أفلام الويسترن: صناعة تراكمية «للبطل» الأمريكي

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
صورة «البطل الأمريكي» في السينما، تعلقت، كما لم تفعل في جانرات أخرى، بأفلام الويسترن الأمريكية. سبقت هذه الصورة، هنا، «زميلاتَها» في أفلام أخرى لحقتها، كان لعميل مخابرات أو تحقيقات، أو سوبرمان واقعي أو خارق، أو جندي أمريكي في واحدة من بقاع العالم، كان لها فضلٌ متواصل في توجيه صورة الأمريكي في أذهان العالم/المشاهدين. كل هذه بدأت بالرجل الكاوبوي الأبيض، الأشد مهارة في تصويب مسدسه، وفي ركوب خيله، وفي قتال «الآخرين» الغرباء، هم هنا مجرمون أو سكان بلاد أصليين أو مكسيكيون.
أفلام الويسترن، وهذه من الجانرات/الأجناس الأولى للسينما في أمريكا والعالم، بدأت بصورة الأمريكي الجيد، واستمرت بها إلى يومنا، ومنحته، لطبيعتها، كما منحت السينما، المساحةَ والحركة اللازمتَين، لاعتماد هذه الأفلام على كليهما، في صحراء شاسعة وبحركات أبطالها السريعة والمباغتة. وكانت الأكثر، من بين كل الجانرات، في تكريس هذا «البطل» وتنميطه، وهو الذي سيصير من خلال السينما، إلى يومنا، أسطورة، يبنيها بالقتال من أجل الخير، هي أسطورة الأمريكي الجيد، في لحظات بناء الأمة إثر الحرب الأهلية الأمريكية، وأزمنة الويسترن تدور في معظمها، في ذلك الزمان. والأمريكيةُ كصفة أساسية للبطل قد تعدته إلى جانر الفيلم نفسه، وقد سماها، أفلام الويسترن، الناقد الفرنسي آندريه بازان بـ»السينما الأمريكية بامتياز».
هي كذلك، السينما الأمريكية، بأل التعريف، من أفلامها الأولى، حتى أيامنا، وقد تمحورت حول بطولة الفرد الاستثنائية، وعموماً، انتصاراته في النهايات، إذ كانت، مع غيرها، من مرسخي ضرورة النهايات السعيدة في الأفلام، كما رسخت تباين الخير والشر في الصراع داخل الحكايات. هي النهايات التي ينتصر فيه الخير الأمريكي، بالضرورة، على الشرير الآخر، على الخارج عن المجتمع كالمجرم، أو عن الأمة كالأجنبي. ودائماً، اعتباراً لمشاعر المتفرجين، دافعي الضرائب وثمن التذاكر، في المدن والصحراء الأمريكية.
لكن، هذه «الأمركة» في الأفلام، وهذا «التفليم» حول الأمريكي، لا يعني أنها سينما رديئة، فهذا أمر آخر. هي، كغيرها من أفلام الجانرات، تتفاوت في جودتها. ظهور مَشاهد عنصرية في بعضها، مبتذلة في أخرى، رتيبة في غيرها، لا يعني أن مخرجين متمرسين لم ينجزوا أفلاماً عظيمة ضمن هذا الجانر. ولسطوة السينما على الواقع، يمكن أن نقول إن بعضاً من الأفلام الممتازة تعود للإيطالي سيرجيو ليوني، ما يعني أن هذا الجانر السينمائي تخطى الوطنية الأمريكية إلى نوعٍ فنيٍ عابر للوطنيات. لكن قبل ليوني، وكي ندخل في بعض العناوين، لنمر زمانياً على أفلام قد تكون من بين الأفضل في ما أنتجته السينما، ضمن جانر الويسترن، أو بالعربي: أفلام الغرب الأمريكي، أو بالعامية، أفلام الكاوبوي، دون أي اعتبار لعنصرية ما يمكن أن يحمله هذا الفيلم أو ذاك، كي لا نضطر، أخيراً، لمحو جزء أساسي من التراث السينمائي في العالم، ومن هذا الجانر تحديداً، من جردنا هنا. ولذلك للجانب العنصري، يمكن أن يكون مبحَث آخر خارج هذه الأسطر.
يمكن أن نبدأ بـ Stagecoach 1939 ما يمكن اعتباره أول فيلم ويسترن ممتاز، بعد إخفاقات أفلام أخرى في تصوير راعي البقر كبطل أمريكي، الفيلم لجون فورد الأكثر التصاقاً ورياديةً بهذا النوع من الأفلام، له منها كذلك The Grapes of Wrath، 1940 و The Searchers 1956، وقد يكون أفضلها، وThe Man Who Shot Liberty Valance 1962 وغيرها، ما جعل الرجلَ مرجعاً أولَ للويسترن. الأول زمانياً كذلك، فأفلامه حامت حول الزمن الذهبي/الانطلاقي للوسترن وهي الخمسينيات. وفي معظم أفلامه قدّم فورد البطل من خلال الممثل جون واين، الذي التصقت به تلك الصورة، لكم ونوع ما مثله كراعي بقر، بطل أمريكي، في الحرب الأهلية وما حولها. التصقت إلى درجة قول المخرج هوارد هاوكس مرة إنه «خلال الأشهر الأخيرة من حياة فورد، كنا نناقش صعوبة صناعة فيلم ويسترن دون جون واين».


جون واين

وإن كان فورد وأفلامه انطلاقة خاصة في مسار الويسترن، كنوع جاد ومن الدرجة الأولى في السينما الأمريكية، إلا أن هناك إشارة لا بد منها هنا إلى أول فيلم ويسترن، وبه تأسست صورة البطل راعي البقر، بقبعته ومسدسه، وهو الفيلم القصير (12 د.) الصامت The Great Train Robbery 1903 لإيدوين بورتر، ومع هذا الفيلم وما لحقه، تراكمت المواضيع الأثيرة في هذا الجانر، إضافة إلى هيئة بطلها، فهي مرتبطة بالجريمة والسرقة والسطو والانتقام والحرب الأهلية، والكثير منها يكون في سياق تنقلات طويلة في الصحراء الأمريكية الخالية إلا من حانة هنا، وفندق أو محطة قطار هناك وقرية صغيرة هنالك.
مرحلة أخرى من تاريخ الويسترن أتت مع الإيطالي سيرجيو ليوني، الذي منح في الستينيات سينما الويسترن بعداً خاصاً، بلقطاتها المقربة، والتأملية الطويلة، بالموسيقى الخاصة، وببطل حل محل واين هو كلينت إيستوود، من أفلام ليوني: A Fistful of Dollars 1964و For a Few Dollars More 1965 وThe Good, the Bad and the Ugly 1966 وOnce Upon a Time in the West 1968 وغيرها، ومن خلالها حول ليوني الويسترن من «سينما أمريكية بامتياز» إلى نوع سينمائي عالمي يمكن لإيطالي أن يتفوق فيه على زملاء أمريكيين، وإن كان الفيلم حكايةً وسياقاً ومكاناً وشخصيات، أمريكياً.
بين فورد وليوني، وبعدهما برزت أفلام منفردة، كان لها دورٌ مماثل في أساسيتها، في بناء هذا الجانر، أبرزها، وهو واحد من أهم أفلام الويسترن، Red River 1948 لهاورد هاوكس، وغيره كـ Rio Bravo 1959. ولفريد زينمان High Noon، 1952 ولسام بيكنباه The Wild Bunch 1969وغيره. ولجورج روي هيل Butch Cassidy and the Sundance Kid 1969. ولروبرت ألتمان McCabe & Mrs. Miller 1971.
بالانتقال في الزمن، إلى أفلام أقرب إلينا، يمكن أن نبدأ بإيستوود الذي انتقل من التمثيل إلى الإخراج، في فيلمه Unforgiven 1992 مع هذا الفيلم وغيره مما ستُذكر أدناه، أكملَ الجانرُ مواضيعه ذاتها، مع حساسية أكبر تجاه المسألة العنصرية، وواقعية أكثر في بطولة شخصياتها، وتداخل إنساني بين الخير والشر، وهنا سنخرج من الكلاسيكيات إلى الويسترن الحديث، من هذه الأفلام: لجيم جارموش Dead Man 1995 ولجون سايلس Lone Star، 1996. ولرون هاورد The Missing 2003. ولجون هيلكوت The Proposition 2005. ولتومي لي جونز The Three Burials of Melquiades Estrada 2005. ولإيثان وجويل كوهين No Country for Old Men 2007. ولأندرو دومينيك The Assassination of Jesse James by the Coward Robert Ford 2007. ولكيلي ريتشارت Meek’s Cutoff، 2010. ولكوانتين تارنتينو Django Unchained 2012 وكذلك The Hateful Eight، 2015.
يمكن لهذه اللائحة أن تطول، لكنها، هذه بمزج بين رأي شخصي ببحث موضوعي، الأفضل أو من بينها، من بين الكلاسيكي والحديث، في ما أنتجته السينما العالمية من جانر الويسترن، الذي بدأ كطبيعة صحراوية غرب أمريكية، تصور أبطالاً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وواصلت على مدى أكثر من قرن، في تصوير مهارة هؤلاء الأبطال في تصويب مسدساتهم، إلى – وهذه إضافة لافتة – اليوم في فيلم بعيد نسبياً عن معارك هذا الجانر وهو News of the World 2020، لبول غرينغراس وبطولة توم هانكس، وفيه حياة في الغرب الأمريكي، آنذاك، إنما كما لم نتعود عليها، في سلمية بطلها وحكمته، المتجول بين قرى الصحراء، ليقرأ من أخبار العالم. وفيه توجه الجانر إلى مساحة أكثر إنسانية، وأقل عنصرية وجرائمية وبطولة صنعت، بالقتل السهل، صورة الولايات المتحدة، كالبطل الخير والمخلص، في العالم.
سليم البيك
كاتب فلسطيني
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences