صندوق النقد يراهن على واشنطن لإنعاش الأسواق الناشئة… ومحللون يشككون
الشريط الإخباري :
واشنطن – د ب أ: ينظر خبراء صندوق النقد الدولي بتفاؤل إلى آفاق هذه الأسواق، في الوقت الذي يرتفع فيه العائد على سندات الخزانة الأمريكية بسرعة وتخرج فيه رؤوس الأموال من الأسواق الصاعدة متجهة نحو الاستثمار في الأصول المالية الأمريكية. ويرى خبراء صندوق النقد الدولي أن نمو الاقتصاد الأمريكي بأسرع من التوقعات يوفر أساساً جيداً لنمو الاقتصادات الناشئة.
ويقول الباحث المقيم في معهد «أمريكان إنتربرايز» الأمريكي ديزموند لاشمان إن تقديرات خبراء الصندوق تبدو مثيرة للدهشة في ضوء ضعف حالة اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسية في ظل خروج رؤوس الأموال منها بقوة، وبخاصة في ظل تدهور أوضاع المالية العامة بها إلى مستويات لم تحدث من قبل مع ارتفاع معدلات الدين العام لديها إلى مستويات غير مسبوقة.
تأثيرات إيجابية
ففي أحدث توقعاته الاقتصادية ذكر صندوق النقد الدولي أنه يتوقع نمو الاقتصادات الناشئة خلال العام الحالي بنسبة تصل إلى 6.33% ثم بنسبة 5% خلال العام المقبل. هذا النمو المتوقع ستقوده بشكل عام منطقة آسيا والصين والهند بشكل خاص. وفي الوقت نفسه يتوقع صندوق النقد انتعاش اقتصادات دول أمريكا اللاتينية وافريقيا المثقلة بالديون، بمعدل أسرع من توقعاته السابقة.
وفي التحليل الذي نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية، قال لاشمان النائب السابق لإدارة سياسات التنمية والمراجعة في صندوق النقد الدولي إن العامل الأساسي وراء النظرة المستقبلية الوردية لصندوق النقد بالنسبة للأسواق الناشئة، هو التحسن الكبير في توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي. فنتيجة حزمة التحفيز الاقتصادي الضخمة التي أقرتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والكونغرس والتقدم الكبير في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، يتوقع الصندوق نمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل 6.5% خلال العام الحالي ثم بمعدل 3.5% خلال العام المقبل. ومن المنتظر أن يكون لهذا الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي، تأثيراته الإيجابية على اقتصادات الأسواق الناشئة، مع ارتفاع أسعار السلع وتحسن آفاق السوق الأمريكية للصادرات من باقي دول العالم. والمثير للدهشة أن صندوق النقد الدولي، في عرضه لتوقعاته الاقتصادية المتفائلة للأسواق الناشئة، يغض الطرف عن حقيقة أنه بعد سنوات عديدة من السياسة النقدية الأمريكية فائقة المرونة، أصبحت اقتصادات الأسواق الناشئة معرضة بشدة للتوقف المفاجئ لتدفق رؤوس الأموال.
ويقول لاشمان إن السياسات النقدية فائقة المرونة لمجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي على مدى السنوات الماضية دفعت المستثمرين إلى التحول نحو الدول الناشئة التي وفرت عائدات أعلى على القروض، فتوسعت تلك الأسواق في الاقتراض وسمحت لماليتها العامة بالتدهور في ظل سهولة الحصول على التمويل والقروض من أسواق المال.
والأكثر إثارة للدهشة أنه في وقت يرتفع فيه العائد على سندات الخزانة الأمريكية طويلة المدى، يبدو صندوق النقد مبالغا في التفاؤل بشأن النمو الاقتصادي المفرط للولايات المتحدة، وحدوث دورة جديدة من التضخم المرتفع.
وفي حين تطبق الولايات المتحدة الآن ميزانية تحفيز ضخمة تمثل حوالي 13% من إجمالي الناتج المحلي للعام الحالي وتعتبر أكبر ميزانية تحفيز في زمن السلم في تاريخ الولايات المتحدة، فإن الاقتصاد الأمريكي الأن يتعافى بوتيرة سريعة، رغم أن الجزء الأكبر من الطلب الاستهلاكي في الولايات المتحدة مازال مكبوتا نتيجة تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد.
والحقيقة أن أي زيادة جديدة في أسعار الفائدة الأمريكية يمكن أن تسبب خروجا لرؤوس الأموال من الأسواق الناشئة وارتفاع تكلفة الاقتراض في هذه الأسواق، ستكون في وقت عصيب بالنسبة للاقتصادات الناشئة الرئيسية مثل البرازيل وجنوب افريقيا وتركيا. فهذه الدول ليست فقط في قبضة جائحة فيروس كورونا وركود اقتصادي عميق، ولكنها أيضا تعاني من الاضطراب السياسي الذي يقلص فرص قدرتها على التعامل مع نقاط الضعف في المالية العامة في أي وقت قريب.
وهنا يظهر سؤال مهم: إذا كانت أزمات الديون والعملة لدول آسيا وأمريكا اللاتينية قد سببت في الماضي صدمات لأسواق المال العالمية، فلماذا لم نرى هذا الأمر الأن في ظل أزمة ديون الأسواق الناشئة والناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية؟ والآن تمثل الأسواق الناشئة حوالي نصف الاقتصاد العالمي ولم تكن قبل اليوم تعاني من تراكم الديون ولا الاضطرابات الاقتصادية التي تواجهها اليوم.
ويقول لاشمان كبير خبراء الأسواق الناشئة في بنك الاستثمار الأمريكي سالمون سميث بارني إن طرح هذا السؤال ربما يسمح لصندوق النقد الدولي بالتوصل إلى نظرة أكثر واقعية للاقتصاد العالمي مقارنة بما يقدمها الآن. وربما ساعده أيضًا على تمهيد الأرض أمام جهد دولي للتعامل مع أزمة الديون المقبلة في الأسواق الناشئة.
علاج مشكلة عدم المساواة
رعلى صعيد آخر قال جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لجيه.بي مورجان آند تشيس أمس الأربعاء إن الولايات المتحدة قد تكون بصدد ازدهار اقتصادي حتى نهاية عام 2023 في حالة تطعيم المزيد من البالغين واستمرار الانفاق الاتحادي. وكتب ديمون في رسالة سنوية للمساهمين نُشرت على موقع البنك: «يمكن أن يستمر الازدهار بسهولة إلى 2023 لأن الإنفاق سيستمر لفترة طويلة في 2023».
وبوصفه رئيس أكبر بنك في أمريكا، يُنظر لديمون على أنه يمثل القطاع المصرفي الأمريكي، وقد استغل الرسالة ليعبر عن رأيه في متانة الاقتصاد والضغط من أجل سياسات تسهم في علاج مشكلة عدم المساواة وتحسين نظام العدالة الجنائية.
وقال ديمون إن الوضع المالي للمستهلك الأمريكي في المتوسط «في حالة ممتازة» وإن تقييمات سوق الأسهم المرتفعة لها ما يبررها ولكن أسعار سندات وأذون الخزانة الأمريكية ليست كذلك. وكتب أن النمو الاقتصادي الذي توقع أن تشهده الولايات المتحدة خلال العامين المقبلين سيتيح فرصا «للتعامل مع المشاكل الناجمة عن عدم المساواة».
ودعا لرفع الحد الأدنى للأجور على المستوى الاتحادي، وتحسين التدريب على الوظائف في المدارس والجامعات وتسهيل حصول من لهم سوابق جنائية على وظائف.