الراهنة، ويحول دون إعادة البلد إلى مناخ الحرب الأهلية. وفي هذا الإطار ظهرت أصوات تطالب بتأجيل البت في أمر الحكومة حتى يتم التبيُن من أمر التحريات، في مسألة الرشى المزعومة. وذهب النائب أبو بكر بعيرة إلى حد اتهام القوائم الخاسرة في انتخابات اللجنة السياسية للحوار الليبي، بوضع العراقيل في طريق تشكيل الحكومة الجديدة.
وأطلق ملتقى الحوار الليبي، الذي يضم 75 مندوبا يمثلون كل الأطياف الليبية، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في سويسرا برعاية الأمم المتحدة. وانتخب الملتقى عبد الحميد دبيبة (61 عاما) في 5 شباط/فبراير الماضي رئيسا للوزراء للفترة الانتقالية المقبلة. وتوافق ملتقى الحوار السياسي الليبي أيضا على مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء برئاسة محمد المنفي.
وفي هذه الأجواء سلم دبيبة تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية إلى هيئة رئاسة مجلس النواب، الخميس، مرفقة بالأسماء المقترحة لتولي الحقائب الوزارية في تلك الحكومة. وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، في بيان بخصوص الإعلان عن تسليم التشكيلة الوزارية، أن هذا الإجراء يأتي في إطار الالتزام بخريطة الطريق المحددة في الاتفاق السياسي، وبالإجراءات المحددة لتسليم تشكيلة الحكومة قبل عقد جلسة منح الثقة المزمع غدا بمدينة سرت. وتتألف الحكومة، بحسب مصدر مقرب من رئيسها، من 23 وزيرا بينهم رمضان بوجناح الحسناوي نائبا لرئيس مجلس الوزراء للمنطقة الجنوبية (فزان) وصقر بوجواري نائب رئيس مجلس الوزراء للمنطقة الشرقية (برقة) وهما المنطقتان اللتان يشكو سكانهما من الحيف في توزيع الثروات. كما تضمنت التشكيلة خالد مازن وزيرا للداخلية وعبد السلام المقرحي للدفاع، ورجب الغرياني وزيرا للعدل ومحمد الحويج للاقتصاد، فيما لم تتضمن التشكيلة سوى سيدة واحدة هي فتحية العريبي. والأرجح أن منظمات المجتمع المدني والحركات النسوية ستنتقد ضآلة الحصة المخصصة للمرأة في التشكيلة الحكومية، بعد وعود بتخصيص 30 في المئة من الحقائب للشباب والنساء.
وأمام دبيبة مهلة حتى 19 آذار/مارس للحصول على ثقة مجلس النواب، قبل بدء التحدي الأصعب المتمثل بتوحيد مؤسسات الدولة وقيادة المرحلة الانتقالية حتى ميقات الانتخابات العامة.
احتكاك مع حكومة السراج؟
وقبل حصول حكومة الدبيبة على تزكية البرلمان، المتوقعة غدا، بدأت تظهر احتكاكات بينها وبين حكومة السراج، التي ما زالت تُعتبر الحكومة الشرعية، طالما لم يبت مجلس النواب في مصير الحكومة الجديدة. وبدأت مظاهر تلك الاحتكاكات تطفو على السطح، مع إعطاء السراج أخيرا توجيهات إلى الوزراء الحاليين ورؤساء الشركات والمؤسسات العامة، بضرورة الامتناع عن التواصل مع نظرائهم في الحكومة الجديدة أو عقد لقاءات معهم، قبل تسلُم مهامهم بشكل رسمي. وعلى الأرجح أن السراج يعتبر الحكومة الجديدة غير مكتملة الشرعية، إلا أن معلقين يعتقدون أن القرار الذي اتخذه «غير ودي» تجاه الحكومة المرشحة للحلول في مكان حكومته، إذا ما ضمنت الظفر بالنصاب القانوني. وفي العادة النصاب لن يتوافر خلال تلك الجلسة، بحسب توقعات بعيرة، لكن في نهاية المطاف ستُجاز الحكومة الجديدة، لأن صناع القرار الدوليين والإقليميين باتوا يدعمون تسوية سياسية، وفقًا لقرارات مؤتمر برلين الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 2510.
موقف روسي
ولا يقتصر هذا الموقف على أمريكا وأوروبا، وإنما تشاطره أيضا موسكو، التي تكلم بلسانها وزير الخارجية سيرغاي لافروف، مؤكدا على أهمية موافقة مجلس النواب على تشكيلة هذه الحكومة، برئاسة الدبيبة.
أكثر من ذلك أكد لافروف في أعقاب اجتماعه مع يان كوبيش المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيس بعثتها للدعم في ليبيا، أن انتخابات 5 شباط/فبراير الماضي في جنيف أوجدت شروطًا مهمة لإنهاء الصراع الداخلي واستعادة الدولة الليبية عافيتها.
مع ذلك ستُواجه حكومة الدبيبة، إن حازت على ثقة مجلس النواب، مشاكل عويصة من بينها الأزمة القائمة مع مالطا، إذ توجه دبيبة بكلمة إلى الحكومة المالطية، أعلن فيها رفضه لقاء نظيره روبرت أبيلا، إلا في حالة «إظهارهم (المالطيون) الاحترام لليبيين» على ما قال الدبيبة في كلمته. وأتى هذا الرفض على خلفية إقدام السلطات المالطية على مصادرة أوراق نقدية ليبية، في ايلول/سبتمبر 2019 قامت بطبعها شركة روسية لحساب «الحكومة الموقتة» في شرق ليبيا، التابعة للجنرال خليفة حفتر، بقيمة نحو 1.1 مليار دولار. ووصفت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، تلك الأوراق النقدية المطبوعة في روسيا بأنها «مزورة». غير أن الروس اعترضوا على البيان الأمريكي بقولهم إن البنك المركزي في بنغازي، الذي تقدم بطلب طباعتها، هو «مؤسسة شرعية».
الشرط المالطي
وعاد وزير الخارجية المالطي إيفاريست بارتولو ليُبلغ الدبيبة هاتفيا الأربعاء الماضي بأن مالطا تشترط موافقة الأمم المتحدة لتسليم المخزون الكبير من الدينار الليبي المحتجز لديها منذ أكثر من 15 شهرا. وبحسب تقرير أعده خبراء للأمم المتحدة، وأرسل إلى مجلس الأمن الدولي في كانون الأول/ديسمبر الماضي، سلمت شركة غوزناك الروسية بين عامي 2016 و2018 البنك المركزي الموازي في مدينة البيضاء (شرق) أوراقا نقدية ليبية تعادل قيمتها 7.11 مليار دولار.
الكهرباء… الكهرباء
وستجد الحكومة الجديدة نفسها وجها لوجه مع مشاكل اجتماعية واقتصادية متراكمة، في مقدمها أزمة الكهرباء. وحض الرؤساء المشاركون في «مجموعة العمل الاقتصادية» المنبثقة عن مجموعة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، على سرعة إجراء إصلاحات في قطاع الكهرباء. وأكدوا، في بيان لبعثة الأمم المتحدة، أنه إذا لم يتم الإسراع في تخصيص التمويل اللازم لإجراء إصلاحات عاجلة، فإن وضع الكهرباء يمكن أن يتدهور بدءاً من أوائل الصيف. ويُعتبر هذا التحذير مهما، لأن مجموعة المتابعة الدولية تضم كلا من الاتحاد الأوروبي ومصر والولايات المتحدة، إلى جانب بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا.
والمؤكد أن هناك العديد من المجالات الأخرى التي تحتاج إلى تخصيص التمويل اللازم لها بشكل مُلح، بما في ذلك التصدي لجائحة كوفيد-19 وصرف رواتب موظفي القطاع العام، زيادة على التمويل اللازم لاستمرار عمل المؤسسة الوطنية للنفط. ولذا شددت مجموعة المتابعة الدولية على ضرورة اجتماع مجلس النواب غدا، للنظر في التصويت لمنح الثقة للحكومة التي سيقترحها رئيس الوزراء المكلف عبد الحميد الدبيبة، لمعالجة العديد من القضايا الملحة التي تواجه البلد، فهل سيُستمع إلى صوتها؟