تركيا وليبيا.. اتفاقيات واسعة ومجلس تعاون استراتيجي وتأكيد على حماية اتفاق ترسيم الحدود البحرية
الشريط الإخباري :
جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الرحيم الدبيبة التأكيد على حرص البلدين على حماية اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقع عام 2019، خلال زيارة تاريخية للدبيبة إلى أنقرة، اليوم الإثنين، رافقه فيها 14 وزيراً، وجرى خلالها التوقيع على سلسلة من اتفاقيات التعاون في مجالات مختلفة عقب الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
وهذه أول زيارة لرئيس الوزراء الليبي الجديد إلى تركيا منذ توليه السلطة آذار/مارس الماضي، وتحمل أهمية خاصة في التأكيد على استمرار العلاقات بين البلدين، والحفاظ على اتفاق مذكرة التفاهم البحرية واتفاق التعاون العسكري بين البلدين، والتي قامت تركيا بموجبه بتقديم الدعم العسكري إلى الحكومة الليبية السابقة لمواجهة هجوم الانقلابي خليفة حفتر على العاصمة طرابلس وأجبرته على التراجع حتى حدود سرت والجفرة.
وعقب الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، جرى التوقيع على سلسلة من الاتفاقيات الثنائية لا سيما في مجال الطاقة وبناء الشركات التركية محطات لتوليد الكهرباء في ليبيا، وتأهيل العديد من المناطق والبنى التحتية، واتفاقيات أخرى في مجالات الاستثمار والتعليم والتكنولوجيا والإعلام والصحة وغيرها من القطاعات، إلى جانب الاتفاق على العمل المشترك لتعزيز وتوسيع التعاون التجاري بين البلدين وعودة الشركات التركية للعمل في ليبيا في أقرب وقت.
توافق سياسي
وخلال مؤتمر صحافي مشترك، قال أردوغان إن "الذين وقفوا إلى جانب الانقلاب والانقلابيين في ليبيا عوضا عن الحق والعدالة والشرعية شركاء في المجازر”، مشدداً على أن الدعم العسكري التركي لليبيا "حال دون سقوط طرابلس ومنع ارتكاب مجازر جديدة وضمن وقف إطلاق النار”، مؤكداً على أن هدف بلاده الرئيسي "يتمثل بالحفاظ على سيادة ليبيا ووحدتها السياسية وسلامة أراضيها ورفاه شعبها”.
وأضاف أردوغان: "أولويتنا من الآن فصاعدا أن تعم صلاحية وسيادة حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا سائر أنحاء البلاد”، مؤكداً أن "تركيا ستواصل دعم حكومة الوحدة الوطنية الليبية كما فعلت مع الحكومات الشرعية السابقة.. سنواصل معا بذل جهودنا من أجل ليبيا التي تنعم بالسلام والاستقرار والازدهار”.
وبينما شدد أردوغان على أن "مذكرة التفاهم الموقعة مع ليبيا بشأن مناطق الصلاحية البحرية ضمنت المصالح الوطنية لكلا البلدين”، أعلن التوصل إلى تطابق في الرؤى حيال الخطوات التي من شأنها تسريع عودة القطاع الخاص التركي إلى ليبيا، وأعلن أن بلاده سوف تسلم ليبيا 150 ألف جرعة من لقاح كورونا اعتبارا من الثلاثاء.
من جهته، شكر الدبيبة تركيا على دعمها وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا مؤكداً عمق العلاقة بين البلدين وأن بلاده تبحث عن "علاقات استراتيجية مبنية على المصالح المشتركة”، كما أعلن رغبته أن تنفذ الشركات التركية العديد من المشاريع الإعمارية التي ستنفذ في ليبيا خلال المرحلة المقبلة، وقال: "نرغب في الوصول بعلاقاتنا مع أشقائنا الأتراك إلى مستوى نموذجي ونرغب بتعزيز التعاون في مجال الطاقة مع تركيا”.
اجتماعات وزارية واسعة
قبيل لقاء القمة بين أردوغان والدبيبة، جرت سلسلة لقاءات منفصلة بين وزراء البلدين جرى خلالها بحث ملفات التعاون المشترك بين عدد كبير من وزارات البلدين والتحضير للاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها عقب اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي الأول بين البلدين.
التقى وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش، وبحثا سبل تعزيز الصداقة والتعاون بين البلدين. وأوضح جاوش أوغلو في تغريدة عبر تويتر، أنهما أكدا خلال اللقاء عزمهما المشترك حيال تعزيز الصداقة والتعاون بين تركيا وليبيا، لافتاً إلى أن "تركيا ستواصل دعمها لليبيا الشقيقة في هذه المرحلة التاريخية”.
والتقى وزير الدفاع التركي خلوصي أقار مع الدبيبة بصفته وزير الدفاع في الحكومة الليبية، وأكد الوزير التركي على أن بلاده "تهدف للمساهمة في تشكيل ليبيا موحدة إقليميا وسياسيا، وتنعم بالسلام والاستقرار”، مشدداً على أنها ستواصل "تقديم المساعدات والتدريبات والدعم الاستشاري في المجالات العسكرية والأمنية للأشقاء الليبيين”.
من جهته، التقى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مع نظيره الليبي خالد التيجاني مازن، وأشار الوزير التركي إلى "وجود روابط مشتركة عديدة مع ليبيا جغرافيا وتاريخيا وثقافيا ودينيا”، قائلا إن "تركيا تملك ميراثًا قديمًا مع ليبيا، ونحن نعمل اللازم من أجل هذا الميراث”.
كما أجرى وزراء الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى ورانك، ونظيره الليبي أحمد علي أبو هيس، والتعليم العالي والبحث العلمي الليبي عمران محمد عبد النبي، مباحثات في مجال الصناعة والتعليم. وشدد على أن "العلاقات بين تركيا وليبيا متينة ومتجذرة عبر التاريخ منذ سنوات طويلة”، مشيراً إلى أن ليبيا لديها فرص كبيرة لبدء الاندماج في الاقتصاد العالمي، مؤكداً جاهزية أنقرة للعمل المشترك مع طرابلس لرفع إمكانات البلاد "خاصة في مجال الصناعة والتعدين وريادة الأعمال”. فيما أكد الوزير الليبي رغبة بلاده في العمل عن كثب مع الجانب التركي لتعزيز التعاون في مجالات الاستثمار الصناعي.
في السياق ذاته، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، عقب لقائه مع نظيره الليبي، الاتفاق على تطوير التعاون "وخاصة في مجال النفط والغاز الطبيعي”.
من جهتها، أعلنت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان أن بلادها مستعدة "لتولّي المسؤوليات اللازمة لإعادة إعمار ليبيا في مختلف المجالات، بدءاً من استثمارات البنية التحتية والفوقية، مروراً بمجالات الصحة والطاقة والتعليم”، وذلك عقب لقائها مع وزيري الاقتصاد والتجارة الليبي محمد علي الحويج، والتخطيط الليبي فاخر مفتاح بوفرنة.
استقبال رسمي حافل
واستقبل أردوغان الدبيبة بمراسم بروتوكولية ضخمة في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، ورافقت فرقة الخيالة رئيس الحكومة الليبية حتى الباب الرئيسي للمجمع الرئاسي، حيث استقبله أردوغان، وبعد وصول الزعيمين إلى منصة البروتوكول، عزف النشيدان الوطنيان التركي والليبي.
وفور وصوله أنقرة، زار الدبيبة ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وبعدما وضع إكليل من الزهور على الضريح كتب في سجل الزوار: "أود أن أعرب عن احترامي وتقديري للشعب التركي الشقيق وقيادته الوطنية، مثمنًا عاليا الدور العظيم لمؤسس الجمهورية التركية الحديثة”، وتابع: "أنقل تحيات الشعب الليبي وحكومة الوحدة الوطنية على مواقف بلادكم وحكومتكم المشرفة والداعمة لبناء دولة ليبيا، دولة القانون والمؤسسات.. نؤكد لكم حرصنا الدائم على تطوير العلاقات بين بلدينا بمختلف المجالات والرقي بها إلى أعلى المستويات”.
وهذه أول زيارة يجريها الدبيبة إلى تركيا عقب تسلمه مهامه في 16 مارس/آذار الماضي، لقيادة ليبيا إلى انتخابات عامة أواخر العام الجاري، بعد تمكن الفرقاء من التصديق على سلطة انتقالية موحدة.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقع الجانبان التركي والليبي مذكرتي تفاهم تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي. وتنفيذا لمذكرة التعاون الأمني، دعمت تركيا الحكومة الليبية في مواجهة مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعومة من دول عربية وأوروبية، والتي تنازع الحكومة على الشرعية والسلطة.
القدس العربي