ما الذي يجمع الإصلاحيين في الأردن؟
الشريط الإخباري :
فهد الخيطان
قبل أن يتوجه المطالبون بالإصلاح في الأردن إلى الحوار مع الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية، عليهم أن يخوضوا حوارا فيما بينهم، وسيكتشفون كم هي المسافات بينهم شاسعة.
دعاة الاصلاح موزعون على تيارات واتجاهات واحزاب متنوعة، فيهم الإسلاميون واليساريون والليبراليون والحراكيون، وهؤلاء أيضا بينهم من التباينات أكثر مما لديهم من خلافات مع الحكم والحكومة.
والخلاف لا يقتصر على نظرتهم لتشريعات الاصلاح السياسي كقوانين الانتخاب والاحزاب واللامركزية والجرائم الإلكترونية، فهذه العناوين على أهميتها يمكن التوافق عليها والوصول إلى صيغ ترضي مختلف الأطراف. الأهم هو الموقف من القضايا والمبادئ الجوهرية المتصلة بعناوين كبرى كالمواطنة والحريات الشخصية والنهج الاقتصادي المطلوب، ومسائل أخرى متصلة بالهوية والعلاقة بين المكونات الوطنية.
لنجرب فتح حوار حول هذه المبادئ بين الاسلاميين واليساريين على سبيل المثال، أو الحراكيين والليبراليين وسنجد فوارق كبيرة وفجوات يصعب ردمها، تستدعي نقاشا طويلا ومستفيضا.
موقف الليبراليين من الحريات الشخصية مختلف جذريا عن موقف الاسلاميين، وبين الاتجاهات الوطنية الحراكية تصور مختلف للنهج الاقتصادي عن سواهم من القوى، فبينما يعتقد كثيرون أن الطريق الصحيح هو اقتصاد موجه وممسوك من القطاع العام، يرى الليبراليون مثلا أن اقتصاد السوق الحر هو الخيار الأنسب لتحقيق الازدهار والتقدم.
قضايا كالمساواة بين الجنسين هي محل خلاف كبير بين مختلف الاتجاهات السياسية، وقد شهدنا تمرينا ساخنا حول هذا العنوان في نقاشات مجلس النواب السابق لتعديلات قانون الأحوال الشخصية.
حول هذه العناوين وسواها يمكن ترسيم الحدود بين المحافظين والليبراليين على نحو تتداخل فيه الألوان السياسية والأيديولوجية، وتذوب الخلافات بين فرقاء السياسة لحساب الثقافة السائدة، إلى درجة قد نشهد فيها تحالفات عابرة للتيارات، وخلافات في صفوف الفريق الواحد.
مأزق الاصلاحات في الأردن يتمثل في غياب البنى الثقافية والاجتماعية القادرة على تلبية شروط التحول الديمقراطي بأبعاده الاجتماعية والطبقية، وتخلف هذه البنى عما تشهده المجتمعات من تحولات بنيوية هائلة.
ما قاله النائب المسيس عمر عياصرة في مقابلة صحفية عن استعصاء الحياة الحزبية بسبب البنية الاجتماعية الرافضة للانخراط في روابط حزبية صحيح إلى حد كبير.
في الأردن السلطة السياسية ومؤسسات الدولة تشكل ثقافة لجمهور عريض وليس مجرد بنى فوقية تدير شؤون الناس. الدولة والمجتمع لم يتمكنا بعد ورغم مرور مائة عام على قيام الدولة من تعريف العلاقة بينهما بشكل واضح، لا أعني من الناحية القانونية، إنما من حيث الأدوار والمصالح المتبادلة.
عمليا، بدأت الحكوات حوارات جس النبض مع الأحزاب بشأن التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب، وما سمعناها في السابق من أفكار ومقترحات سنسمعها من جديد، ثم ينتهي بنا المطاف إلى صيغة توافقية تعكس ميزان القوى والمصالح في الوقت الراهن.
هذه مهمة في متناول اليد وسبق لنا أن أنجزناها، لكن ذلك لن يغير في الحال كثيرا. الاصلاح العميق يتطلب حوارات من نوع آخر بين ممثلي القوى الاجتماعية حول المسائل الجوهرية، بصرف النظر عن مسار الحوار مع الحكومة.