لماذا ينجو الأردن من الأزمات ..؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
ماهر أبو طير

عبر الأردن، أزمات كبيرة، ومنذ اكثر من مائة عام حتى اليوم، مرت أزمات تكاد ان تطيح بدول ثانية، لكنها في الأردن، مرت بأقل الكلف والخسائر، وكأن قدر الأردن ان ينجو دوما.
يسألني خبراء ومحللون سياسيون عرب وأجانب وبكثرة هذه الأيام، خصوصا، اذا ما كان الأردن مستقرا، وهل سيبقى مستقرا، والاجابة العاطفية معروفة، فالأردن مستقر، وقد عبر كما اشرت أزمات كبرى، على صعيد بنيته الداخلية، وازمات الجوار، ومشاريع الاستهداف.
لكن هذا الاستقرار لم يأت من فراغ، اذ أولا هناك اجماع بين مواطنيه بلا استثناء، على انهم لا يقبلون ولا يريدون ان يتم إيذاء الأردن، وليس ادل على ذلك انك اليوم لو سألت أي شخص من أي عمر، او خبرة مهنية، او من بنية اجتماعية، لما وجدت واحدا يريد إيذاء الأردن.
لقد تعلم الناس أيضا من دروس الماضي، وتعلموا من أزمات الجوار، وهذا الاجماع يعزز الاستقرار، فمن الذي يريد حرق الأردن، او تخريبه، هذه الأيام، برغم كل الظروف الصعبة التي نعبرها، خصوصا، على الصعيد الاقتصادي، وكلف ما يجري في الجوار. لا أحد.
الاستقرار أيضا، له أسباب عملية، فمثلا لو تحدثنا عن الجيش الأردني، الذي له احترامه الشعبي على مستوى قيادته وكل منتسب اليه، لعرفنا انه سبب أساس ورئيسي من أسباب الاستقرار، الجيش الذي لم يرفع سلاحه على شعبه، والجيش الذي يقف ليل نهار على الحدود، امام اخطار الإرهاب، والتهريب، واجندات الجوار، وهو الجيش الذي يؤمن كل فرد فيه بالتراتبية، وتوجيهات الأعلى مرجعاً، ويعرف كل منتسب اليه، ان هناك ارثا عظيما من الشهداء، والتضحيات، لا يتنكرون له، فوق العقيدة العسكرية التي تجعل تعزيز امن الأردن، واستقراره، مهمة أساسية لكل فرد، وهذا يفسر احترام الناس للمؤسسة العسكرية، التي بقيت بنظر الناس، فوق كل التأويلات، خصوصا، حين يحاول البعض استدراج التعليقات للحديث عن الجيش وكأنه مجرد مؤسسة عادية، يجوز التطاول عليها، باعتبار ان ذلك وجهة نظر، والذين يفعلون ذلك، اخطر من كل طابور خامس، لانهم يحاولون التسلل الى اهم مؤسسة.
لقد مثلت المؤسسة العسكرية، بكل مستوياتها، نموذجا عاليا في الاحتراف والمهنية، وقواعد السلوك الأخلاقية في التعامل مع الناس، والأردني في كل ازمة يسأل عن الجيش، باعتباره المؤسسة الأكثر ضمانة له، امام تقلب الظروف، وقد شهدنا بأنفسنا كيف استطاع الجيش في ازمة كورونا، مثلا، ان يحمل كل هذا العبء، عبء الحدود، وعبء إدارة الداخل في فترة الحظر، وما تلاها من ظروف، إضافة الى مواصلة التدريب وتعزيز الحرفية، فنحن امام مؤسسة تعد ضمانة من ضمانات الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي مؤسسة تمتثل بروحية عالية لكل مهماتها، ويدرك العقلاء في عمان، انها كانت وما تزال تدرك الاخطار، وتحترف في تقييمها، وتعرف ان الأردن أولا، وان كل المواطنين معها.
من أسباب الاستقرار ان النظام ليس دموياً، والقصة هنا، ليست على بساط المجاملات، فالدولة تاريخيا، لم توغل في دماء الناس، واذا كانت الحكومات ترتكب أخطاء هنا او هناك، فإن هذا يتوجب معالجته بكل السبل، بطريقة عاقلة، فلا احد في الأردن، يقبل بالفوضى نهاية المطاف.
كينونة الدولة، ليست دموية، ولا ثأرا دمويا بينها وبين كل الناس، وبقي النظام متسامحا، حليما، في تعاملاته، وسياساته، وهذا يفسر مثلا ان مرحلة مثل الربيع العربي، مرت دون ان نخسر في هذا البلد، قطرة دم واحدة، وحين يكون النظام بهذه المواصفات، يستند أيضا الى الدستور والشرعية، فهو عامل أساس في تثبيت الاستقرار وصناعته، مع العوامل الثانية.
ما يتوجب قوله هنا، ان هناك تفاصيل كثيرة، يمكن النقاش حولها، بشأن لماذا ينجو الأردن، دائما، وكيف ينجو، لكن ثلاثية الدولة غير الدموية، والشعب الذي لا يريد التفريط ببلده، ووجود المؤسسة العسكرية، والأمنية، وقبل كل شيء رحمة الله بهذه البلاد، عوامل منطقية.
ما يزال لدينا الكثير لنحافظ عليه، لدينا الكثير لنحميه، لدينا الكثير لنتجاوزه، ولنبدأ مرحلة جديدة من اجل الأردن، الذي له فضل على كل واحد فينا، فضل الأب على الابن، وكل المصاعب التي عبرناها، لا بد ان تكون بوابة لمرحلة افضل على كل المستويات.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences