لماذا تفشل إسرائيل في النهوض بالوسط العربي أكاديمياً ومهنياً رغم استثمارها المليارات؟
الشريط الإخباري :
وجدت يوليا إيتان، رئيسة إدارة تشغيل السكان في وزارة العمل والرفاه، سبباً للتفاؤل في انهيار تشغيل الرجال العرب منذ العام 2017، وينبع تفاؤلها هذا من الفجوة بين تراجع تشغيل الرجال العرب من 77 في المئة إلى 70 في المئة (في أعمار 25 – 64) في السنتين قبل كورونا، مقابل استقرار نسبي في تشغيل النساء العربيات، نسبة 36 في المئة إلى 38 في المئة.
وأشارت إيتان إلى أن تشغيل النساء العربيات، الذي كان قبل عقد بنسبة ضئيلة هي 20 في المئة فقط، احتل مركز خطط العمل الحكومية. والدليل على ذلك هو أن نسبة تشغيل النساء العربيات تضاعفت. في الوقت نفسه، لم يلاحظ أي شخص في الحكومة وجود مشكلة مع الرجال العرب ولم يكرس لها جهداً. استنتاج ايتان من ذلك هو أن جهود الحكومة لشغيل النساء العربيات أثمر، والآن، حيث الدولة أدركت بوجود مشكلة في تشغيل الرجال العرب، ثمة مكان لأمل بالنجاح في تحسين وضعهم.
تحدثت إيتان عن سلسلة من البرامج التي خصصت للنهوض بتشغيل الرجال العرب. أكثر البرامج أهمية هو "سنة انتقالية”، سنة إعداد بعد إنهاء الدراسة الثانوية، التي يستطيع فيها الشباب العرب تلقي التأهيل المهني والدراسة لامتحان البسيخومتري والدراسة في كلية تمهيدية أكاديمية وحضور برامج للقيادة والتمكين والتطوع في إطار مسارات جديدة في الخدمة المدنية، وبالطبع استكمال الفجوة في لغتهم العبرية. يدور الحديث عن صيغة من سنة الخدمة اليهودية المكيفة للمجتمع العربي.
يُرمى الشباب العرب الآن إلى خضم الحياة في سن 18 سنة دون أي مسار محدد، الخدمة في الجيش أو الدراسة كمسار مدني، وهم أصغر من أن يندمجوا في سوق العمل، وليس لديهم أدوات للاندماج في التعليم العالي. هم مشوشون وضائعون ويتدهورون. ثمة عدد من برامج التدخل الحكومية الآن باستيقاظ متأخر من الدولة بأنها لم تنتبه لمشكلات قاسية يمر بها الشباب العرب، وعلينا القول بأن الفضل يعود لمنصور عباس الذي كان شريكاً في بلورتها.
وقالت د. مريان تحاوكو، الباحثة في شؤون الوسط العربي في معهد اهارون في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، إن الفجوة المتزايدة بين النساء والرجال في المجتمع العربي صعبة بحد ذاتها. "الأمر الذي يساعد هو أن النساء يحصلن على التعليم”، قالت، "إذا كان يجب على النساء الزواج بعد ذلك برجال حصلوا على تعليم أقل، فما هي الاحتمالية بأن يسمح زواج كهذا للمرأة بتحقيق ذاتها والخروج إلى العمل خارج القرية… مثلاً في صناعة الهايتيك”.
الوضع أسوأ مما يظهر
تحاوكو متشائمة، وتقول إنه رغم إعجاب الدولة بنفسها، حيث طورت ببرامجها المجتمع العربي، مثل قفزة تعلم النساء ثم تشغيلهن، فإن وضع المجتمع العربي لم يتحسن بعد. نعم، وضع النساء أيضاً لم يتحسن حتى لو بدا ظاهرياً أنه كذلك، والسبب أنه رغم تقدم النساء العربيات إلا أن النساء اليهوديات تقدمن بدرجة لا تقل عن ذلك، وفعلياً لم تتقلص الفجوة بين اليهود والعرب.
الرسم البياني الأكثر إثارة للغضب، الذي تعرضه تحاوكو، هو الذي يمثل نسبة الذين حصلوا على لقب أكاديمي في أوساط الرجال العرب في إسرائيل. يتبين أن نسبة الرجال العرب الذين أنهوا اللقب الأكاديمي من بين الفئة العمرية 20 – 24 سنة في العام 2000 كانت 7.6 في المئة. وفي العام 2017 كانت نسبة من أنهوا لقباً أكاديمياً في أوساط الشباب العرب هي 9.7 في المئة. على أرض الواقع، مرت عشرين سنة، وتم صب مليارات الشواقل، وكان اندماج الرجال العرب في سلك الأكاديميان وما زال يشكل فشلاً ذريعاً.
إن المعطيات التي عرضتها تحاوكو لا تشمل الذين انهوا لقب في الجامعة المفتوحة (كما يبدو يوجد القليل مثل هؤلاء في الوسط العربي)، ولا تشمل أيضاً العرب الذين حصلوا على لقب خارج البلاد.
ثمة بحث نشره قسم الاقتصادية الرئيسية في وزارة المالية في العام 2019 وأجراه الباحثان زئيف كيديل ونجيب عمرية، ورد فيه أن التعلم في الخارج يزيد عدد الأكاديميين العرب 30 في المئة. في جامعة جنين (فرع للجامعة الأمريكية) يتعلم أكثر من ستة آلاف طالب عربي إسرائيلي، خصوصاً الفتيات.
يدور الحديث عن عدد طلاب عرب يشكل ثلاثة أضعاف عدد الذين يتعلمون في جامعة تل أبيب. أي أن عدد الطلاب العرب الذكور الذين أنهوا لقباً أكاديمياً يقترب من 13 في المئة وليس 10 في المئة فقط. على أي حال، حتى الـ 13 في المئة ممن أنهوا اللقب تشكل فشلاً ذريعاً، لا سيما أن النسبة الموازية في أوساط الذكور اليهود غير المتدينين هي 45 – 50 في المئة.
استثمرت الدولة عن طريق مجلس التعليم العالي أموالاً ضخمة في محاولة لزيادة اندماج الطلاب العرب في التعليم العالي. يتفاخر مجلس التعليم العالي بنجاح برنامجه، ووصلت نسبة الطلاب العرب في السلك الأكاديمي إلى نسبتهم بالنسبة لعدد السكان، 20 في المئة. نسبة الطلاب العرب هي الآن 20 في المئة من عدد الطلاب في إسرائيل، باستثناء أن نسبة الشباب العرب في أعمار 18 – 22، هي حوالي 30 في المئة وليس 20 في المئة. أي أن نسبة أصحاب اللقب الأكاديمي في أوساط العرب لم ترتفع.
تخلف في رأس المال البشري
هذا ليس الرقم الوحيد الذي تعرضه تحاوكو والذي يشير إلى المراوحة في المكان للمجتمع العربي، فالفجوة في الأجور، مثلاً، بقيت على حالها، وأجرة الرجل العربي في 1996 كانت 56 في المئة من أجرة الرجل اليهودي. وبعد مرور عقدين، في 2015 بقيت هذه النسبة بدون تغيير، 58 في المئة. الحاصلون على شهادة البغروت ارتفعت نسبتهم في الأعوام 2000 – 2016 بـ 17 في المئة. ولكن في هذه السنوات زادت نسبة حصول الشباب اليهود على شهادة البغروت، 16 في المئة. بقيت الفجوة كبيرة، 42 في المئة من الحاصلين على البغروت في أوساط العرب مقابل 64 في المئة في أوساط اليهود.
على أي حال، ارتفاع نسبة الحاصلين على شهادة البغروت لم يساعد المجتمع العربي لأنها جاءت في فترة لم تعد فيها شهادة البغروت تساهم في الاندماج في سوق العمل. في الحقيقة، مرت السنين ولكن مجال تشغيل الرجال العرب بقي في فرع البناء وفرع الصناعة والتجارة والمواصلات، وهي مجالات هم مكشوفون فيها للمنافسة من ناحية عمال غير إسرائيليين (فلسطينيين وأجانب) ومن ناحية التكنولوجيا.
إن أبحاث كيديل وعمرية وتحاوكو، تشير إلى عامل واضح للمراوحة في المكان للمجتمع العربي، بالأساس في أوساط الرجال العرب: تخلف في رأس المال البشري لديهم؛ أي تعليم متدن. الطلاب العرب يتخلفون في العلامات بعد اليهود بدرجة واضحة. التخلف في "البيزا” يعادل ثلاث سنوات تعليم كاملة.
وإذا أخذنا هذه العلامات في الحسبان، نجد أن إن نجاح الطالب العربي يقل بمعدل حاد عن الطالب اليهودي. احتمالية أن طالب عربي حصل على نفس علامة الطالب اليهودي في فرع الرياضيات لاستكمال الحصول على البغروت متدنية بدرجة لا تقدر، واحتماليته في استكمال البغروت في اللغة الإنجليزية هي النصف. هذه الفجوات تؤدي بعد ذلك إلى تخلف أكثر بـ 100 نقطة في علامات البسيخومتري المتوسط لطالب عربي مقارنة مع الطالب اليهودي. وانخفاض عدم النجاح في الحياة الأكاديمية.
نظام التعليم الضعيف لا ينجح في منح الخريجين لغة عبرية سليمة تمكنهم من مواصلة التعليم العالي والعمل المدر للدخل. النتيجة هي أن السنين تمر والمجتمع العربي، رغم اهتمام الحكومة ورغم زيادة قوته السياسية، يواصل التخلف عن المجتمع اليهودي. وهذا الأمر لن يتغير بدون أن يتم تطبيق إصلاح تعليمي في المجتمع العربي.
بقلم: ميراف أرلوزوروف
هآرتس/ ذي ماركر 7/4/2021